إنّ الديمقراطية العلمانية هي الطريقة العادلة في الحكم التي تضمن للشعب التحكم في سلطته وثروته وادارتها بكفاءة ورشد بعيداً عن الإقصاء والتهميش والقمع لأفراده بسبب انتماءاتهم واختياراتهم الفكرية وبما يوفر الشروط الاساسية للاستفادة المجتمعية من قدراتهم وممكناتهم في عملية التنمية والتقدم .
إنّ الديمقراطية تأتي في هذا السياق المتلازم بوصفها أفضل ما توصل اليه الفكر البشري من طرق شغل السلطة وتنظيم تداولها عبر الارادة الشعبية الحرة وبما يقي المجتمع من فساد السلطة ويحمي اطيافه الفكرية السياسية والدينية من القمع والتصفية . وتأتي العلمانية في هذا السياق كذلك باعتبارها آ لية فعالة في الحكم تمنع من استخدام المقدس الفكري في التغول على المجتمع عبر الارهاب الفكري وإباحة التعرض لأفراد المجتمع بالأذاء والتضييق والإبعاد ومصادرة حقوقهم وممتلكاتهم ،فلا يوصم افراده بالكفر او الزندقة او الظلامية او الرجعية ونحوها من الاحكام الجاهزة والتي تهدر حق الاخر في الاختيار الفكري. تأتي العلمانية في هذا السياق آلية تمنع من اطلاق الاحكام الموغلة في تقديس الذات ونسف الآخر بما يؤدي الى غمطه والتجاهل العملي له ومنعه من المشاركة في بناء وطنه وخدمة مجتمعه بالطريقة الأكفاء والأجدر والأجدى وتحول بينه وبين حريته وحقه في التعبير عن آرائه ومواقفه وحشد التأييد لها ومؤازرتها واعتناقها بالطريقة التي يسمح بها القانون العادل الذي يستند على حق الجميع في المساواة في الواجبات والحقوق بما في ذلك حق التعبير والحرية التي لا تمنع الطرف الاخر من حقه في حريته واعمالاً لقاعدة المنع من الاضرار باي طرف وباي حجة .

ان العلمانية في هذا السياق مهمة لتوطين الديمقراطية و آلية لقمع نزعات التوحش والارهاب عند الانسان باسم المقدس وبواسطته .ان العلمانية في واقع الامر وفي سيرورتها التاريخية لم تكن ،ولن تكون،ضد الاديان ولكنها ضد التغول باسم الاديان وباسم الفكر البشري المقدس عند اصحابه .انها في الوقت التي تمنع فيه التغول الا انها تتيح حرية التدين .انها تمنع تشويه المقدس ومحاولة النيل منه ولو في صورته كفكر بشري مستند اليه ،وهي تتركه للتجربة لتثبت مدى صلاحية ذلك الفكر ووجاهته وقدرته على تمكين الشعوب من التطور والترقي السياسي والاقتصادي والتنموي .

ان الديمقراطية العلمانية هي المخرج المتكامل للمجتمعات من عناء التسلط الفاسد ومن شقاء (المقدس)المصطبغ بنزعة الانسان التسلطية الفاسدة،ولتتمكن المجتمعات من شق طريقها بنفسها ودون وصاية نحو التقدم وتعزيزه والازدهار وترسيخه وكل ما تحلم به وتنشده في حاضرها ومستقبلها من منجزات مادية ومكتسبات حضارية عمارة للأرض وتلك غاية خلق الله الانسان وهيأ له هذه الارض للقيام بها على اتم وجه.وهي في المقابل ترك المجال واسع لـ (المقدس)ان يثبت نفسه على مستوى العلم والاقتصاد والاخلاق والآداب والفن،دعه يعمل واترك لخليفة الله في ارضه يحكم عليه. و لتكن العلمانية حتى لا يتم تسخير السلطة السياسية وبصورة مباشرة لصالح أي فكر نؤيده كنا او نعارضه او نترقبه يبزغ او ينطفئ،دع الدين يعمل في الواقع وسط الشعب الذي يصنع السياسة والسلطة السياسية التي يبقى تأثيرها على فكرها مستحيل الامتناع .تختص السياسة بالدنيا كما يقتصر عليها دور السلطة السياسية وليدة الديمقراطية ،ويختص الدين بالتعبد الفردي للمقدس.