يدخل برشلونة مباراة الكلاسيكو وحالة من القلق تسيطر بشأن مستقبل الفريق في ظل أوضاعه السيئة رياضياً وإدارياً وقانونيا.
يخوض الفريق الكتالوني هذه المباراة لحساب نهائي الكأس والشك في مدرب الفريق تاتا مارتينو واضح عقب خروجه من دور الثمانية في دوري أبطال أوروبا وخسارته ضد غرناطة من بعدها ليبتعد عن صدارة الدوري بفارق 4 نقاط.
ورغم الحديث عن رحيل تاتا نهاية الموسم فإنه لديه من الظروف ما إن طرحت على الطاولة تجعله يبدو كالمظلوم مع عدم إعفائه من بعض الأخطاء،والإشارة إلى أن الكلام عن رحيل مارتينو بدأ في شهر نوفمبر 2013 أي قبل سلسلة النتائج السيئة هذه، وكأنه محكوم عليه بالخروج من قبل البداية.
فلم يعرف برشلونة في تاريخه الحديث موسماً مليئاً بالفضائح كالموسم الحالي، فمع قضايا ضرائب ميسي المستمرة والتي تضخمت لتصل الحديث عن غسيل أموال، ثم قضية عقد نيمار من جهة وفضائح مالية عديدة للرئيس السابق ساندرو روسيل من جهة أخرى ليكون هناك عدة قضايا فساد إداري انتهت باستقالة الرئيس وهروبه المؤقت إلى لندن، وتم تتويج كل هذه المشاكل بشكل رسمي مع إعلان الفيفا حرمان برشلونة لفترتي سوق انتقالات، ليصبح البيت الكتالوني مهتزاً فوضوياً من الداخل على نحو لم يعشه أي مدرب من قبل في العقد الأخير مع برشلونة.
وعند تناول تاتا مارتينيو كمدرب يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أن المدرب الأرجنتيني لم يحصل على وقتٍ كافٍ في تحضيرات الفريق قبل بداية الموسم، فهو أدار أول حصة تدريبية له في 29 يوليو 2013 علماً أنه مدرب جديد تماماً على أوروبا، وهذا يعني أن فترة التحضير لم تكن كافية للمدرب كي يدرك النهج الذي يجب أن يلعب فيه مما أجبره على الإبقاء على الأمور كما هي، عدم تغيير جعله يدفع الثمن حتى الآن على شكل مطالبات برحيله.
ولم يعرف أي مدرب في الفترة الأخيرة ثورة من اللاعبين البرشلونيين المعروفين بانضباطهم وإعلان رحيل كما حصل مع تاتا مارتينو سيء الحظ، فعندما يخرج ركنان من أركان الفريق مثل فيكتور فالديس وكارلس بويول معلنين الرحيل مع نهاية الموسم، ويردد لاعبون أخرون أمثال مونتويا وماسكيرانو وألفيس كلاماً يفتح المجال للرحيل، فإن هذه أجواء سلبية تجعل الفريق فاقداً لتركيزه وتوازنه في آن واحد، وهي أمور يفضل حسمها وإعلانها عادة في الصيف وليس اثناء الموسم التنافسي.
ولم يعش أي مدرب قبل تاتا مارتينو حالة غياب ليونيل ميسي بدنياً للإصابة وذهنياً بعد ذلك كما يحصل هذا الموسم، بل إن جوارديولا خرج من دوري أبطال أوروبا كلما فشل ليونيل ميسي بتقديم مباراة ممتازة، وعندما لعب برشلونة أمام سان جيرمان في عصر تيتو فيلانوفا كاد أن يخرج حتى دخل النجم الأرجنتيني لدقائق قليلة فأنقذهم.
وهذا الموسم عانى ميسي من ضغوطات قضاياه خارج الملعب والإصابات، ثم زاد الطين بلة بمشاكل ميسي واصطدامه العلني مع الإدارة لرغبته بتجديد عقده ورفع أجره وتلويحه بالرحيل كما ادعت الصحف ووصول المسألة ليتحدث ميسي مهاجماً أحد أعضاء الإدارة قائلاً له "أنت تتصرف كمدير لشركة وليس فريق كرة قدم".
واستمرت الحكاية مع الفائز بأربع كرات ذهبية بشكل درامي لم يتوقعه أحد، فالكلام عن عدم رغبته بتقديم كل ما لديه حتى لا يتعرض لإصابة بسبب المونديال، بل وصل الأمر للترويج في الأوساط الإعلامية الإسبانية إلى أنه أخبر زملاءه بذلك صراحة وطلب منهم الصبر عليه حتى الموسم المقبل، خذلان ليس من السهل التعامل معه من قبل أي مدرب بمن فيهم تاتا مارتينو.
ومما فرض على تاتا مارتينو من دون أن يكون له خيار أيضا الالتزام بفلسفة برشلونة بيب أو "التيكي تاكا"لدرجة كبيرة، فالفريق مطالب بالهجوم ومطالب بالأداء الجميل كي ينتصر وكذلك عليه أن يظهر أرقام الاستحواذ كبيرة التي اعتادها الجمهور، فمباراة واحدة كسبها بنتيجة كبيرة ضد رايو فايكانو خسر فيها الاستحواذ أقامت الدنيا ولم تقعدها، ليتم فرض الأمرعلى المدرب الأرجنتيني مع وجود اختلاف واضح بأن لاعبي برشلونة لم يعودوا قادرين بدنياً على توفير نوع الضغط العالي القديم وقاعدة السبع ثواني في استرجاع الكرة فظهر عيبهم الدفاعي الواضح.
كما أن أسلوب اللعب الهجومي بات معروفاً لكثيرين فاستطاعوا إيقافه، وهو ما يجعل فريق السداسية عام 2009 يلعب بنصف الفكرة فقط، وكأن البرسا يعيش حالة من الفصام الفكري في الملعب ما بين تيكي تاكا بالتمرير ومواصفات لا تلاءمه في الحسم الهجومي والصلابة الدفاعية، فكان دفع الثمن في عديد المناسبات باهظاً وخسر مع غرناطة لأول مرة بعد 42 سنة!
أمور أخرى يجب النظر إليها تتعلق بسوق انتقالات لم يفعل معها تاتا مارتينو أي شيء ،فنيمار صفقة محسومة قبل قدومه ابتلعت ميزانية الفريق ومنعته من شراء أي لاعب أخر، وهو ما يفسر قول يوهان كرويف قبل أيام "في برشلونة المدرب لا يدير الفريق"، ولو صدقت مقولة إن برشلونة هو ثيرموميتر منتخب اسبانيا فإن هذا يبرز تراجعا في مستوى البارسا من خلال نتائج المنتخب، فهو تأهل بصعوبة بالغة للمونديال على فرنسا غير المتوازنة، كما أنه خسر بنتيجة ساحقة أمام البرازيل 3-0 في نهائي كأس القارات وبأداء استسلامي بعدما تأهل إلى هذه المواجهة عن عدم استحقاق فني عندما تفوق عليه المنتخب الإيطالي باللعب في الوقت الأصلي لكنه خسر بركلات الترجيح، تراجع يوضح أن الأمر قد لا يتوقف فقط على المدرب.
ما سبق لا ينفي مسؤولية تاتا مارتينو بارتكاب بعض الأخطاء، فهو رغم معاناة الفريق الهجومية ما زال يصر على وضع كريستيان تيو احتياطياً مع أن هذا المهاري قد يأتي ببعض الحلول ولم يفكر بتجربته حتى في ظروف محسومة، معززاً الأقاويل بأن عقوبة هذا الشاب إدارية لخلافاته مع ليونيل ميسي، كما أن مبدأ المداورة في غير وقتها جعل الفريق يخسر نقاطاً مهمة، إضافة إلى عدم لجوئه للمغامرة في بعض الظروف الصعبة وهي شريطة أساسية لأي مدرب في فريق كبير، فاكتفى دوماً بالتبديلات القائمة على لاعب بلاعب في نفس المركز .. لكن كل هذه الأخطاء قد يرتكبها مدربون أخرون مصنفون على أنهم الأفضل في العالم.