الظاهرة الصنمية في العالم المعاصر
عصام الطائي
الظاهرة الصنمية في العالم المعاصرمنقول
قد يتم الاستفسار عن شخص معين فيقال له انه اسمه محمد ولكن بعض الأحيان قد يسبب ذكر الاسم خطرا على حياته فيطر البعض ان يستعمل التنكير فيقول جاء شخص وكل ذلك في سبيل توفير الحماية له لئلا يتعرض الى التهلكة من جراء ذكر اسمه واذا كان الشخص يحتاج زيادة في تعريفه لاغراض مختلفة فتذكر أكثر من صيغة للتعريف كما هو الحال حينما سئل الفرزدق عن الامام السجاد ع قال ( هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ) فاستعمل الشاعر صيغة كلمة ( هذا ) وهو اسم اشارة واستعمل اسم الموصول ( الذي ) لزيادة في تعريفه وكان قصد الشاعر ليبين عظمة شخصية الامام السجاد ع وهو يستحق الثناء والمدح الا ان الكثير من الناس لا يستحقوا هذا الثناء والمدح فلا يمكن ان يمدحوا كما لو كان ذلك الإنسان طاغيا او ظالما او فرعونا او فاسدا او مفسدا و قد يكون إنسان له صفة الخير هو الغالب فيوجه له المدح الا انه لا مانع من ذكر بعض أخطاءه الا ان صنف من الناس لا يرغب ان يستمع الى أي نقد من أي طرف بل يحب المدح والثناء فقط.
وفي العالم الاسلامي توجد مرجعيات دينية وفكرية وثقافية مختلفة سواء في مشهد او القاهرة او قم او دمشق او أي مكان أخر فان أي كاتب اذا أراد ان يتكلم بالتصريح في نقد بعض تلك العناوين هنا وهناك سوف توجه له كل الاتهامات الباطلة من قبل أكثر من طرف لان اغلب الناس يحب المدح والثناء والإطراء أكثر من توجيه الانتقادات وكان هناك جملة من أقوال أهل البيت ع بان قول الحق ما يبقي للإنسان صاحب او صديق لذلك يستعمل الناس كثير من المجاملات بتوجيه المدح والثناء والإطراء على حساب قول الحق والصدق مما سبب تكريس الأخطاء والسلبيات والمظالم في شتى البقاع .
وفي الساحة العراقية اذا قمت بقراءة لكل جهة من الجهات في الساحة السياسية كذلك سوف يتعرض الى التهلكة خصوصا اذا كان الشخص في العراق وان تواجد كثير من أصحاب الأقلام في الخارج وفر لهم عامل الحماية وان كل طرف من الأطراف لا يخلو من عناصر قوة او ضعف وان وجود الأنانية وغلبة المصالح الشخصية لبعض الجهات ساهم في عزوف كثير من الطاقات في العراق من المشاركة في أي منصب مع العلم ان هناك كثير من الطاقات العراقية التي لها الأهلية لخدمة العراق وان هناك كثير من الأشخاص لهم حرص شديد على خدمة العراق .
وفي المجال التربوي يهتم علماء التربية بضرورة الاهتمام بتشجيع الأطفال على التصرفات الايجابية وتوجيه المدح والثناء لهم على التصرفات الايجابية وان توجيه الانتقادات الى الأطفال فقط سوف يسبب تكريس كثير من التصرفات السلبية وعدم التخلي عنها وان هناك جملة من السلوكيات يتصرف الأطفال وهي عبارة عن تجربة وليس عادة وان تكريس النقد السلبي قد يحول التجربة الى عادة الا ان في الحياة الاجتماعية في غير عالم الطفولة لا يمكن تطبيق هذه النظرية دائما فلا بد ان نذكر الأخطاء والسلبيات وفي نفس الوقت نذكر الايجابيات الا ان البعض لا يفهم الا لغة المدح والثناء والإطراء هذا مما سبب تراكم التقصيرات ووصلنا الى ما وصلنا اليه وان الكثير من أصحاب الشأن يصعد ويلقي كلمته ولكن لا يعود الناس على المناقشة بل يعتبر كلامه من باب المسلمات هذا مما سبب ضعف التواصل بين المستمع والمتكلم .
وعلى المستوى الشخصي كثير من الناس يتعامل مع أسلوب المجاملة على حساب الحق الا ان الإنسان المخلص يقول كلمة الحق لصديقه وهذا تعبير عن كونه صديقا مخلصا اما صديق السوء فيزين لصديقه عمل السوء ونفس المشكلة في الأحزاب والتكتلات والحركات سواء أكانت الإسلامية او القومية او اليسارية او الليبرالية فكلما كان جانب النقد والمحاسبة شديد كلما حصل تصحيح في الأخطاء والسلبيات وكلما كان تهاون كرست الأخطاء وأصبحت القيادات الحزبية يشوبها الفساد لذلك نلاحظ ان كثير من الأحزاب يوجد بها نوع من المافيات تحافظ على نفسها وتبقى دائمة هي في أعلى الهرم ولا تقبل ان تنزاح من القيادات العليا ونفس المرض موجود وبصورة اكبر عند رؤساء الدول وعلى مستوى المرجعيات الدينية والثقافية والسياسية حيث ترغب ان تكون محصورة تحت عناوين معينة من بيت فلان وفلان ويعتبروا ان كل شخص يريد ان يصل الى دائرة الضوء يعتبر منافس لهم وهكذا نلاحظ هذه المشكلة في اغلب القطاعات في دوائر الدولة والمؤسسات فلا تخلو جهة من هذه الأمراض .
ونفس المشكلة على مستوى الحضارات فان الغرب يعتبر نفسه متفوق على كل الحضارات ويحاول ان يصدر ما عنده من أفكار وقيم الى الآخرين بأي صورة كانت ويعتبر بقية الحضارات لا تمثل شيء ويحاول ان يحصر الحقيقة لنفسه فقط وهكذا تبدو هذه المسالة هي مشكلة البشرية فكل فئة من الفئات او دين من الأديان او مذهب من المذاهب او مرجعية من المرجعيات او حضارة من الحضارات تعتبر نفسها انها صاحبة الحقيقة المطلقة ومن هنا كان القران يدعو الى كلمة السواء من خلال الدخول في الحوار ليتعرف على عناصر القوة والضعف لكل طرف من الأطراف فعن طريق الحوار تتفتح العقول والقلوب ويحصل تواصل وان الانغلاق يجعل الإنسان حبيس ذاته ويحاول ان يقنع ذاته بأنه يمثل الحقيقة المطلقة.
وان اكبر الأصنام هو صنم النفس وان أي جهة من الجهات لا تخلو من وجود ظاهرة الصنمية والمقصود هو التعلق الشديد بالنفس يقول أهل العرفان ( ان أم الأصنام هو صنم نفسك ) فان صنم النفس يمنع الإنسان من توجيه النقد اليه علما ان النقد هو الذي يكسر الأصنام فهل مستعد الكثير من الأفراد والأحزاب والمرجعيات الفكرية والدينية والثقافية والدول والحضارات ان تكسر أصنامها ؟ والجواب كلا لان الكثير يرفض ان يكسر الأصنام بل البعض هم الذين يصنعون الأصنام وكل طرف يريد ان يكون له صنما يعبده تارة من خلال توجيه المدح والثناء وأخرى من خلال تقديم التبريرات والتأويلات للأفعال والسلوكيات السلبية والأخطاء والانحرافات فبكل سهولة قد يظلم البعض الآلاف من البشر ويقدم الف تأويل وتبرير لجعل مشروعيه لأفعاله.
والسبب في كل هذا لان الإنسان يعيش في وهم وهم حب الذات ووهم حب الدنيا ووهم السلطة ووهم الزعامة ووهم المال ووهم الجنس وهكذا كثير من الأوهام ولا يمكن ان يتخلص الإنسان من تلك الأصنام ما لم يتخلص الإنسان من الأوهام وان الأوهام تجعلنا نصدق بكثير من الأمور وهي خاطئة ونقدس كثير من الأمور وهي خاطئة ونحب كثير من الأمور وهي خاطئة ونركض على كثير من الأمور ليلا نهارا وهي خاطئة ويقتل كثير من الناس وهي تصرفات خاطئة ويظلم كثير من الناس وهي مظالم خاطئة وتسلب حقوق كثير من الناس وهي سلوكيات خاطئة.