في غيبة الإمام المهدي أرواحنا فداه والحكمة فيها، وقدمنا بأن الحكم المستفادة من الأدلة الشريفة والتي يعاضدها العقل
.لغيبة الإمام روحي فداه وطول غيبته هي تمييز المؤمنين وخروج ما في الأصلاب, وأنتم تعرفون أن ظهور الإمام روحي فداه يكون ظهوراً على جميع الكرة الأرضية (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)(1) لذلك يكون إصلاحه إصلاحاً كونياً، أي يصلح جميع ما في الكون ومن في الكون، وهناك في الكون كافرون وفي أصلابهم مؤمنون، ومؤمنون وفي أصلابهم كفار, فيلزم التمييز ويلزم أن يكون الكافر مميزاً عن المؤمن خارجاً من صلبه، وكذلك المؤمن خارجاً من صلب الكافر، حتى لا يحترق أحدهما بذنب الآخر، وحتى لا يجزى أحدهما بذنب الآخر، ويلاقي كل واحد منهم جزاء عمله.
بالنسبة إلى الإصلاح المأمول من الإمام المهدي أرواحنا فداه هو نظير الإصلاح الذي كان بالنسبة إلى نوح عليه السلام ، فكما أن نوح بعد دعوته 950 عاماً وبعد أن رأى أن دعوته لم تؤثر في أكثر من السبعين كان المقرر نزول العذاب الإلهي، إنما نزل العذاب بعد أن تميز وحصل التمييز وحصل التزيّل _ يسمّى بالتزيل يزول المؤمن عن الكافر والكافر عن المؤمن _ حصل التزيل ثم نزل العذاب، لذلك في الآية الشريفة تبين على لسان نوح: (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَْرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً).(2)
الولادات انتهت والتميز صفا في الأصلاب, إنما كان الكافر بحدّ ذاته وليس في صلبه مؤمن, والمؤمن ليس في صلبه كافر, هنالك حينما تميزوا يلاقي كل واحد جزاء عمله، وهذه سنّة إلهية موافقة للعدالة الإلهية، فإذا كان الكافر في صلبه مؤمن ويقتل على يد الإمام الحجة أو بيد أعوانه هذا خلاف العدالة.
يلزم أن يحصل التميز ويحصل التزيل ويكون الكفار في جهة والمؤمنون في جهة أخرى. ثم إن لم يؤمن الكفار لاقوا جزاءهم، فقد يقتل المؤمن في صلب الكافر وهذا خلاف العدالة ولم يكن من سنة الله في الأنبياء الماضين ولا في الأئمة عليهم السلام.
لذلك مسألة التزيل ومسألة التميز من الأمور التي تدعو إلى غيبة الإمام إلى أن يتزايل المؤمن من الكافر ويخرج المؤمن من صلب الكافر، يخرج الطيب من الخبيث ويخرج الخبيث من الطيب.
وهذه في جميع الأزمان موجودة, أنه هناك أسلاف مؤمنون في أصلابهم كفار، وهناك أسلاف كفار في أصلابهم مؤمنون, ولا يمكن أن يؤخذ أحد بذنب الآخر، لذلك يلزم التزيل، والشاهد على ذلك أدلة كثيرة وشواهد وجدانية وفيرة، ومن باب المثال نمثّل بموردين:
الحجاج الثقفي عليه اللعنة والعذاب ممن تعرفونه جميعاً أنه سفاك قتال لشيعة أمير المؤمنين، يأخذ الشيعة على الظن والتهمة لولائهم لعلي عليه السلام ، ولكن جعل الله في صلبه حفيداً من مخلصي أمير المؤمنين ومن مجيدي الشعر في أمير المؤمنين ومن المتفانين في علي بن أبي طالب، على خلاف جده الحجاج، وهو الحسين بن أحمد بن الحجاج, من شعراء الغدير، فإذا كان مثل هكذا شخص في صلب هكذا شخص ويقتل في زمن الإمام أليس هذا جفاء يقيناً؟
الحسين بن أحمد بن الحجاج لاحظوا شخصيته، حيث ينقل المرحوم المحدّث القمي _ أعلى الله مقامه _ أنه حينما توفي كان قد أوصى أولاً ادفنوني عند قبر موسى بن جعفر عند رجليه واكتبوا على القبر (وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ)(3) وفي أشعاره لأمير المؤمنين أرواحنا فداه شعر عجيبٌ في الولاء، وفائيته المعروفة التي ينقلها صاحب الغدير أعلى الله مقامه, قطعة من الشعر موشحة بالآيات القرآنية, بمعنى أن الآيات ضمن صياغتها الشعرية, ومنها:
يا صاحب القبّة البيضاء في النجف
منقول