مر على بدء المواجهات في مناطق شرق سوريا بين "الدولة الإسلامية في العراق والشام" داعش و"جبهة النصرة لأهل الشام–تنظيم القاعدة" أكثر من شهرين. وبعد معارك مركدة الأخيرة، والتي كانت الأكثر دموية بين الفصيلين، حصلت مواجهات عنيفة في مدينة البوكمال الحدودية مع العراق. فما هي خلفيات هذه المواجهة الأخيرة وهل هي في السياق "الطبيعي" لمعارك الشرقية؟



كيف بدأ القتال؟

بدأ القتال في البوكمال إثر هجوم قام به مقاتلون من "الدولة الإسلامية في العراق والشام" على المدينة فجر يوم أمس الخميس. لكن الهجوم على المدينة لم يأخذ شكل اقتحام عسكري واسع، وبدا جليا أن لمقاتلي "الدولة الإسلامية" هدفا محددا ألا وهو مبنى الهيئة الشرعية التابعة لجبهة النصرة. ويقول لنا أحد إعلاميي جبهة النصرة الميدانيين أن "المواجهة بدأت في مبنى الهيئة الشرعية حيث قتلوا أبو الليث". وأبو الليث هو رئيس الهيئة الشرعية التابعة لجبهة النصرة في البوكمال. وكان الرجل على خصومة كبيرة مع "الدولة الإسلامية"، ما يوحي بأن اغتياله كان هدف الهجوم، خصوصا وأن عدد المهاجمين من مقاتلي "الدولة" لم يتعد العشرات.


جانب من مواجهات البوكمال - 2014/02/11




ويبدو أن الأمور تطورت بسبب رد فعل "جبهة النصرة" وعدد من الكتائب المحلية المؤازرة لها الذي منع انسحاب مقاتلي "الدولة الإسلامية". فبعد أن تمت محاصرتهم بطريقة سريعة في المباني المحيطة بمبنى الهيئة الشرعية، جاء تحرك مؤازر لهم من داخل المدينة، من مجموعة صدام الجمل، الذي سبق وانشق عن الجيش السوري الحر منذ عدة أشهر، وأخيه نادر وهو من جنود "الدولة الإسلامية" الذي قضى خلال مواجهات البارحة. وتمت السيطرة لعدة ساعات على بوابة البوكمال – حاجز السكرية وعلى مستشفى عائشة كما على عدد من الأبنية الأخرى.


عشيرة الشعيطات تحتفل بالسيطرة على البوكمال





إلا أنه بعد هذه السيطرة السريعة التي أوحت بأن البوكمال باتت على قاب قوسين أن تصبح بقبضة "الدولة الإسلامية"، وصلت أرتال المؤازرة لـ"جبهة النصرة" وبدأ الاشتباك في شوارع المدينة. واستمرت المواجهات طيلة النهار وحتى خروج مقاتلي "الدولة الإسلامية" من المدينة في المساء. وبحسب مصدرنا في "جبهة النصرة" "الكل اجتمع على قتال الدولة باستثناء فصيل "أهل السنة والجماعة"، كما أنه أكد أن "الجيش الحر بعث بمؤازرة لجبهة النصرة".

تواصلنا أيضا مع مصدر آخر من سكان البوكمال لتبيان ما آلت إليه الأمور اليوم فأكد لنا أن "الهدوء الحذر يخيم على المدينة، بالرغم من توقف القتال منذ مساء الأمس وتمشيط الجوار". ثم عاد وأكد لنا ما أفادنا به مصدرنا من "جبهة النصرة" حول "اجتماع جميع الفصائل على دفع "الدولة الإسلامية" إلى خارج البوكمال"، مؤكدا "على الدور الذي لعبه الجيش الحر وعدد من الكتائب المحلية في المواجهات".
خفايا معركة البوكمال
بعد البحث والتدقيق، بات من المؤكد أن معركة البوكمال تطورت بشكل لم يكن في حسابات المهاجمين. فما كان عملية اغتيال لأبو الليث، المذكور أعلاه، أو عملية تحرير مساجين "للدولة" كانوا معتقلين لدى الهيئة الشرعية، كما أفادنا أحد العالمين أو حتى الاثنين معا، اتخذت العملية منحى السيطرة على المدينة لدى دخول مجموعة صدام الجمل على خط المواجهات. فسيطرة هذه المجموعة على مفاصل المدينة لعدة ساعات أوحى بأن المدينة باتت في قبضة "الدولة". لكن الأمور ما لبثت أن تبدلت مع تغير ميزان القوى على الأرض.
وما يؤكد هذه الفرضية هو عدم إرسال "الدولة الإسلامية" بمؤازرة إلى البوكمال طوال يوم البارحة، حتى أن "جبهة النصرة" وفي بيانها الرسمي حول مجريات الأمور أكدت أن "الدولة الإسلامية" استعانت بعناصر ومجموعات من داخل المدينة. ومن الواضح لكل من يتابع تطور الأمور في المنطقة الشرقية أن المواجهة للسيطرة على البوكمال كان من المؤكد أنها لن تكون متكافئة لعدة أسباب وأبرزها وجود حاضنة ومراكز ثقل مهمة وأساسية لجبهة النصرة في المدينة كما في جوارها، ما يجعل الإمساك بها طويلا أمرا صعبا ومكلفا. ومن الواضح أيضا أنه كان هنالك تسرع من قبل بعض الذين أعلنوا أن البوكمال باتت إمارة لـ"الدولة الإسلامية"، كما أنه كان هنالك تسرع من قبل الذين أكدوا أنهم صدوا هجوما "للدولة" كان الهدف منه السيطرة على المدينة.


المصدر :
فرانس 24 / FRANCE 24 Arabic