روتانا
يعد شمال النرويج بالنسبة إلى عشاق التزلج منطقة لا مثيل لها؛ حيث تكثر الجبال المغطاة بالجليد والبحيرات المتجمدة ونباتات التندرا، كما تشتهر المنطقة أيضاً بوجود حيوانات الرنة التي تجر الزلاجات وسط الجليد المترامي الأطراف.
ولا تشرق الشمس أبداً خلال الفترة من 21 نوفمبر وحتى 21 فبراير، ومع ذلك يتمكن السياح من الاستمتاع بجولة لمدة ساعتين وسط الجليد، حتى بدون وجود ضوء ساطع،
ولا يخلو هذا المشهد من تطاير جزيئات الثلج المتراقصة ناصعة البياض في الهواء وتنطلق حيوانات الرنة بسلاسة ولا تحتاج إلى أية توجيهات أثناء السير؛ لأنها تعرف طريقها جيداً.
أجواء المغامرة
وعندما يصل السائح إلى وجهته يجد في انتظاره 54 كلباً للاستمتاع بأجواء المغامرة بصورة أسرع بعض الشيء، حيث تنطلق هذه الكلاب المكونة من أربعة فرق على الجليد المتلألئ من خلال ضوء المصابيح الموجودة في المقدمة.
وتمر هذه الرحلة بمنعطفات ومنحدرات مثيرة للغاية تحتبس لها الأنفاس، فضلاً عن أنها تسلك ممرات ضيقة للغاية وسط غابات صغيرة من أشجار البتولا،
وتلفح جزيئات الثلج وجوه السياح، وبعد مرور 90 دقيقة تقترب الجولة الممتدة لمسافة 20 كيلومتراً على نهايتها.
وبعد تناول العشاء في الخيمة يعود الهدوء والطمأنينة للسياح مرة أخرى، حيث يقوم كل واحد منهم بتركيب كاميرا على الحامل وينتظر ظهور الشفق القطبي الشمالي الذي لا يسمح لهم بالانتظار طويلاً.
وتبدو السماء هنا في وسط ظلام التندرا بشكل مختلف تماماً عن المعتاد، حيث تتلألأ النجوم الساطعة في قبة السماء، وتنطلق شهب من هذه النجوم نحو الأرض كل خمس دقائق، كما تتراقص الأضواء القطبية الخضراء فوق الأفق عند القطب الشمالي للكرة الأرضية، وتبدو هذه الأضواء كسحابة،
وأحياناً تظهر كأنها ستار فوق السلاسل الجبلية. ويمتاز هذا المشهد بروعة بالغة، لدرجة أنه يشبه الألعاب النارية التي يتم إطلاقها في السماء أثناء احتفالات العام الجديد، ويبقى بعض السياح في العراء حتى الساعة الخامسة صباحاً وهم يرتدون ملابس ثقيلة وأحذية سميكة لمواجهة هذا البرد القارس، قبل أن يدفعهم التعب للدخول إلى الخيمة التي تشتمل على موقد صغير وسرير من فرو حيوانات الرنة وكيس للنوم.
التغلب على الكآبة
يعيش أوستن ستروسليت في مدينة ترومسو التي تبعد لمسافة 100 كيلومتر، ولديه وصفة خاصة للتغلب على الكآبة التي تعتلي المرء خلال فصل الشتاء، ويوضح هذه الوصفة بقوله: «يجب الإكثار من الحركة والتنقل وسط الطبيعة، حتى تحافظ على نشاط الجسم والعقل»،
ونظراً لأن المنطقة المحيطة بمدينة ترومسو تعتبر جنة لعشاق التزلج، فإنه يقوم بتنظيم جولات التزلج التقليدية وسط الجبال المغطاة بالثلوج.
وتمتاز ألواح التزلج بأنها أعرض بعض الشيء من الزلاجات الطويلة، كما يتم لصق فرو صناعي على النعل، حتى يتمكن السائح من صعود المنحدرات الحادة بدون التعرض
لخطورة الانزلاق للخلف، ويحكي أوستن ستروسليت بعض الذكريات الجميلة ويقول:
«عندما كنت طالباً، كنا نتواعد أنا وأصدقائي لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في جولة للتزلج، وكنا نفضل الانطلاق في جولات جبلية، بدلاً من الجلوس في أحد المقاهي، ففي الأماكن المفتوحة تظهر شخصية المرء».
وعلى مسافة بضعة كيلومترات من وسط مدينة ترومسو يجد السائح نفسه وسط بيئة متنوعة من المناظر الطبيعية الجبلية، ويعتمد طول جولات التزلج الجبلية على حالة الطقس اليومية.
ماراثون قطبي
وفي الوقت نفسه تجري في مدينة ترومسو الاستعدادات النهائية للدورة العاشرة لمسابقة الماراثون النصفي القطبي، حيث يتنافس 915 متسابقاً من 29 بلداً في واحدة من أكثر المسابقات إثارة في العالم، وتتعالى صيحات المشجعين الذين يصطفون على طول شوارع المدينة حتى المضيق البحري،
وتصف إحدى المتسابقات هذه الأجواء بقولها: «الحالة المزاجية رائعة، وتسود أجواء عائلية للغاية، حيث إننا نتسابق ثم نحتفل معاً بعد السباق، وتمتاز هذه المنطقة بمناظر طبيعية ساحرة».
ويبدو أن هذه المنطقة الواقعة في شمال القارة الأوروبية تتمتع بجاذبية خاصة، لدرجة أنها تأسر قلوب السياح حتى في الأوقات التي يسود فيها الظلام، وفي السابق كان ينتشر في مدينة ترومسو صائدو الدببة والثعالب القطبية الذين انتقلوا من هنا إلى منطقة القطب الشمالي.
وينطلق العديد من الباحثين، مثل فريدجوف نانسن ورولد أموندسن، في جولات استكشافية عبر الممرات الشمالية الشرقية والشمالية الغربية وإلى القطب الشمالي، وتستقبل هذه المنطقة حالياً العديد من الأفواج السياحية للاستمتاع بأجواء المغامرة على الجبال المغطاة بالثلوج.