بسم الله الرحمن الرحيم .
سأستبدلُ بيتاً قاله الشاعر / إيليا أبو ماضي :
قال السماء كئيبةً ! وتجهَّما
قلت: ابتسم يكفي التجهّم فيالسما
بقولي :
تجهَّم يكفي التبسُّم في السما .
(1)
في أحدِ الأسواق الراقية , وفي ممرٍّ من ممرَّاته , مررتُ وأنا أسيرُ برجلٍ يسير مع عائلته , فسلَّمت عليه وتبسَّمت له ابتسامة خاطفةً , وأكملتُ مسيري , وبعدَ ثوانٍ إذا بالرجُل يعود ويستوقفني .
لقطةٌ من الحوار :
*يالأخو.
*أهلاً.
*ليه تضحك ؟ فيه شيء ؟
* ما ضحكت , تبسَّمت , ولا به شيء .
* ما تستحي تبتسم ومعي عائلة ؟!!.
* أبداً , من باب ( تبسُّمك في وجه أخيكَ لكَ صدقة ).
* ومن قال أبي صدقتك , أو إني أخوك, أنا أعرفك؟! .
الدرس : تجهَّم في وجهِ الرجُل المُصطحبِ لعائلتِه .
(2)
في اجتماع العربات عند الإشارة الضوئيّة , رمقتُ بعيني العربة التي تصطفُّ بجانب عربتي , فتبسّمتُ لصاحبها , وشاء القَدَرُ أن نجتمع في الإشارة التي تليها , فرمقتُه ثانيةً وتبسَّمتُ , وعند الإشارة الثالثة خَارَ صبرُه وأنزل زُجاج عربتِه .
لقطةٌ من الحوار :
*خير ؟.
* الخير بوجهك .
* فيني شي غلط ؟ أو في نُكتة بوجهي تخلِّيك تبتسم؟ .
عزيزي , أنت أعلم بوجهك , أمّا ابتسامتي اعتبرها " إحسان , رُقيّ " أي شيء جميل .
*وفِّر إحسانك لنفسِك يا أبو جميل .
الدرس : تجهَّم عند الإشارات الضوئيّة وغُض البصر عن أصحاب المركبات .
(3).
في دوريّة من دوريَّات البحث السرِّي , كان ابتسامة شابٍ سببٌ في إثارة الشُكوك حوله , ممّا أدَّى إلى مُراقبته للتأكِّد من سلامة وضعه .
لقطةٌ من الحوار :
*الجُندي : ثلاث مرَّات أعدِّي من هالشارع , وهالآدمي ألاحظه مُبتسم لحاله , تتوقِّع اش عنده من مُصيبة؟
*الرقيب : مو واضح عنده شيء , بس جايز , ليه لا ؟ .
* كيف مو واضح , في هالزمن فيه أحد يبتسم وهو صاحي ؟ هي من قلّها الأحزان ؟ ,ما أظنِّه خالي .
* الرقيب : ما يخالف نراقبه , ما حنّا بخسرانين حاجة .
الدرس : تجهَّم في الأماكن العامَّة , فقد تجعلك ابتسامتك في محلِّ شُبهة .
(4)
في الحرم المكيِّ وأنا أسير بمحاذاة أحَدِ الأماكن المُخصَّصة لتجمُّع النساء , يبدو أنَّ خاطراً ذهنيّاً أسهَم على رسمِ بسمةٍ على مُحيَّايَّ , فانبرى لي رجلٌ يظهُر على وجهه سِماتُ التديُّن التي لمْ تكُن حقيقةَ باطنِه , إذْ ظهَر جهله وصلفُه حينما أقبلَ عليَّ إقبال المُغضَبِ الثائر.
لقطةٌ من الحوار :
*ما تستحي ؟ ما تتقي الله ؟ تحسب نفسك بسُوق ؟.
* خير إن شاء الله ؟ شايفني أتقضَّى مثلاً؟!!.
* عطر وبسمة ومُتشخِّص وتبتسم بعد عند الحريم ؟ جاي تفتِن المؤمنات؟ .
* الله جلَّ وعلا قال : "يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاتُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" وأنا من بني آدم , أضِف هذه الآية لمعلوماتك عزيزي , بعدين شنو اللي تعتفس أُمور مؤمنة لمجرَّد عابر يهتم بمظهره أو يبتسم , يا أخي لها الدرجة شايف المؤمنات خفيفات ؟, بعدين ليه حضرة هالمؤمنة ما تغضّ بصرها عن العابرين ؟ أنا مُش مأمور لترك الزينة عشان المؤمنات العابرات, تعال نتحاكم للشرع يا أخي .
* بعد لك وجه تتكلَّم!!, أنتم ما يربّيكم إلّا الهيئة, الله لا يكثِر أمثالك .
الدرس : تجهَّم وأنت تسير بمحاذاة أماكن تجمّعات النساء , فلعلَّ هذا يكفُّ عنك أذى المُتنطِّعين .
(5).
عند نُقطة تفتيش , أشار لي الشُرطيّ بأن أتجاوز النُقطة , فعبّرت عن شُكري له بأنْ أشرتُ بيدي مُسلِّما عليه مع ابتسامة لطيفة , لم يستلطفها ذلك الشُرطيّ وظنّها ستاراً لأمرٍ ما , فغيَّر رأيه وأمرني بالتوقُّف .
لقطةٌ من الحوار :
*هويِّتك لو سمحت , وجنِّب .
* خير إن شاء الله؟ .
* نفتِّش أوراقك والسيّارة , وتالي نعرف خير أو شر .
* وش اللي شبهني وخلَّاك تغيّر رأيك ؟
* فيه أحد يبتسم عند نُقطة ؟ وش تدسّ وتحايل من وراها ؟
* الداخليَّة منعت التبسُّم عند نُقط التفتيش ؟! قد أبتسم شُكراً لك على عملك في هذه النُقطة, أو تحفيزاً لك, أو في أقلِّ الأحوال اعتبرها من باب إيناسك, وتأكّد : لمَّا غابت فراستك وغاب حدسك توهَّج الشكُّ عندك , (عُمر رجل الأمن ما تربكه بسمة) .
* يعني أنت أربكتني ؟ أقول : لا تكثِّر عشان ما تنام بالتوقيف .
الدرس :
تجهَّم في وجه نِقاط التفتيش , فواثِقُ الخطوة يمشي مُتجهِّما .
أخيراً :
ليس من الضروري أن تكون هذه الأحداث واقعيّةٌ أو حصلتْ لكاتبها , لكنّه لا شكَّ أنَّ في الواقعِ أشباهاً لها , ولولا أنَّ الرسول صلّى الله عليه وسلَّم قال : " تبسُّمك في وجه أخيكَ لكَ صدقة"صحيح الجامع ( مجلد 1 ص : 561 ) , وأنَّه قال " لا تحقرنَّ من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق" صحيح مُسلم , لما كففتُ عنْ أمركُم ب " التجهُّم " .
أمّا عن قول المُتنبّي :
إذا رأيـــتَ نيوب الليــث بارزة **** فلا تظنـــنَّ أنَّ الليــث يبتســمُ
*عفواً الموضوع بشري , لم نتحدّث بعدُ عن الليث وأشباهه .
كتبها : سُهيل بن عُمر الشريف .