شبكة النبأ - ظلَّ مزارعو الكفاف في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لآلاف السنين تحت رحمة طائر التنوط الشره ذو المنقار الأحمر. ولا تزال أسرابه، التي توازي أسراب الجراد من حيث الضرر، تملأ سماء حقول القارة إلى الآن.

ويرى كلايف إليوت، الخبير المتقاعد المتخصص في طيور التنوط، والذي قضى الجزء الأكبر من حياته المهنية التي بلغت 31 عاما في منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة محاولا مساعدة المزارعين والحكومات في أفريقيا على التعامل مع آفة التنوط، أن "السمة الرئيسية لهذا الطائر تكمن في تحركه في أعداد كبيرة للغاية".

ويمكن أن تنمو المستعمرات المتجولة لهذا الطائر إلى ملايين الطيور، وهو ما يجعل التنوط ليس فقط أكثر الطيور وفرة في العالم ولكن أكثرها تدميرا أيضا.

صغير الحجم كبير الدمار

وعلى الرغم من أن طيور التنوط تفضل بذور الأعشاب البرية على بذور المحاصيل الزراعية إلا أن أعدادها الكبيرة تجعلها خطرا مستمرا على حقول الذرة والقمح والشعير والدخن والأرز. إذ يأكل طائر التنوط في المتوسط حوالي 10 جرام من الحبوب في اليوم وهو ما يعادل تقريبا نصف وزنه. وبذلك فإن سربا من مليوني طائر تنوط يمكنه أن يلتهم 20 طنا من الحبوب في يوم واحد. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين".

ومع تكاثر الطيور البالغة من التنوط التي يصل عددها إلى حوالي 1.5 مليون على الأقل، فإن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة تقدر أن تتجاوز الخسائر الزراعية الناتجة عن طائر التنوط أكثر من 50 مليون دولار سنويا.

طائر يتعذّر كبحه

ويعرف طائر التنوط بصلابته، فبالرغم من أنه يتم قتل ملايين الطيور منها كل عام إلا "أن خفض أعدادها يشكل تحديا كبيرا نظرا لكثرة تنقلها وعدم وجود حيوانات كثيرة تتغذى عليها بالإضافة إلى سرعة تكاثرها. لذلك لم يتمكن الإنسان من إحداث فرق كبير في مدى انتشار هذه الطيور بالرغم من ترسانة الأسلحة المتوفرة لديه"، حسب إليوت.

ويوضح إليوت الصعوبة في ذلك بقوله أنه "بإمكان سرب جديد من التنوط الانتقال بسرعة إلى منطقة انتهت فيها للتو عملية إبادة الطيور الموجودة فيها، وذلك نظرا لأنها تتكاثر ثلاث مرات في السنة".

وتهاجر طيور التنوط لمسافات طويلة مغطية مساحة تزيد عن 10 مليون كم مربع من الأقاليم الشجرية والعشبية وشبه القاحلة ومناطق السافانا في أفريقيا. ويقول اليوت أن "التنوط آفة موجودة في الكثير من الدول الأفريقية المختلفة التي تمتد من جنوب أفريقيا إلى دول في الشمال مثل تنزانيا وكينيا وإثيوبيا إلى أن تصل إلى منطقة الساحل وإلى موريتانيا".

وطبقا لبعض التقديرات فإن الزراعة الكثيفة والزيادة في إنتاج محاصيل الحبوب في أنحاء القارة أدت إلى انفجار في أعداد طيور التنوط حيث ذكرت بعض الإحصائيات أن أعداد الطيور قد زادت في كل الأماكن من 10 إلى 100 مرة منذ السبعينيات.

ومنذ بداية عام 2009 أصدرت وكالات الإغاثة في أفريقيا تقارير عن الأثر المباشر لأسراب طيور التنوط على الأمن الغذائي في كينيا في يناير، وفي زيمبابوي في أبريل، وفي ملاوي وتنزانيا في مايو، وفي موزمبيق وتنزانيا وزيمبابوي في يونيو، وفي ناميبيا وتنزانيا في يوليو.

ومن الصعب الاستثمار في البرامج الوطنية لمكافحة الطيور نظرا لأن الأسراب لا تراعي حدود الدول. وقد علق اليوت على ذلك بقوله أن "التدمير الذي تحدثه الطيور غير متجانس- فعلى المستوى القومي تفقد الدولة ما يصل إلى 5 بالمائة فقط من المحاصيل ولكن بالنسبة للمزارع الذي تم القضاء على محصوله بالكامل فإن الضرر أكثر إيلاما".

وتتمثل الطريقة الأكثر شيوعا لمكافحة الآفة في رش المناطق الموبوءة على نطاق واسع. حيث يشرح إليوت ذلك بقوله: "عادة ما يتم رش مادة كيميائية تسمى فينثيون- والمعروفة أيضا بسمّ التنوط- في الأماكن التي تتكاثر فيها أو تعيش فيها طيور التنوط...أما لطريقة الأخرى فتكمن في تفجيرا عن طريق إيجاد الأماكن التي تتركز فيها ثم استخدام القنابل أو الديناميت لتفجيرها". وفي بعض الأماكن تمت محاولة استخدام قاذفات اللهب على الأماكن التي تحط الطيور فيها ولكن دون نجاح يذكر.

وطبقا لمعهد الموارد الطبيعية، وهو هيئة تنموية مقرها المملكة المتحدة، يجرى تنفيذ ما يقرب من 170 عملية مكافحة في جنوب أفريقيا كل عام، تؤدي إلى مقتل 50 مليون طائر في المتوسط.

ولكن موسوعة مكافحة الحشرات تشير إلى أنه "بالرغم من قتل الملايين من طيور التنوط سنويا باستخدام المبيدات إلا أن ضررها يستمر في الزيادة سنويا". وقد أشار إليوت إلى أن طرق المكافحة الحديثة، بجانب محدودية تأثيرها، فإنها تنطوي على عواقب بيئية سلبية خطيرة.

ولأن معظم صغار المزارعين لا يستطيعون الحصول على طائرات أو وقود أو مواد كيميائية أو ديناميت أو قاذفات لهب فقد اعتمدوا بدلا من ذلك على الطرق التقليدية القديمة الأكثر فاعلية والتي هي بالتأكيد صديقة أكثر للبيئة بالرغم من كونها مستهلكة للوقت بدرجة كبيرة.

وأشار إليوت إلى أن "الطريقة التقليدية للمكافحة تتمثل بصورة أساسية في إخافة الطيور. حيث يذهب الناس إلى الحقول عندما تصبح محاصيلهم عرضة للخطر ويقومون باستخدام أي شيء بدءا من المنجنيق إلى إصدار أصوات الضجيج. وهي طريقة فعالة تماما في معظم الحالات".

وقد أضاف إليوت أنه "يمكن لشخص واحد أن يقوم بحماية هكتار من الحقول ولكنه عمل شاق جدا"ً لأن المحاصيل معرضة للخطر من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ومن الممكن أن تحتاج إلى حماية لشهر كامل.

وتحولت المزيد من المناقشات الأخيرة حول مكافحة طيور التنوط نحو توقع تكاثرها بناء على أنماط الطقس وآليات الردع مثل استخدام الشباك وتعزيز المفترسات الطبيعية للطيور وحتى تطوير فيروس ضد طيور التنوط.

وقد أشار اليوت إلى أن صيد الطيور كمصدر طبيعي قد يعني "ضرب عصفورين بحجر واحد"، مضيفا "نحاول منذ زمن تطوير نظم لصيد الطيور وتحويلها إلى غذاء للناس، فهي ستكون مصدرا جيدا للبروتين".