عواقب إمتلاك القوة في غياب الأخلاق
بانوراما الشرق الاوسط
عاصم الجابري - روتردام
لا شك ان النبي محمد ص يتمتع بعبقرية فذّة، ولا شك انه صادق، ونحن أُمته متيقنون انه مسدد من السماء، وهذا ما يذكرنا به القرآن الكريم في سورة النجم: “وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)” وعندما أكد أي النبي ص على مسألة الاخلاق لادراكه دون شك انها مسألة جداً أساسية لأنسنة الانسان وتنظيف روحه من الوحشية! حيث قال “انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق” ومن هنا لا يمكن لاي امة ان تتطور انسانياً وتبتعد عن الوحشية بدون الاخلاق.
وعندما يتطور الانسان على الصعيد العلمي والتقني من دون أن يتطور أخلاقياً سوف يكون كارثة على الانسانية جمعاء! وذلك لانه سوف يستخدم هذا التطور لخدمة انانيته ووحشيته، فتراه يصنع الاسلحة ذات الدمار الشامل كالنووية، والجرثومية، والكيميائية لارعاب البشر وأستأصال كل من يقف أمامه! كما تراه بسبب أنانيته على استعداد لابادة البشر مستخدماً وسائل التدمير التي حصل عليها عبر التطور العلمي والتقني، وهذا ما جسّدهُ على أرض الواقع الانسان الامريكي صاحب عقلية الكابوي!. هذا الامريكي عندما اُكتشفت أمريكا استوطن في مدينة صغيرة اسمها جيمس تاون، وكان عدد المستوطنين فيها في باديء الأمر 111 مستوطن، وأصبح اليوم عددهم أكثر من 300 مليون مستوطن، يسكنون ما بين المحيط الاطلسي والمحيط الهاديىء بعد ما أبادوا 400 أُمة من ما يسمى “الهنود الحمر”! وهذه المعلومة ذكرها الكاتب الفلسطيني منير العكش في كتابه “تلمود العم سام”.
كما في أكتوبرمن عام 2013 ذكر الكاتب منير العكش في مقابلة له على قناة الميادين أنه في العام 1974 طلب الرئيس الامريكي جرالد فورد أن يحفر له حوض سباحة في القصر الابيض وبالضبط في حديقة الورد، فبعد الحفر وجدوا هياكل عظمية للهنود الحمر، وقدور وأدوات أخرى كانت تستخدم من قِبَلْ ما يسمى الهنود الحمر! ولذلك ألغوا حفر الحوض وردموا الحفرة، ثم أعادوا زراعة العشب عليها لطمس الفضيحة! هذا ما فعله الانسان الامريكي: بناء أمريكا على أنقاض الأمة الهندية التي أبادوها! هؤلاء القوم دينهم مصالحهم، وأن عقليتهم ميكافيلية بركماتية، أي يستخدمون مبدأ الغاية تبرر الوسيلة! هذه الخاصية أصبحت في كروموسوماتهم يتوارثونها بالدم أباً عن جد لا يمكن أن يتخلصوا منها! لذلك تراهم في جل حروبهم خلقوا لها الذرائع الكاذبة، وأستخدموا الاسلحة ذات الدمار الشامل المحرمة دولياً من أجل نزعاتهم وغاياتهم، وهذا ما سجلوه في تاريخهم بضرب اليابان بالقنابل الهايدروجينية، وأستخدام النابالم والفسفور الحارق بضرب المدنيين في الحرب الفيتنامية، ثم ورطوا الدكتاتور صدام حسين في احتلال الكويت ومن بعدها أستغلوا هذا الحدث كذريعة للقضاء على العراق وتدمير حضارته، وأرجاعه الى العصور المتخلفة بحرب ظالمة غير متكافئة قتلوا فيها أعداد مرعبة من الجنود والمدنيين العراقيين المغلوب على أمرهم، وخاصةً عند الانسحاب من الكويت الى البصرة في مذبحة طريق الموت على الخط السريع، وبعدها حاصروا العراق اقتصادياً ليموت أكثر من نصف مليون طفل عراقي اثر ذلك! وحينما سُألت مادلين أولبرايت وزيرة خارجية امريكا في تلك الحقبة عن رأيها بموت هؤلاء الاطفال، أجابت بكل وقاحة وصلافة: الثمن يستحق ذلك!.
ثم بعد جريمة أحداث 11 سبتمبر المشكوك في أمرها ومَنْ وراءها، إنقلبوا على حلفائهم كل من طالبان والقاعدة الذين كانوا يسمونهم “المقاتلين من أجل الحرية” ايام الرئيس ريغن في افغانستان وقتلهم بأبشع الطرق، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: عندما أسروا الالاف من مقاتلي القاعدة وضعوهم في حاويات النقل وأقفلوها عليهم ليموتوا خنقاً!!!. ثم جاء دور العراق من جديد في عام 2003 ليشنوا الحرب عليه بذريعة امتلاك العراق للاسلحة ذات الدمار الشامل المفبركة وأحتلاله وسرقة نفطه وآثاره، وتدمير بناه التحتية، وحل جيشه، وأشاعة الفوضى فيه ليستحيل الى بلد من العصور الوسطى المظلمة!.
ومباشرة بعد إعلان بوش إنتصاره في الحرب ووقف العمليات العسكرية، إنطلقت حملة ممنهجة بتصفية العقول العراقية، حيث أصبح كل من العلماء الاكاديميين في المؤسسات العراقية، وأساتذة الجامعات ومساعديهم، والاطباء، والمهندسين، والرجال السياسيين الوطنيين أهدافاً لاغتيالهم بطرق وحشية من قبل عصابات ارهابية مجهولة الهوية تسرح وتمرح بكل حرية على أرض العراق من شماله الى جنوبه بأستثناء مناطق الكرد! في وقتها حلل المحللون السياسيون أن وراء هذه الاغتيالات الموساد الاسرائيلي بمساعدة السي آي أيه وكذلك ممكن أن يكون فلول صدام من البعثيين الذين تحالفوا مع القاعدة ايضا ساهموا بهذه العمليات! وعلى أثر ذلك اختفى أكثر من 5200 نفر من هذه الكفاءات ما بين قتيل ومختفي وهارب! والعجيب ما ذكره الرئيس بشار الاسد في المقابلة التي أجراها معه الصحفي غسان بن جدو على قناة الميادين بتاريخ 21 اوكتوبر 2013 حيث قال: بعد أحتلال العراق عام 2003 زارنا وزير خارجية أمريكا كولن باول وطلب منا أربع مطالب بأسلوب وقح ومتغطرس، أخطرها منع دخول أي من العلماء وأساتذة الجامعات وأصحاب الكفاءات العلمية العراقية الى سورية! وهذا ما يفسر بشكل شبه أكيد عمليات أغتيال الكفاءات العراقية في ذلك الحين ومن وراء هذه العمليات الارهابية اللعينة! تصور عزيزي القاريء أن الامبراطورية الامريكية الجبارة “رائدة الحرية والديمقراطية في العالم” تلجأ الى الارهاب لقتل العلماء العراقيين الابرياء من أجل تدمير العقل العراقي الذي ممكن أن يعيد بناء الوطن من جديد بعد أن دمره هؤلاء المجردين من الاخلاق مغول العصر الأمريكان!
واليوم برزت للعيان فضيحة من العيار الثقيل متورط بها العم سام البركماتي الميكافيلي والمجرد من الاخلاق، والتي فضحها للعيان أحد جنود الله الابطال المهندس الالكتروني الامريكي إدوارد سنودن، فضيحة تجسس أمريكا على العالم بما فيهم حلفائها المقربين من الدول الغربية! أقرأ عزيزي القاريء ما تنقله صحيفة الكارديان نقلاً عن جريدة الشعب الجديد، وضعت رابطها في اسفل الصفحة: (أضافت الجارديان استناداً إلى الوثائق التي سربها عميل الاستخبارات الأميركي السابق، “إدوارد سنودن”، أن وكالة الأمن القومي الأميركي”، تتنصت على المكالمات الهاتفية لأبرز 35 زعيماً عالمياً، وأن التنصت جاء بتشجيع من مسؤولين كبار في البيت الأبيض، وزارة الخارجية ووزارة الدفاع “البنتاغون.”
ونوهت الجارديان، أن وثيقة سرّية سربها “سنودن”، وحملت تاريخ تشرين الأول/ أكتوبر 2006، أوضحت أن مسؤولاً أميركياً، أورد في تقرير لوكالة الأمن القومي، قائمة بأرقام هواتف شخصية لأكثر من 200 مسؤول، بينهم 35 زعيماً عالميا، دون الافصاح عن أسماء أولئك الزعماء). هذه أمريكا “رائدة الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان”. وهذه عواقب طبيعية لأمتلاك الانسان للقوة في غياب الأخلاق.