TODAY - 15 September, 2011
بغداد تشيع شيخ نحاتيها محمد غني حكمت
أحد تماثيل محمد غني حكمت
شيعت بغداد الخميس جنازة نحاتها الراحل محمد غني حكمت، وهو تشييع امتد بين عاصمتين، من العاصمة الاردنية عمان التي توفي فيها الى العاصمة العراقية بغداد التي يوارى جثمانه في ثراها.
وابتدأ التشييع في عمان بمسيرة راجلة لحشد كبير من محبي الفنان، انطلقت قرب السفارة العراقية التي اقامت ايضا مجلس عزاء له في بهوها، ثم نقل جثمانه ملفوفا بالعلم العراقي في موكب شعبي الى مطار العاصمة الاردنية لينقل الى بغداد ظهر الخميس.
وفي بغداد انطلقت فعاليات التشييع من نقابة الفنانين العراقيين باتجاه مقبرة الكرخ التي سيدفن فيها بناء على وصيته.
امانة العاصمة العراقية اعلنت تبنيها لتشييع شيخ النحاتين العراقيين الذي زينت نصبه وتماثيله وتصميماته شوارعها وساحاتها ، وأعلن عن مجلس عزاء له بالقرب نصب شهير له وسط العاصمة العراقية.
يعد محمد غني حكمت من ابرز النحاتين في العالم العربي وآخر من بقي من جيل وضع اسس النحت العراقي المعاصر الى جانب رواد مثل جواد سليم وخالد الرحال.
وباتت نصبه وتماثيله من علامات بغداد في العقود الخمسة الاخيرة، كما هي الحال مع تمثال شهريار وشهرزاد، او (كهرمانه) علي بابا والأربعين حرامي الذي اخذت الساحة التي نصب فيها وسط بغداد اسمها من شخصيته الرئيسية ، وحمورابي، ونصب السندباد البحريّ في مدخل فندق الرشيد.
الحكاية في النحت
عرف عن محمد غني حكمت اهتمامه بالحكاية وفي النصوص الادبية، لذا نرى ان معظم منحوتاته تحاول أن تحكي حكاية من التراث وتحاول استلهام مفرداتها(شهريار وشهرزاد،السندباد، كهرمانه... الخ).
ولعل تمثال المتنبي الذي ازيل من مكانه قرب المكتبة الوطنية وسط بغداد يمثل إحدى ابرز تجاربه النحتية وأحبها الى قلبه كما ذكر في احدى مقابلاته الصحفية.
عرف عن محمد غني حكمت اهتمامه بالحكاية
وفي هذا التمثال حاول حكمت ان يستلهم البلاغة الشعرية للمتنبي وقلقه الشعري الدائم (على قلق كأن الريح تحتي)، فصب تمثاله بطريقة تظهره وكأنه طائر في الريح مركزا على انحناءات عباءته، وقد عكس هذه الحركة عبر اسلوبه المعروف في استخدام الاقواس وتكرارها كاجزاء من دائرة غير متناهية، وقد اثار التمثال في حينها جدلا كبيرا في الاوساط الفنية العراقية.
كما ازيلت ايضا جدارية اخرى له كانت تزين مدخل مدينة الطب في العاصمة العراقية.
ومن اعماله الاخرى في العراق 14 لوحة جدارية في إحدى كنائس بغداد تمثل درب الآلام للسيد المسيح.
ومن اعماله المعروفة خارج العراق قيامه بنحت جداريه فنية في البوابة الرئيسية لمبنى منظمة اليونسكو بباريس عام 1986، ونحته لثلاث بوابات خشبية في كنيسة "تيستا دي ليبرا" في روما.
كما كانت له اعماله في البلدان العربية كما هي الحال مع جدارية الثورة العربية الكبرى في العاصمة الاردنية عمان وعدد من الاعمال في دول الخليج، منها خمسة أبواب لمسجد قديم في البحرين.
استلهام الموروث الرافديني
وولد حكمت في بغداد عام 1929، وتخرج من معهد الفنون الجميلة عام 1953، حصل على دبلوم النحت من أكاديمية الفنون الجميلة في روما عام 1959، وعلى دبلوم في عمل الميداليات من مدرسة الزكا في روما أيضا عام 1957، وعلى شهادة اختصاص في صب البرونز من فلورنسا عام 1961.
تتلمذ في بداية حياته على يد رائد النحت العراقي جواد سليم، وواصل نهجه في محاولة بناء حداثة فنية في العراق تستلهم الموروث الحضاري الرافديني القديم، بدءا من الفن السومري والبابلي والنحت الاشوري ووصولا الى الفن الاسلامي في بغداد العباسية.
لذا يصف حكمت نفسه في مقدمة كتاب له عام 1994 بقوله "من المحتمل أن أكون نسخة أخرى لروح نحات سومري، أو بابلي، أو آشوري، أو عباسي، كان يحب بلده".
يقول حكمت إنه قد يكون نسخة لروح نحات سومري يحب بلده
وقد عمل مساعدا لسليم في انجاز نصبه الشهير في بغداد "نصب الحرية" عندما كان طالبا في روما اواخر الخمسينيات ومطلع الستينيات. كما اشترك معه في اشهر جماعة فنية في العراق في الخمسينيات هي جماعة بغداد للفن الحديث التي ظل حكمت وفيا لتقاليدها في ابداعه اللاحق .
وتتلمذت على يديه اجيال من النحاتين العراقيين منذ عودته الى العراق في الستينيات، حيث واصل التعليم في معهد واكاديمية الفنون العراقية حتى سنواته الاخيرة.
ابواب
الى جانب اعماله النحتية تلك اهتم حكمت بتصميم ونحت الابواب ومطارق الابواب واسوار البيوت والحدائق، وله الى جانب بوابة اليونسكو نحو 70 بوابة في انحاء مختلفة من العالم.
وعلى الرغم مما تعرض له الكثير من النصب والتمائيل التي اشتهرت فيها العاصمة العراقية من تدمير وسرقة بعضها بعد عام 2003 ، عادت امانة العاصمة العراقية مؤخرا الى الاتفاق مع الفنان محمد غني حكمت لاقامة اربعة نصب كبيرة في بغداد قدرت قيمة تنفيذها بمبلغ ثلاثة مليارات وتسعمائة واربعة وخمسين مليون دينار.
اول تلك النصب نصب (بغداد) في ساحة الاندلس وهو عبارة عن فتاة تجلس على كرسي بالزي العربي القديم بارتفاع (3) امتار تعتلي قاعدة توضع عليها كتابات عن المدينة بارتفاع (10.5) مترا ليصل ارتفاع العمل بالكامل الى (13.5) مترا.
والثاني عمل مستوحى من حكاية "الفانوس السحري" » ينفذ بجوار المسرح الوطنيّ ببغداد ، والثالث في صورة ختم اسطواني (على غرار الاختام الاسطوانية السومرية والبابلية ، كتبت عليه عبارة "هنا بدأت الكتابة" ويظهر وكأنه يوشك على السقوط وتتعاون 5 أياد على رفعه في اشارة الى المكونات الاثنية والدينية العراقية.
والنصب الرابع هو نافورة مائية خط في محيطها بيت للشاعر العراقي مصطفى جمال الدين يقول "بغداد ما اشتبكت عليك الأعصرُ إلا ذوت ووريق عمرك أخضرُ". ومن المقرر أن يوضع النصب قرب مقهى «البيروتيّ» في جانب الكرخ من بغداد.
عانى حكمت في الاشهر الاخيرة من اصابته بعجز كلوي وظل يقاوم المرض حتى وفاته اثر اصابته بجلطة رافقها عجز كلوي تام الاثنين في عمان عن عمر يناهر الـ 82 عاما .