لم يكن في بغداد في العشرينيات من القرن الماضي خدمات بريدية منظمة ،
وكان الناس حين يريدون ارسال رسالة من بلدة الى أخرى يذهبون الى خانة المسافرين ليتعرفوا على شخص عازم على السفر الى البلدة التي يقصدونها فيرجونه إيصال مكتوبهم اليها وقد يتخصص في بعض المدن شخص معين لهذا الغرض فيأتي الناس اليه بمكاتيبهم وهو يجمعها عنده انتظاراً لمسافر يحملها معه قربة لله تعالى، اما الحكومة فكان لها رجال مختصون بنقل بريدها اشتهروا باسم (طاطران) او التتر وكان هؤلاء يركبون الخيول والجمال السريعة التي تبدل اثناء الطريق وكان للقناصل رجال مختصون في نقل بريدهم.
أسست أول خدمة بريد في بغداد وكانت تبعا للحكومة العثمانية وصناديقها منصوبة في الشوارع وزوارق تنتقل بين المدن الواقعة على الأنهار ، فظلت تعمل بهذا النظام عشر سنوات وفي عام 1878 اشتركت الدولة العثمانية في الاتفاقية البريدية العالمية التي تم عقدها في (باريس) ، ومنذ ذلك الحين شرعت الحكومة بفتح دوائر البريد العثمانية في المدن العراقية ، وصارت تضع العراقيل تجاه دوائر البريد الهندية حتى تم القضاء عليها.
وكانت دوائر البريد العثمانية كغيرها من الدوائر الحكومية يسودها التفسخ وسوء التنظيم ، وكثيراً ما كان الموظفون فيها لا يتسلمون رواتبهم لأشهرعدة فيضطرون الى الاعتماد على الرشوة من اجل العيش ، وصار الناس يفضلون إرسال طلباتهم عن طريق القناصل بدلاً من إرسالها بالبريد الحكومي .
تحسن وضع دوائر البريد العثمانية نسبياً في العهد الدستوري ، وسادها شئ من النظام ، فكان صاحب البريد يدخل بغداد من باب المعظم ممتطياً جواداً وبيده سوط يلوح به في الهواء ، وأمامه عدد من الخيول التي تحمل البريد راكضة وهو ينادي بصوت عالٍ (بوستجي) ، اي جاء البريد فيسرع الناس بالذهاب الى دائرة البريد الواقعة في محلة الميدان فيجتمعون في ساحتها ، وهناك يقف الموظف المختص فيقرأ على الناس الأسماء المكتوبة على الرسائل فيسلمها الى من كان حاضراً ، اما الذي لم يستطع الحضور فيذهب اليهم الموزع ، ويأخذ منهم عشرة بارات عن كل رسالة بمثابة (بخشيش).