سجين سياسي – الحلقة السابعه
كان نعمان يجلس في الزاوية مطرقا ويحدق بالارض ... فاتني ان اسأله
قلت : نعمان ؟ .... انت شحكموك ؟
نظر الي وكأن سؤالي فاجأه فتذكر وقال : مؤبد
خلال الايام التالية احيل نعمان ونبيل واخرون الى ابو غريب وتم تسليمهم الى مصلحة السجون .... ولكن ماذا عني وعن مجموعة اخرى من الموقوفين ... لم نرسل الى المحكمة ... ولم يسأل عنا احد ....
بعد ايام اصطحبوني مقيدا ومعصوب العينين .... وادخلت غرفة ... وفاجأني انه التحقيق ... يا للهول تحقيق .... مرة اخرى ... بعد سنتين ...
قال المحقق الذي بدا مستجدا ومسخا جديدا انتج من مختبرات ما بعد الانتفاضة التي كشفت عن انيابها علنا بدون تستر كما كان قبل الانتفاضة ...
قال : اعترف احسنلك تره ما عندي طولة بال
قلت : اعطني الافادة التي تريدها وانا معترف وسأوقع عليها ولا حاجة للتعصب لا يصيرلك شي
قال صارخا : وعندك لسان وتحچي يا ول
قلت : اللسان الذي تطاول على الحزب في عز جبروته لا يهمه ما ينطق به وعلى من ...
وكانت حفلة من التعليق والضرب صحوت منها في اليوم التالي ملقى على الارض وزملائي في الزنزانة يمسحون جروحي بالماء بقطع من ملابسهم ....
نهضت واتكأت على الحائط .... نظرت اليهم ... وانفجرت ضاحكا ... رغم ان فكي كان يؤلمني بشدة ... احسست ان لا شئ يخيفني ولا احد يهمني ... وليذهب المسوخ الى الجحيم .... تشبثت بالنافذة الصغيرة التي بالباب وصرخت ... الى الجحيم ... الى جهنم وبئس المصير ... انعل ابوكم لا ابو الي سواكم .... كلكم ...
وحظيت بمجموعة من الشتائم .... من حارس السجن ... وبادلته الشتيمة كلمة بعشره ... وسحبني رفاقي وحاولوا ان يسيطروا علي .... لكن صوتي ملأ الدنيا ... وعلى فوق كل الاصوات كان اعلى من صوت الشتائم والمسوخ والتعذيب والاستغاثات .. كانت لحظات سكت كل شئ ولم يعد يسمع سوى صوتي ....لقد كنت حاكما لتلك اللحظات واخرست الجميع وكان الكل ذاهلا ... السجناء ... الحراس ... المسوخ ... المحققين ..و ...واصطحبوني الى حفلة صغيرة ... صحوت بعد ساعات منها .... وارسل بطلبي احد المحققين ....
قال : انت ضابط عيب تتصرف هلشكل
قلت : طگت روحي اريد تعدموني
قال : اخي امرك مو بيدنا ... ننتظر التعليمات الي تخص قضاياكم ... تجي من مكتب الامن الخاص ... لا عبالك انت لوحدك ... اكو هواي جماعه ما راحو للمحكمة بعد وينتظرون ...
واستدرك : ارجو منك ان تهدأ ...
احسست بان كلماته واستني ... لكنني احس براحة كبيرة ... وقضيت الايام القليلة الباقية في صمت تام مبعثه هدوء لف نفسي
...
بعد اسبوع ارسل نفس الشخص بطلبي وابلغني اني حكمت 15 سنة سجن مع وقف الأجراءات القانونية ... وهذا تبليغ من المكتب العسكري للحزب انه تم سحب كافة انواط الشجاعه منك والامتيازات التي تتبعها قلت في نفسي طز ... عليكم وعلى المكتب العسكري .... ثم اعادوني للزنزانه .... ترى هل ان وقف الاجراءات القانونية معناه اطلاق سراحي ؟ ولم استطع النوم ليلتها
فتح الباب وقال لي احدهم : تفضل وياي ....
اصطحبني بدون ان يوثق يدي او يعصب عيوني الى غرفة الامانات وسلمني ملابسي وممتلكاتي .... واجلسني وقال : انتظر هنا ... واذا تريد تدخن دخن ...
واستدرك قائلا بصوت خافت : الله موجود .... والظلم ما يدوم ....ولو دامت لغيرهم ما وصلت الهم
كانت هناك علبة سكائر مع اماناتي فاخذت ادخن السيكارة تلو الاخرى ...
....... ترى ما الذي دفع هذا الشخص وهو في اعتى مؤسسات الظلم والجبروت ان يقول هذا الكلام ؟ ...
وما الذي اجبره .... الم يكن خائفا .... لكن ... لا بد ان في داخله مخزونا هائلا من القهر والشعور بمأساتنا ...
انتظرت لما يقارب الساعة ... ثم اصطحبوني مع مجموعه اخرى ووضعونا بسيارة انطلقت بنا الى امرية الانضباط العسكري ....
في سرية التسفيرات بت ليلتي مع الحراس في غرفة لوحدي لم يغلق بابها ... وفي الصباح احضروا باصا ووضعوا فيه اربعين مخفورا اوثقت ايديهم بقطع من الحبال والقماش وغيرها .... وجائني المأمور وكان ضابط صف وقال : سيدي أنت تفضل اگعد وره السايق
وجلس بجانبي وقال كتابك معنون للفيلق الخامس/شعبة الامن ... احسست بنوع من الارتياح .... وكان معه جنديان مسلحان .... لاحظت انهما كانا يصرخان بشدة على الموقوفين الذين كان اغلبهم هاربين من الخدمة العسكرية ... بينما قام احدهم بضرب احد الموقوفين بشدة في مؤخرة الباص .... لمجرد انه قال ان يديه قد خدرتا من شدة التوثيق .... ضربه وركله بشدة وهو ملقى على الارض ...
عندما وصلنا الى تكريت في منتصف الطريق صاح الموقوفين وعلا الهرج في الباص .... كان الموقوف الملقى على الارض قد مات ... ودخل الباص الى مستشفى تكريت العسكري واجري الفحص عليه وتم كتابة تقرير طبي ... وقرر المأمور العودة الى بغداد ... وهكذا عدنا الى امرية الانضباط العسكري ...
وبتنا ليلتنا وفي الصباح كان الموقوفين نفسهم الذين معي في الباص يجلسون مقيدين في الساحة وانا انظر اليهم من شباك الغرفة التي قضيت ليلتي فيها ... حضر المأمور الذي كان معنا في الباص وقد علت وجهه ابتسامة عريضة قائلا : صباح الخير سيدي ... ووضع امامي كيسا كان يحمله فيه ( ريوگ) كباب ... وقال تفضل ....
لكن نفسيتي لم تكن تتحمل .... وقال : سيدي بس راح ياخذون افادات منكم على مود هذا الموقوف الي مات البارحة وبعدين نمشي .... يعني جنابك تعرف ما احد اذاه ... واذا سئلوك سيدي گول ما احد ضربه ....
..... يا للهول ... المسوخ ثانية ... هل انا على موعد متجدد معهم اينما ذهبت ... يريدني ان اشهد زورا .... الهذا احضر لي طعاما .... الا يعرف من انا وماذا فعلت ؟ ...... وكان هو يقف في الساحة ويتوعد الموقوفين بالويل والثبور اذا قال احد منهم عما حصل ... وقال : لا تنسون اني راح اوصلكم للموصل يعني اتويكم توي بالطريق
....
ارسل ضابط في سرية التسفيرات بطلبي ودخل معي المأمور الذي كان برتية عريف واجلسني
وقال الضابط : اخي احنا عدنا مجلس تحقيقي على المأمورين على مود الموقوف الي مات واخذنا افادات شچم واحد من الموقوفين بالباص وگالو ما احد مأذيه ....وهسه راح ناخذ منك افادة اذا سمحت ...
قلت : ممكن اسأل سؤال؟
قال : طبعا تفضل
قلت : هل كلامي سيكون له تأثير في مجريات التحقيق
قال : طبعا .... بغض النظر عن كونك موقوف
قلت : حسنا .... ( وكان المأمور ينظر الي وهو مرتاح )... فقلت : ... المأمورين .... قتلوه
ونزل كلامي كألصاعقة على الجميع واستطردت :... وهدد هذا المأمور السجناء اذا تكلموا ... وسردت له الحقيقة ...
انزعج الضابط ونادى على الحراس قائلا : اسحبو سلاح المأمورين ووقفوهم فورا والتفت الى العريف
صائحا : ولك ما خفت من الله .... الله ينتقم منك
وتم تكبيل المأمورين واعيد استجواب السجناء فرديا بحضوري وكلهم أيدوا الحادثة ورووها بنفس التفاصيل واكدوا تهديد العريف لهم ...
قال الضابط : شوف اخي انت اظهرت الحقيقة وما خليت دم هذا المسكين يروح هدر .... الله يجازيك بالخير... ومع الاسف شخص مثلك موقوف ومثل هذوله الكلاب بره....
قلت : لا ترفع صوتك ولا تضيع نفسك ... كلام الحق اليوم يضيع صاحبه..
وارسل معنا مأمورين اخرين عاملونا بأدب واحترام ... الى ان وصلنا تسفيرات انضباط الموصل ليلا .... وفي الصباح ارسلت الى شعبة امن الفيلق الخامس وجلست انتظر ... واجهني ضابط برتبة مقدم وقال : اخي انت محكوم 15 سنة مع وقف التنفيذ ... لكن كتاب الامن الخاص يگول الاحتفاظ بيك الى ان يصدر امر منهم .... وممنوع المواجهه .... وحبس انفرادي
قلت مع نفسي ربما لفترة وجيزة ... لا بأس ...
وارسلت الى سجن امن الفيلق الذي كان في الاصل مشجب اسلحة وفيه غرف كثيرة وضعوني في غرفة لوحدي ووضعو لي بطانية ... واغلقوا الباب
جلست وحيدا وانا افكر في ما مر بي من احداث ... ترى ما هذا الغموض الذي يحيط باجراءات الامن الخاص غير المسبوقة ؟ ....
حضر احدهم وكان رجلا تجاوز الخمسين من العمر
وقال : انا امر حرس السجن نائب ضابط حامد ( ابو سعد) من طويريج
قلت : اهلا وسهلا
قال : سأراجع الضابط لأجلب لك اية مستلزمات تحتاجها
قلت : مشكور
وعند العصر احضر لي سريرا و(دوشگ( وبطانيتان ومخدة ... وصوبة علاء الدين ... وقوري وكلاص وخاشوگة ...