سجين سياسي – الحلقة الخامسة
كانت الزنزانات في ابو غريب تشبه لحد ما اقفاصا .... قواطع طويلة يسمونها القافات ... وعلى جانبيها تقع الزنزانات التي واجهتها مشبك حديدي ....... لا ادري لم ذكرتني بالزوراء .... بحديقة الحيوان ( رغم ان تصوري كان مضحكا ) لكنني احسست بغصة في حلقي .....
كانت القاعات تغص بالمساجين والموقوفين ..... في كل غرفة او زنزانة اكثر من ثلاثين شخصا .... وكان هناك طابق ثاني فوقها .... وفي الممر الوسطي كان يطلق السجناء خلال ساعات النهار وفي المساء يدخل الجميع وتغلق الابواب ....
وهناك غرفة قد جعلوها محل لفات وشاي وجكاير .... يشرف عليها رجل كردي يدعى (ابو خديجة(ولديه عامل اسمه فيصل ... كان هذان موقوفان بتهمة حيازة مخدرات .... وتعجبت حيث لم يكن هناك مخدرات في حينها في العراق ....لكن عرفت فيما بعد ان رفيقان حزبيان كردييان لفقو له التهمة ........ اذن البعث هو السبب .... الذي انتج مسوخا .... من كل الفئات ....
كان الرجلان يبقيان خارج الزنزانة ليلا ايضا .... حيث يلبيان طلبات حراس السجن من الطعام والشاي ....
جلست في الليلة الاولى افكر مطرقا بجانب الحاجز الحديدي للزنزانة ... كانت الساعة تزيد على الثانية ليلا .... وقف كاكه محمد امامي من خارج الحاجز ونظر الي وقال : لا تفكر لها مدبر .... الله كريم
قلت : ونعم بالله .... لا يهمني ما سيحصل
قال : لا داعي .... تشرب چاي ؟ ....
هززت رأسي موافقا .... وذهب واحضر الشاي وجلسنا والحاجز بيننا ....
قلت : كاكه محمد شگد صارلك بالسجن ؟
قال : سنة ونص
قلت : ترى كم من السجناء موجودين هنا
ضحك وقال : بلا حساب ... كل يوم يزيدون .... أييييييه ..... وكل واحد عنده مشكله وهم وحد ... لو تسمع بيها تتعب .... انت عليمن تهجمت ؟
قلت : وشلون عرفت اني متهم بالتهجم ؟
قال : هذه الزنزانات الثلاث الاولى مخصصة لجماعة التهجم
قلت : أي والله كاكه تهجمت .... علحزب والثورة
قال : ليش ضيعت نفسك
قلت : ما ظل بيه تحمل ومليت من الي شفته
قال : اذا بره شفت مأساة وحده .... هنا راح تشوف الف مأساة
قلت : وبقية الزنزانات .. ؟
قال : جماعة هروب وجماعة غوغائيين ... واشكال تهم .... كلهم عسكريين
قلت : ولماذا الطابق الاعلى معزول بهذه الاغطية والبطانيات ؟
قال : هذولة جماعة يتم استلامهم بالعدد ... بدون اسماء وممنوع التكلم وياهم وحتى اهلهم ما يعرفون بيهم هم وين ....
قلت : ولا احد يعرف تهمهم شني ؟
قال : سياسيين ....
ترى ماذا فعلوا ؟ ........ ونظرت الى الاعلى الى الاغطية وتخيلت ما هي معاناتهم ..... قضيت الايام الاولى احاول استطلاع السجن ومن فيه من الموقوفين باحثا عن التهم التي اقترفوها .... كانت اوضاعهم مزريةجائعون ... ملابسهم رثة ...في يوم المواجهة حضرت الكثير من العوائل لترى ابنائها .... حضرت عائلة كاك محمد من اربيل واحضروا له الكثير من الاكلات وغيرها .... جائني مسرعا
وقال : اكتب عنوانك ورقم تلفون البيت .... حتى اهلي يوصلون خبر لأهلك
ناولني قلم رصاص مثلوم وقطعة كارتون من علبة سكائر .... كتبت العنوان عليها مسرعا واعطيته اياها .... لكني لاحظت ان اغلب السجناء يعني ما يقارب نسبة 60% منهم لم تحضر عوائلهم .... وتحريت عن الاسباب وعلمت ان عوائلهم لا تستطيع تأمين المال للسفر والحضور ونفقات كثيرة فضلا عن عدم قدرتها على احضار شئ لابنائهم .... قال كاكه محمد : انه الغلاء والحصار ... لقد ارتفعت اسعار المواد كلها
قلت : كاكه محمد انت شلون وضعك ؟
قال : الحمد لله عندي مطعم بشارع السعدون ومطعم بشقلاوه واموري كلش زينة وتره هاي المواد الجايبيها الي بالزيارة مو كلها الي
قلت : هاي تكفي عشيرة
قال : ساوزعها على السجناء الذين لا تحضر عوائلهملنلنن
لاحظت هنا في السجن ... ان السجناء الذين تحضر عوائلهم وميسوري الحال يوزعون الطعام وما تحضر عوائلهم على المعوزين .... وراقبت كاكه محمد ورأيت ان معظم الطعام) اللفات ) التي يبيعها .... يعطيها للمعوزين بدون ثمن ... فضلا عن تسريب اللفات والسكائر ليلا الى الطابق الاعلى بواسطة شريط من بطانية قديمة يستخدمه الموقفون في الاعلى لسحب ( علاگة المعونات)
قلت : كاكه محمد ... ما تخاف من الحراس ؟
قال : طعم البطن تستحي العين .....
..... يا لهذا الرجل ... يجازف ويخاطر ويصرف من جيبه وهو قد استأجر الحانوت وهو خسران .... ترى لماذا ؟ ما الذي يدفعه لذلك ؟ ..... انها الشهامة والعراقية .... الانسانية والاحساس بالاخرين .... بعد ان حضرت عائلتي واحضروا لي الكثير من الاكلات والسكائر والنقود الكثير منها .... قررت ان اشارك في دعم مشروع كاكه محمد الخيري ....
ضحك كثيرا وقال : اتدري ان جميع السجناء الذين معك في الزنزانة يشاركوني في مشروعي في الخفاء وبدون علم احد .... وانا راهنتهم وقلت لهم صاحبكم الجديد راح يشارك من ذات نفسه بالمشروع بدون ما احد يفاتحه .... لأنه گلبه محروگ ....
اسعدتني كلماته واحسست بالرضا العميق مع نفسي حين اويت للفراش واحسست برغبة في النوم .... لم احس بها من قبل .... منذ بدأت رحلتي هذه
يتبــــــــــــــــــــع
http://www.dorar-aliraq.net/showthread.php?t=28873