سجين سياسي – الحلقة الرابعه
تصوروا قفصا حديديا بارتفاع 125 سم وقاعدته 50 سم في 50 سم وله بوابة تقفل
ويتم وضعك فيه ..... وانت محشور فيه حشرا وركبتيك تلامس جبينك؟
وتترك فيه في غرفة مظلمة عفنه .... بدون طعام ولا ماء ... ليتم تهيئتك لجلسة تحقيقية
اي حفلة ساهره يحييها لك المسوخ .... ماء بارد مثلج ... طبعا ليس للشرب بل ليسكب على رأسك
ويتم وضعك امام مكيف هواء جنرال 2 طن .... خدمات خمسة نجوم
فيتم تحضيرك لاعداد طبقهم المفضل ....
عندما ذهبت في رحلة المغاسل كنت لا استطيع السير على اقدامي الا بمشقة ... كانتا منتفختان .... لكني احس بقوة في داخلي لا اعلم مصدرها ... رغم ان جسدي لا يقوى على الحركة ....
فتح الباب .... وبدون كلام لبست النظارة السوداء وكبلو يدي ....... انها رحلة التحقيق ...... ادخلت الغرفة الاولى .... وجائني صوت المحقق الاول ...
قال : اجلسوه .... وجلست على الكرسي الحديدي
قال : تريد شي يجيبولك ؟
احسست انه يستهزئ قلت : لا شكرا
قال: هاي شمسوين بيك ؟ ..........تعال يا ولد ....
حضر احدهم من الخارج : نعم سيدي
قال : منو محقق وياه غيري ؟
قال : سيدي جماعة الصباحي .....
سمعت صوت الملف الذي بيده يضرب على المنضدة بعصبية ....
وصرخ : اطلعوا بره
وذهب مغلقا الباب ..... بقيت في الغرفة ما يقارب النصف ساعة لوحدي ... وعندما عاد المحقق ... جلس .... وقال بصوت بدا متنرفزا جدا : افتح عيونك
رفعت النظارة عن عيني ولم انظر اليه ...
قال : باوعني .... انت قضيتك انتهت ... راح احيلك لقاضي التحقيق .... وثبتلي صحة كلامك ... بقت عليك بس تهمة التهجم .... ( ترى ما الذي اثبت له صحة كلامي ؟) ) ..... كان متوسط العمر في الثلاثينيات ... نحيفا طويلا .... شعره اشقر وعيناه ملونتان .... وملامحه طيبة ... لا بد من دخل الشعبة الخامسة وحقق معه يتذكره ... اذا لم يكن بالشكل فبالاسم ... كانو يطلقون عليه لقب(السيد)
قال : لقد ساعدتك بكل ما بوسعي .... ولا اريدك ان تلومني على ما فعلوه بك
لقد كنت انتظر احضار الشهود .... وحصل ما حصل
لم اعرف ماذا اقول .... لكن احسست بارتياح كبير .. هل سأخرج من هنا ؟ فليذهبوا بي الى أي مكان ما عدا هنا.....
عدت الى زنزانتي ... وفي الليل .... بعد وجبة العشاء .... اصطحبني احدهم فيما ظننت انها رحلة المغاسل ... لكنه ادخلني في غرفة الملابس واعطاني ملابسي التي اتيت بها وكل اغراضي الاخرى ... واصطحبني الى غرفة قريبة من البوابة والبسني النظارة السوداء .... وفتحت المزاليج وخرجت فأذا بنور الشمس يملأ الدنيا رغم النظارات السوداء ... يا الهي انه النهار وليس الليل ........ وضعوني مع شخص اخر في سيارة مظللة النوافذ وسارت بنا .... كنت استمع من وراء الزجاج المطلي الى اصوات السيارات والناس ...
توقفت السيارة وانزلنا منها ... ونزعت النظارات السوداء عن عيوننا .... كان يقف امامي مجموعة من الانضباط العسكري ... وادخلونا غرفة ذات اربعة اسرة وفيها شباك كبير يطل على حديقة صغيرة... وبعد رحيل السيارة .... حضر احد الانضباط وقال : الحمد لله على السلامة
قلت : الله يسلمك
قال : لا تدير بال ما دام طلعت من ذاك المكان سلامات
احسست في كلامه نبرة حزن وتعاطف لكنه كما يظهر يخشى ان يعبر عن رأيه او يظهر تعاطفه
قلت : اين نحن ؟
قال : السجن رقم واحد في امرية الانضباط العسكري بالحارثية
قلت : كم الساعة الان ؟
قال : انها الثانية بعد الظهر .... راح اسويلك غدا ... وچاي
قلت : والله اريد جگاير وچاي بس صارلي زمان ما ضگتهن ...
قال : بعد عمري .... انا اصيرلك چكارة وچاي ....
.... علت وجهي ابتسامة فرح ... هذا عراقي مو مسخ ...
انتبهت الى الشخص الذي احضروه معي ... كان مستلقيا وفاتحا عيونه ولا يأتي بحركة .... وكان شاحبا ومصفرا الى حد مرعب .... وشكله يشبه الهيكل العظمي اكثر من الانسان
حضر الجندي حاملا معه اربع علب سكائر و( قوري چاي ) وفتح الباب ووضعها امامي قائلا : ربع ساعة واجيبلكم الغدا ..... وترك الباب مفتوحا وقال : اذا رغبت بالجلوس في الحديقة فتفضل ....
سكبت قدحا من الشاي واشعلت سيكارة .... ياااااااه ... ما الذ الشاي والسكائر .... بعد كل الحرمان ..... قلت لصاحبي : تشرب چاي ؟ ....... لكنه لم يلتفت حتى الي ... نظر مباشرة الى الباب ... واتسعت عيناه وحمل البطانية وخرج واستلقى في الشمس .... خرجت انا ايضا الى الحديقة .... تمتعت بنور الشمس .... احضر الجندي الغداء وجلس قبالتي وقال : تفضلو ... وعذروني من القصور .....
وحضر عريف متوسط العمر وسلم علينا وجلس .... وتناولت معهم الطعام ....
التفت العريف وقال : هل صاحبك مريض ؟
قلت : لا اعرف عنه شيئا .... اول مرة اشوفه ......
قال : لازم ما كنتو سوية ؟
قلت : لا
نهض العريف وايقظه قائلا : تفضل اتغده ويانه ...
لكنه لم يجب ولم ينظر اليه حتى ..... استغرب العريف من حالته ... وذهب يخبر الضابط الخفر عنه .... وحضر المضمد وكشف عنه قائلا : اعتقد ان حالته متدهورة ... انه لا يسمعنا حتى ....
عند المساء احضرو لي عشاء .... وشايا ... ووضعوا لي قدرا كبيرة من الماء على ( الچوله ( لتسخن واستحم بها .... دعوت صاحبي للعشاء لكنه لم يجب ... فجأة نهض وحمل بيده صحنا من امامي ووقف ينظر اليه ويده ممدودة بالصحن .... لم افهم ماذا يريد ... قلت له : اگعد اتعشى وياي ....
هز رأسه مشيرا للصحن بيده .... وبحركة لا ارادية وضعت له بعض الطعام فيه ... اخذه وانسحب ... وجلس على الارض في زاوية الغرفة ... وظل ينظر الى المصباح في سقف الغرفة ....
حضر العريف وقال : اتعشى واشرب چايك واغسل جسمك وجبتلك مكينة زيان حتى تزين وجهك ...
قلت : جزاك الله خيرا ... انت منين ؟
قال : من ابو دشير .... تندلها .... يم ابو غريب ...
قلت : لماذا لا يوجد احد في السجن ؟
قال : حولو جماعة سجننا لابو غريب .... والصبح تجي سيارة السجن وتروحون وياها ... هنا ماكو بس السجناء الاجانب وجماعة الكويت ....
حضر جنديان مساء وتكلمو مع العريف ودخل احدهم للغرفة مسلما بأدب ... ونظر الى زميلي ... وللحظة بدا انه صعق بالكهرباء .... وصاح على الاخر : انه هو .... وحضر زميله ونظر اليه وسقطت الدموع من عينه صائحا : هاي شصاير بيك ؟
لكن رفيقي لم ينظر اليهما ولم يجب بشئ ....
قلت : تعرفونه يا جماعة ؟
قال احدهم : هذا ابن عمنا انفقد من ايام الانتفاضة .... وجماعته گالو لزمو جماعة الامن العسكري ...
قلت : لماذا ؟ ماذا فعل ؟
قال : شارك في الانتفاضة ....
قلت : وين اهلكم ؟
قال : احنا منكركوك من طوزخورماتو ...
احضر الانضباط لي كتابا وقال : هاي قصة مال واحد من جماعتنا نازل مجاز .. اذا تحب تقراها ..... شكرته وتناولت القصة وكانت بعنوان ( راسبوتين ) رواية عالمية معروفة عن احداث وقعت ايام القيصرية الروسية ... قضيت الليلة اقرئها واشرب الشاي وادخن السكائر حتى الصباح ..... كنت انتظر ان ارى شروق الشمس ....
في الصباح حضرت حافلة السجن لاستلامنا ... وقد احضروا معهم ما يقارب عشرين اخرين من حبس المراتب .... نهضت وقبلت العريف والجندي وشكرتهما لحسن المعاملة قالا : استغفر الله هذا واجب مو فضل ....
كان رفيقي ما يزال في زاويته يحدق بالمصباح .... لكنه لم يستيقظ ابدا ... كانت روحه قد فاضت الى بارئها .... بكيت بحرقة ... وانا انظر اليه ..... واسرع احد الجنود ليخبر الامر بما حصل ... وساد وجوم في الغرفة .... الا من صوت نحيبي ... كنت ابكي ... ربت العريف على كتفي
وهمس في اذني قائلا : چنت اعرفه موات ...
نظرت اليه باستغراب ... وهز رأسه مؤكدا
وقال : هلايام هواي جماعه يطلعوهم من هناك ويجون يمنا يموتون ... وهمس في اذني : يمكن ضاربيهم ابره ... جلست في الحافلة مطأطئ رأسي من الحزن ... يا للهول ترى ماذا اقترف المسكين لينتهي مصيره هكذا ؟
سارت الحافلة ووصلت الى سجن ابو غريب .... قال السائق للحرس : الخاصة ... جماعة سجن رقم واحد
ففتح له العارضة ودخلنا ............
هناك بقية
http://www.dorar-aliraq.net/showthread.php?t=28872
رد مع اقتباس
