تفرض أجهزة الاستخبارات الفرنسية مراقبة دقيقة على العائدين من "الجهاد" في سوريا خشية أن تغفل عن أقلية صغيرة منهم يمكن أن تنتقل إلى تنفيذ أعمال إرهابية داخل البلاد. لكن الأجهزة تعاني صعوبة في مراقبة الجميع إذ أن "فرض مراقبة 24 ساعة يوميا على مشبوه واحد يستخدم في بعض الأحيان ثلاثة أو أربعة أرقام هواتف مختلفة يتطلب حوالى ثلاثين شرطيا" كما يقول أحد المطلعين على الملف.



مازال القلق يؤرق بعض الحكومات الأوروبية التي ذهب بعض من رعاياها للقتال في سوريا كفرنسا وبلجيكا وبريطانيا، ومثار هذا القلق هو عودة هؤلاء إلى بلدانهم مشبعين بأفكار متطرفة. ويبدو أن العدد الأكبر من هؤلاء الجهاديين الذين يتوجهون إلى سوريا يأتي من فرنسا، وتفرض أجهزة الاستخبارات الفرنسية مراقبة دقيقة على العائدين من "الجهاد" في سوريا خشية أن تغفل عن أقلية صغيرة منهم يمكن أن تنتقل إلى تنفيذ أعمال إرهابية داخل البلاد.
ويتم رصد معظم المغادرين إلى سوريا وبعض العائدين منها، لكن عددا من هؤلاء وخصوصا الذين يتوجهون إلى الحدود السورية التركية بالسيارة ويعبرون الحدود سرا قد لا تكشفهم أجهزة مكافحة الإرهاب التي تخشى أن تواجه مفاجآت سيئة.
وقال خبير في مكافحة الإرهاب لوكالة فرانس برس طالبا عدم كشف هويته إن "القاعدة تقضي بألا يمروا بدون مساءلة عندما يعودون إذ يتم استدعاؤهم واستجوابهم وإبلاغهم بأنهم مراقبون".
وأضاف "لكننا بالتأكيد لا نستطيع أن نكون واثقين من أننا نرصد الجميع والبعض قد يسافرون ويعودون بدون أن نلاحظهم".
وتسمح المراقبة الإلكترونية خصوصا لبعض الأوساط أو المجموعات وكذلك المساعدة التي تحصل عليها الشرطة من عدد متزايد من العائلات القلقة على أبنائها، في معظم الأحيان بالتدخل لدى الشبان خلال استعدادهم للسفر. لكن طالما لم يقوموا بأي عمل غير قانوني، من الصعب إن لم يكن من المستحيل منعهم من التوجه إلى تركيا.
ونظرا لقرب "أرض الجهاد" السورية، لا ضرورة لشبكات مثل تلك التي انشئت خلال الحروب في أفغانستان والعراق والشيشان إذ يكفي معرفة عنوان الذين تسميهم الشرطة "بالمسهلين" أو فنادق متواضعة في المنطقة الحدودية.

وتؤكد مصادر قريبة من أجهزة الاستخبارات الفرنسية أن الاستخبارات التركية تبلغ نظيراتها الأوروبية بشكل دقيق نسبيا بالعائدين. ومن الصعب أن يمر الجهاديون الغربيون بدون أن يكشفوا في المنطقة الحدودية التي تخضع لمراقبة شديدة.
وذكر أحد هذه المصادر أن الاستخبارات التركية تميل إلى إدخال الراغبين في الجهاد المتوجهين إلى سوريا بدون مشاورة باريس أو بروكسل أو لندن، لمحاربة نظام الرئيس السوري بشار الأسد والتسبب بمشاكل للأكراد وتبرير الوجود العسكري، بحسب ما أفاد أحد المصادر.
وأمام لائحة أشخاص يشكلون تهديدا محتملا وهناك عشرة منهم مسجونون، لا تملك أجهزة مكافحة الإرهاب وسائل إخضاعهم جميعا لمراقبة دائمة. وهي تضع لوائح تتضمن أسماء هؤلاء بالتسلسل وفق درجة خطورتهم.
وقال أحد المطلعين على الملف أن "فرض مراقبة ل24 ساعة يوميا على مشبوه واحد يستخدم في بعض الأحيان ثلاثة أو أربعة أرقام هواتف مختلفة يتطلب حوالى ثلاثين شرطيا. كيف يمكننا أن نفعل ذلك؟ يجب وضع لائحة أولويات".
وما أن يصلوا إلى سوريا، إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة والمجاورة للحدود التركية، يلتحق معظم الجهاديين الفرنسيين والأوروبيين بجماعات مرتبطة بالقاعدة أو تعتنق فكرها، وخصوصا جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
ومن تلك اللحظة، يصبحون في أغلب الأحيان هم أنفسهم من يعطي المحققين العناصر اللازمة لتحديد مدى تورطهم في المجموعات المصنفة "إرهابية" من خلال الرسائل والصور وتسجيلات الفيديو التي يضعونها على الإنترنت، ما يساهم في تشكيل ملفاتهم تحسبا لعودتهم.
ويؤكد البعض أنهم لا يرغبون في العودة ويسعون إلى "الشهادة"، لكن آخرين يشعرون بالخوف أو بخيبة الأمل بعد تكليفهم بمهمات متواضعة فيسلكون طريق العودة بعد أسابيع أو أشهر.

ويقول ديفيد تومسون مؤلف كتاب "الجهاديون الفرنسيون" إن "أوائل الفرنسيين وصلوا إلى سوريا في 2012، إما بوسائلهم الخاصة منطلقين في مغامرة، أو مرورا بتونس والتسجل بشبكة التجنيد التونسية المهمة. لكن ما أن يصلوا حتى يشكلوا مجموعة ويستدعوا رفاقهم".
ويضيف "إنهم يعرفون بدقة إلى أين سيذهبون ومن سيتولى أمرهم"، موضحا أن "الأمر يمكن أن يجري بسرعة وفاعلية كبيرتين.. في بعض الأحيان تكفي ثلاثة عناوين على فيس بوك