فن العمارة الدمشقي
خلال القرنين التاسع عشر والعشرين تطورت العمارة في دمشق تطوراً سريعاَ، وانفتحت على أساليب متعددة فرضتها تدخلات المعماريين الأجانب في عمارة بعض المنشآت العامة.
ثم تسربت اتجاهات العمارة الأوروبية الشائعة بواسطة المعماريين المحليين الذين درسوا في الغرب.
وللحديث عن تفاعل العمارة الدمشقية مع المستحدثات المعمارية، لابد أن نتحدث أولاً عن خصائص العمارة التقليدية التي استمرت شائعة قروناً طويلة في أنحاء سورية، وفي هذا البحث سنقوم بجولة سريعة نقف خلالها أمام المنشآت العامة التي تعتبر الأنموذج الأكثر وضوحاً لفن العمارة المحلية في تصاميمها المختلفة.
قصر العظم بدمشق
مارة المسكن التقليدي:
ولكي لا يفوتنا الحديث عن المسكن الخاص أولاً فإننا سنبدأ بالكلام عن قصر العظم، بوصفه منشأة تتمثل فيها جميع خصائص المسكن الدمشقي، ثم بصفته قصراً للوالي يؤدي وظيفة إدارية وسياسية.
وقصر العظم (والذي رمم بعد حرقة عام 1925)، ما زال بحالة سليمة كشف عن ملامحه الأساسية التي كانت عليه منذ أنشأه في العام 1749 بإشراف والي دمشق أسعد باشا العظم. أما القصور الأخرى مثل قصر معاوية والأبلق وقصر السعادة وقصر المشيرية، وقصر الوالي كنج يوسف باشا وقصر ناظم باشا للمهندس خورشيد المصري، فلقد أزيلت ولا محل لدراستها في هذا البحث.
ويتألف قصر العظم من خمسة أقسام، قسم المعيشة، وقسم الاستقبال، وقسم الخدم، وقسم مرآب العربات، والحمام. وتنفتح الأقسام الثلاثة الأولى على فناء داخلي في وسطه بركة ماء. وثمة إيوان كبير في قسم المعيشة، وإيوان أصغر في قسم الاستقبال.
ندخل إلى القصر من باب واحد يؤدي إلى دهليز يتوزع في اتجاهين، واحد إلى قسم الاستقبال، والآخر إلى قسم المعيشة، ومنه إلى قسم الخدم والمطبخ والحمام. وتشكل الأفنية الثلاثة رئات مليئة بالأشجار والورود.
يتألف البناء من طابق واحد، إلا من غرفة سرية في أعلى الإيوان الكبير. وإذا كان هذا البناء هو الأنموذج الأكبر لعمارة البيوت السكنية إلا أن البيوت الأخرى كانت مؤلفة من طابقين اثنين، ومن إيوان واحد يشرف على الفناء الداخلي، وفي طرفيه قاعتان ذات سقف مرتفع حتى مستوى الطابق الثاني.
مئذنة قايتباي
في الجامع الأموي بدمشق
عمارة المسجد:
كان الجامع الأموي الأنموذج الأقدم لبناء المساجد، ثم جاء بعده الأسلوب الفاطمي ثم المملوكي وقد حافظا على أقسام البناء المسجدي (الحرم والصحن) وإن اختلف شكل المئذنة، والقبة، والزخرفة الداخلية، وكان للمئذنة المملوكية طرازها المتميز تمثل في مئذنة قايتباي في الجامع الأموي، ومئذنة القلعي، ومن أبرز المساجد التي أنشئت في العصر العثماني كان التكية السليمانية المؤلفة من مسجد ذي مئذنة وقبة وصحن محاط بحجرات مخصصة لطلاب التكية، ومن تكية صغرى ذات مصلى بدون مئذنة ومن صحن محاط بحجرات أيضاً.
صورة قديمة للتكية السليمانية
وهذه التكية بقسميها، هي من تصميم المعمار العثماني الشهير سنان الذي أنشأ أولاً الخسروية في حلب. ثم أنشأ في تركيا عدداً كبيراً من المساجد الضخمة مثل السليمانية في استنبول والسليمية في أدرنه، ولقد قام العطار الشامي بالإشراف على تنفيذ مخططات التكية السليمانية بدمشق في العام 1520. طرأ تطوير حداثي على بناء الجامع، نرى أنموذجه الواضح في جامع يلدز، ومنذ عام 1950 ابتدأت بالظهور منشآت مسجدية استمدت تصميماتها من العمارة العربية الحديثة، وكان أكثرها مؤلفاً من بناء منفتح على الخارج مزين بفتحات ونوافذ وزخارف عربية حجرية، ومحاط بحديقة أرادها المعمار صحناً للجامع. ولم تستطع هذه الحدائق أن تقوم بوظيفتها جيداً كمصلى في الهواء الطلق، ولكن ومن ميزات هذه العمارة احتواءها على قاعات للمحاضرات أو الاحتفالات، أو مستوصفات، أو مدارس كما في جامع الإسعاف الخيري، وقد بدت المدرسة أكبر حجماً من المسجد.
صورة قديمة
لنصب ساحة المرجة بدمشق
في أعلى نصب ساحة الشهداء، نموذج برونزي مصغر لجامع السلطان عبد الحميد في قصر يلدز-اسطنبول، أنشئ هذا المسجد في العام 1898 عند زيارة الإمبراطور غليوم الثاني إلى الدولة العثمانية بدءاً من العاصمة. وكان المعمار الألماني دارانكو قد صمم هذا المسجد الذي حقق فيه تطوراً حداثوياً بارزاً في عمارة المسجد، دون أن يتخلى عن المشهد الخارجي التقليدي للمساجد العثمانية.
ولقد زرت مراراً هذا الجامع لوقوعه تجاه الجناح الذي أعد لضيافة الإمبراطور (والذي أصبح مقراً لمركز أرسيكا الذي توليت رئاسة مجلسه عقداً من الزمن) شدني هذا المسجد إليه لأنه النموذج الناجح لتقريب المسافة بين الطراز المعماري الإسلامي الذي ابتدأه المعمار سنان وبين الطراز الحديثة.
اترككم مع بعض الصور