لم يكن العرف وحده متحكما في حياة العراقيين القدماء الاقتصادية رغم سواده في كثير من مناحي الحياة فهم وضعوا انظمة وقوانين ثابتة كانت المحاكم ومجالس المدن تحتكم اليها في التعاطي مع الحيثيات الاقتصادية وعلى رأسها التعاملات بين سائر الناس ويرى بعض المؤرخين ان العرف الذي هو ارادة جماعية كان مبررا لاختزال القوانين وانتفاء الحاجة اليها بما يحمله من قوة تضاهي قوة القانون وبالفعل تطورت بعض الاعراف الى قوانين انتظمت في الشرائع وفي محاولة تسليط الضوء على الجوانب الاقتصادية في الشرائع العراقية القديمة لابد ان يكون البدء مع اصلاحات الحاكم (اوروكاجينا) الذي حكم سلالة (لكش) في القرن الرابع والعشرين ق.م والتي تعد الاقدم بين النصوص التشريعية المعروفة لحد الان.
ويجمع المؤرخون على ان الاسباب الموجبة لقيام (اوروكوجينا) بأصلاحاته هو انتقال السلالة من حالة رخاء وازدهار جراء قوتها العسكرية وما حققته من انتصارات على سلالات مجاورة فتدفقت عليها الغنائم واتسعت رقعة اراضيها الزراعية ولكن بعد تدهور هذه السلالة وتقليص مواردها اندفعت الاسرة الحاكمة ومتنفذوها الى فرض ضرائب على عامة الناس ليتوافروا على مواد تضمن لهم مستوى حياتهم الاقتصادي العالي ثم تجاوز هؤلاء على املاك المعبد واراضيه وموارده ووسط هذه الفوضى والابتزاز اللامحدود من قبل الاسرة الحاكمة والمتنفذين وضع (اوروكوجينا) اصلاحاته التي تضمنت فقرات اقتصادية كثيرة تناولت استيلاء المتنفذين على ادوات الانتاج (مصائد الاسماك والحيوانات ...الخ).
وابتزاز جباة الضرائب الاموال من الفقراء وطالت الضرائب مختلف النشاطات الاقتصادية وراح الاغنياء يستخدمون الفقراء بأسلوب السخرة وهنا يأتي دور الحاكم المصلح ليمنع هذا الاضطهاد والاستغلال وينحاز في هذا الصراع الطبقي الى جانب الفقراء بتخفيض الضرائب ومنع الاستيلاء على وسائل الانتاج فضلا عن عقوبات تطول السراق اذا وعلى هذه العجالة في العرض فأن اصلاحات هذا الرجل غلب عليها الطابع الاقتصاديونعرج اايضا على قانون (اورنمو) (احدى وثلاثون مادة تسع منها مفقودة) شرعه مؤسس (سلالة اور الثالثة) الحاكم (اورنمو).
( 1934.1924ق.م) حيث شملت ثلاث مواد منها معالجات اقتصادية تعلقت بالتجاوز على الاراضي والغرامات المفروضة على من تسبب بأغراق حقل الغير او اهمال المستأجر للحقل المستأجر وعدم زراعته ومايترتب علية من تعويضات ووفق التسلسل الزمني لظهور الشرائع في العراق القديم لدينا قانون(لبت.عشتار) وهو يعود الى العهد البابلي القديم وبالتحديد فترة (ايسن.لارسا) و (لبت.عشتار) هو خامس ملوك سلالة (ايسن) ورغم فقدان عدد كبير من المواد التي تضمنها هذا القانون الا ان معالجات اقتصادية واضحة تناولتها بعض مواده فهناك مادتان تنظمان شروط المزارعة الخاصة بالبساتين وطريقة المشاركة في الغلة بين المالك والفلاح وهناك ثلاث مواد اخرى تحدد تعويض السرقات وقطع الاشجار وتذهب احدى المواد الى ان صاحب أي ارض تركت فارغة الى جانب دار سكني واستغلت لسرقة الدار فأن صاحب الارض الفارغة يتحمل مسؤولية السرقة وهناك مادتان اخريان تتعاملان مع الضرائب والرسوم المتعلقة بنقل ملكية العقارات وهناك اربع مواد تتعلق بمقدار التعويضات عن الاضرار الواقعة على الحيوانات المؤجرة وهكذا فأن اثنتي عشرة مادة من هذا القانون من مجموع سبع وثلاثين تخص الجانب الاقتصادي مع ملاحظة ان ست مواد اخرى ناقصة بسبب رداءة اللوح الطيني المثبتة علية اما القانون الاخر فهو قانون(اشنونا).
ورغم ان تاريخ هذا القانون لم يعرف بالضبط الا ان الاثاريين يرجعونه الى فترة تسبق حكم الملك (حمورابي) ودويلة(اشنونا) حكمت في منطقة ديالى في بدايات العهد البابلي القديم والواحها المكتشفة تضم ستين مادة ويبدأ قانون (شنونا) بمواد اقتصادية تتعلق بتسعير المواد الغذائية وتحديد اجور العمال والعربات والحيوانات حيث تغطي احدى عشرة مادة منها شؤون اقتصادية نجد مادتين اخريين تفصلان شأن العقود التجارية بما فيها المضاربة والديون ثم نجد في مكان اخر مادتين تخصان عقود المداينه والفوائد المترتبة عليها كما ان هناك ثلاث مواد تنظم عقود البيع فيما تتطرق احداها الى اثبات شرعية الحصول على الاموال المنقولة
كما يتضمن القانون ايضا اربع مواد تحدد تعويضات الاضرار الناجمة عن فعل الحيوانات والجمادات كنطح الحيوان حيوانا اخر وسقوط جدار على انسان فضلا عن مادة اخرى اقتصادية غير واضحة ولكنها تتعلق بالاجور واخيرا مع القانون الاكثر انتظاما بين المكتشفات القانونية وهو قانون (حمورابي) (1792.1750 ق.م) وهذا القانون الشريعة تضمن(282) مادة تتعالج الكثير من مواد هذه الشريعة جوانب في الحياة الاقتصادية منها مايتعلق بأراضي افراد القوات المسلحة واخرى تتعلق بشؤن الحقول والبساتين وهناك مواد تتعلق بالقروض ونسب الفوائد ومنها مايتعلق بالائتمان والنقود وغيرها بالاسعار واجور الاجراء والحيوانات.
ويصل عدد المواد التي تعالج شؤون اقتصادية الى اثنتين وثمانين مادة عدا المواد التي تمس بشكل غير مباشر جوانب اقتصادية ترتبط بمفردات حياتية اخرى.
المصدر:: المحاسبيين والمدققيين العراقيين.