بسم الله الرحمن الرحيم
اللهُم صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ واللعنة على اعدائهم ومخالفيهم من الجن والانس اجمعين وعجل فرجهم يارب العالمين


الفهم الصحيح للصبر

الله خلق الإنسان من أجل تحقيق الخلافة الإلهية على الأرض

أول هدف للدين الإلهي والمعصومين الأربعة عشر العظام والأنبياء الكرام إلا لأجل بناء ذلك الإنسان الواصل وصناعته. فهم (صلوات الله عليهم) كانوا يريدون إيجاد المناخ المناسب لتمكين الإنسان من سلوك هذا الطريق بيسر للوصول إلى تلك الغاية.

إنّ هذه الغاية يمكن التعبير عنها بكلمات قليلة، فهي تعني ارتقاء الإنسان وتكامله وتفجّر ينابيع الاستعدادات والقابليات المودعة فيه. وهذا ما يعبّر عنه في ديننا أيضاً بتعبيرات مختلفة من قبيل "التخلّق بالأخلاق الإلهية، والقرب من الله و...".

لأجل تحقق هذا الهدف، ولكي يقترب من هذا المنزل، خلق لأجله كل ما يعينه عليه.
فكل هذه الوظائف والمسؤوليات والعبادات الملقاة على عاتقه والتكاليف الإسلامية الفردي منها والإجتماعي التي كلّف بها تعدّ وسائل القرب لمراحل السير نحو الهدف المنشود.
وبناءً عليه يكون كل واحد تكليف من التكاليف بذاته مقصداً وهدفاً قريباً ينبغي تحقيقه للوصول إلى الغاية النهائية الإنسانية الكبرى.
مثال :

فالذي يريد السفر إلى مدينة بعيدة
:

1. عبور الأماكن التي تقع في مسيره،

2. وكذلك إعداد اللوازم ومتطلبات السفر،
هي بمثابة الأهداف والمقاصد القريبة التي ينبغي الوصول إليها كمقدمة نحو الهدف النهائي والأساسي. ففي نفس الوقت التي تعتبر تلك المقدمات وسيلة للوصول، هي أيضاً غاية ونتيجة لتحقيق مقدمات أخرى.
وما أريد أن أصل إليه من هذا الكلام، هو أن الوصول إلى كل واحد من هذه الأهداف القريبة يتطلب شرطاً أساسياً أيضاً، وهو الصبر الذي يعد كالحربة الحادة القوية التي تمزق كل ما يمنع من الوصول إلى المطلوب. وكما أن على طريق الهدف النهائي يوجد موانع كثيرة، كذلك هناك موانع عديدة (داخلية وخارجية) تقف عائقاً أمام الأهداف القريبة وتشكل العقبة المواجهة لتطبيق كل واحد من التكاليف والوظائف الإسلامية.
الإنسان يصعد الى الكمال الإنساني كمتسلّق الجبال

الإنسان في حقيقة حياته المحدودة في هذا العالم وفي الواقع، قد جُعل في طريق يمتد من بداية حياته الدنيا وحتى وفاته ليسلكه ويطويه نحو الوصول إلى أعلى منزل من منازل الإنسانية. وبالطبع يوجد في هذا الطريق، الذي هو طريق صعب مليء بالمتاعب، موانع وحواجز كثيرة، على الإنسان أن يقطعها ويجتازها. وإنّ كل مانع منها يكفي لوحده لإيقاف هذا المتسلِّق نحو قمّة الكمال والرقي ومنعه من متابعة سيره.

بناءً فهم مجموع الروايات عن أهل بيت العصمة والرسالة يمكننا أن نعرّف الفهم الصحيح للصبر بهذا النحو:
هو مقاومة الإنسان المتكامل (السالك طريق الكمال) للدوافع الشريرة المفسدة والمنحطة.
مثال على التعريف
يمكننا أن نشبّه هذا الأمر بشخص يريد تسلق جبل.
فأثناء تسلقه للوصول إلى القمم العليا يوجد موانع مصاعب وهي قسمان :

1. قسم منها يتعلق بهذا المتسلَّق وينبع من نفسه،

2. والقسم الآخر يرجع إلى العوامل الخارجية،
فيعملان معاً على الحد من حركته.
بيان للصعوبات التي يواجهها المؤمن

1. مثال للصعوبات من نفس الإنسان : أما ما يرجع إلى الإنسان نفسه، فهو :

• طلب الراحة

• الخوف

• اليأس من الوصول إلى الهدف،

• والأهواء المختلفة التي تعمل على منعه من الاستمرار في التسلّق والصعود حيث تنخفض حرارة الاندفاع والبواعث

• استمرار تلك الأفكار والوساوس

• الجانب الباطني للإنسان من الصفات والخصال السيئة والرذيلة.

• الكسل وروحية القيام بما هو سهل فقط،

• وحب النفس والغرور،

• والحرص وحب الرئاسة والجاه،
• والتكاثر بالأموال والشهوات
وغيرها من الصفات والخصال الخسيسة.

2. أما فيما يرجع إلى العوامل الخارجية : كمثل الصخور الضخمة والذئاب والأشواك وقطاع الطرق لمتسلّقي الجبال يوجد عوامل خارجية تقف عائقاً

• هناك الأجواء والبيئة الفاسدة غير الملتزمة

• العيش في عالم الدنيا من غير تحديد هدف وكأن الله والعياذ بالله خلقنا عبثاً فقط لنأكل ونشرب ونتكاثر

• البيئة الاجتماعية البعيدة عن الدين والمعتمدة على التقاليد.

• تعطيل الفرع الديني الأهم " الأمر بالعروف والنهي عن المنكر" الذي جاهد من أجل إقامته الإمام الحسين عليه السلام

كل هذه العوامل سواء الشخصية منها التي تخص الإنسان نفسه أو الإجتماعة المتعلّقة بالبيئة كلّها تقف عائقاً أمام الإنسان وتمنعه من متابعة مسيرة.

فكل واحدة من هذه العقبات تؤثر في منع الإنسان من أداء التكاليف الإلهية البناءة، سواء منها التكاليف الفردية كبعض العبادات أو التكاليف الاجتماعية كضرورة السعي لإعلاء كلمة الحق.
بعد أن تعرّفنا على الصعوبات يوضع الإنسان أما مفترق طرق :

ومثل هذا الشخص الذي يواجه هذه المتاعب والمصاعب :

1. إمّا أن يقرر عدم مواصلة السير بسبب المخاطر والآلام والمشاق وبالتالي يبقى في مكانه ،

2. وإما أن يصبح الأمر عنده معاكساً، حيث يزداد عزمه قوة وثباتاً، ويقرر أن يقاوم جميع الموانع الداخلية والخارجية، وبالاعتماد على عامل المثابرة والتحمل، يدفع هذه الموانع من طريقه ويواصل المسيرة. هنا هذا المعنى يسمّى الصبر.
الفهم الصحيح للصبر بنظر أهل بيت العصمة والرسالة

الصبر يعني مواجهة ومقاومة كل هذه الموانع بإرادة صلبة وعزم راسخ ووضع كل هذه العقبات جانباً. إن ما يبطل تأثير العوامل السلبية، ويضمن القيام بكل التكاليف الإلهية واستمرار السير على الطريق الصحيح، هو المقاومة الإنسانية، أو مواجهة الإنسان للموانع المذكورة. هذه المقاومة أو المواجهة هي التي تعني الصبر.