النتائج 1 إلى 3 من 3
الموضوع:

الجواهري يكشف في مذكراته عن إصابة عبد الكريم قاسم بمرض عضال انعكس على طباعه المتقلبة

الزوار من محركات البحث: 465 المشاهدات : 2683 الردود: 2
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    صديق مؤسس
    صاحبة الامتياز
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: البصرة
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 27,178 المواضيع: 3,882
    صوتيات: 103 سوالف عراقية: 65
    التقييم: 5826
    مزاجي: هادئة
    أكلتي المفضلة: مسوية رجيم
    موبايلي: Iphon 6 plus
    آخر نشاط: 5/August/2024
    مقالات المدونة: 77

    الجواهري يكشف في مذكراته عن إصابة عبد الكريم قاسم بمرض عضال انعكس على طباعه المتقلبة


    الجواهري يكشف في مذكراته عن إصابة عبد الكريم قاسم بمرض عضال انعكس على طباعه المتقلبة



    في مذكراته التي حملت عنوان "ذكرياتي" يكشف الشاعر الراحل محمد مهدي الجواهري العديد من الاحداث التي عاصرها طوال عمره الذي امتد الى مايقرب من قرن من الزمن وتطرق من خلاله الى طبيعة علاقته بابرز الشخصيات الثقافية والاجتماعية والسياسية ومنهم ثمانية رؤساء حكموا العراق ابتداءً من الملك فيصل الاول حتى صدام حسين.
    مع الزعيم.


    يتطرق الجواهري الى بداية العلاقة بينه وبين عبد الكريم قاسم ،التي لم تبدأ عند تسلم السلطة كما هو معروف ،بل تمتد الى عشرة اعوام قبل الانقلاب الذي اطاح بالملكية وجعله على رأس السلطة وبالتحديد في لندن عندما كان قاسم ضابطا في الملحقية العراقية في لندن في نهاية الاربعينات ، ويقول في ذلك : "يعلم من حولي جيداً من قصائدي وما حوته صحفي وما كان من مواقفي، مدى بغضي لبريطانيا، لما حملته للعراق من ويلات، منذ الاحتلال حتى الانتداب، فالحكم الوطني، مع ذلك فقد طرأت فرصة، بالاحرى دعوة الى وفد صحفي لزيارة لندن والتعرف عليها، وألح عليّ رفاقي الحاحاً شديداً لاقناعي بالمشاركة في هذا الوفد.
    وهناك في الملحقية العسكرية بلندن وهي اكبر ملحقية كما هي اكبر سفارة للعراق في العالم، كانت بعثة عسكرية خاصة تنظم ملحقين من ضباط يتسابقون عليّ، ويجرني الواحد بعد الآخر من أرداني، وكان بينهم ضابط شاب كان من دونهم أشد إلحاحاً عليّ بأخذ حصة اكبر او الحصة الكبرى من الجلسات واللقاءات من جملة ذلك ان اصطحبني الى بيته، وهو شقة متواضعة بملحقاتها".
    كان شاب ينجذب إليّ، بكل معنى الكلمة حتى انه لكي يطيل مدة التقائي وإياه حتى توثقت عرى المعرفة بيننا، وفي يوم شكوت وجعاً في اسناني كنت اعانيه وانا ببغداد، ووصف لي حينئذ صديق من اصدقائي علاجاً جديداً لقلع الأضراس وهو ما يشبه قربة غاز تسلط بانبوب على الضرس فيسهل قلعها بلا ألم، او انها تنقلع من تلقاء نفسها.
    حدثت الضابط الشاب في ذلك فقال: انه يعرف طبيب اسنان انكليزياً شهيراً ووعدني بأن يأخذني اليه، وقال الطبيب: عندما تحدث مع الضابط عن العلاج المفترض أن نعم ، واستدعى الطبيب مساعده وهو الموكل بتسلط هذا الغاز. حدثت مصادفة ان انقطع الانبوب المتصل بقنينة الغاز بينما الطبيب يقلع الضرس الكبير المكين حتى بدون تخدير واذا بي أصرخ من الألم صرخة مدوية سمعها كل من في قاعة الانتظار ومنهم رفيقي.
    وعلى اي حال كنت قد دفعت اليه المبلغ المطلوب وسلمه هو بدوره الى الطبيب وكان قدره "30" جنيهاً استرليناً .
    وفي موقف تالٍ ، شكا لي ، وانا في إحدى تلك الزيارات والفحوص الطيبة امامه، ان وزارة الدفاع او المسؤولين عنها، يرفضون أن يتكلفوا بمصاريف علاجه كما هو المفترض بكل ذي وظيفة او منصب في الدولة يصاب بهذا المرض أو ذاك وفي الصميم من القيام بخدماته فيها، فكان ان قلت له:" ان هؤلاء القوم، وفي المقدمة منهم، الامير عبد الإله،ونوري السعيد وكما تعلم يتوددون إلي، فهل تسمح ليّ ان اذكر شكواك اليهم، بأمانة؟.
    اكتفى الضابط الشاب بالسكوت، وفهمت من ذلك أنه يطبق المثل القائل:"السكوت من الرضا"، وبأمانة ايضاً، فلا أتذكر مما طلبه مني في زحمة الاحداث شيئا مما كنت أحب ان أقدمه إليه من خدمة مطلوبة.
    لم يكن هذا الضابط أحدا آخر سوى"عبد الكريم قاسم" هذا الرجل الذي اصبح اكبر من رئيس للجمهورية صباح 14 تموز 1958، وشوهد وجهه في القمر!! وانا ناسٍ اسمه حيث كنت في"علي الغربي" وبعيداً عن بغداد يومها وساعتها.
    ويكمل الجواهري : وانا في الجانب الغربي من دجلة والمنسوبة الى علي الغربي.. في غرفتي والأصح والأصدق في كوخي التقطت من المذياع الصغير أمامي الخيط الذي شدني بذلك الخيط العابر ورهفت حاسة السمع لدي فشددت قبضة يدي على المذياع وقربته أكثر فأكثر من أذني لأسمع ان جمهورية جديدة ولدت في العراق وان حكومة وطنية قد شكلت.. طيب .. نغم مرقص ومفرح ومطرب في فجر يفز عليه الحالمون وقد انتهى عهد وابتدأ عهد وتبدل نظام بنظام يفترض انه مشدود كل الشد بـ(الجمهور) عهد جمهوري .
    ويتابع: أرسلت برقية الى البيت تقول: إنني قادم غداً ، بل زايدت عليها وعلى نفسي وقلت : "سأذهب الى الإذاعة اولاً".
    خلال مدة المصابرة التي قضيتها بعد إعلان الجمهورية كانت تصل إلي أعداد من الصحف ناشرة على صفحاتها الأوَل صورة الرجل الأول غير ان تلك الصور لم تكن واضحة المعالم ولم أستطع تبيين شكل وملامح هذا الرجل "الزعيم".
    وبينما أنا مغادر علي الغربي متوجهاً الى بغداد واذا بي أرى على واجهة السيارة المعدة لنقلي صورة ضابط عسكري مكتوب تحتها الزعيم الركن عبد الكريم قاسم أمعنت النظر بكل دقة في هذه الصورة وكدت لا أصدق نفسي، وعلت الدهشة وجهي وانعكست في عيون الآخرين وحين تساءلوا قلت لهم : شيء عجيب هذا هو صديقي القديم انه الصديق الذي التقيته في لندن .
    طبيعي ان اكون قد فرحت حين علمت ان الزعيم صديق قديم غير ان هذا الفرح لم يدم طويلاً .
    المهم أنني وفي طريقي الى بغداد كنت أتمتم:
    جيش العراق ولم أزل بك مؤمناً
    وبأنك الأمل المرجى والمنى
    اللقاء الاول بالصديق القديم

    وصلت الى بغداد عصر 24 تموز وكانت الإذاعة قد سبقتني باعلان يقول ان الجواهري سينشد للثورة ولانني كنت متعباً فقد اتصلت بالإذاعة معتذراً وطالباً تأجيل اللقاء الى الغد فأخبرني المسؤول في الإذاعة وقتها "ان الزعيم كان بانتظارك".
    وبالفعل تلقيت هاتفاً من وزارة الدفاع يخبرني بأن سيارة عسكرية قادمة اليك من الزعيم فهو بانتظارك في وزراة الدفاع.
    وصلت السيارة واخذتني الى وزارة الدفاع ، وهناك وجدت في القاعة الأوسع والأفخم منها صاحبي القديم "الزعيم" ،الذي تلقاني بكل ترحاب وطوقني بذراعيه وأصعدني الى المنصة واجلسني بجانبه لأرى القاعة مملوءة بصور متلاحمة كأنها أشباح ناعسة او تماثيل محنطة ، بعد لحظة عرفت ان هذه الصور هي صور اعضاء مجلس الوزراء وانها مؤشر لما عرفته بعد ذلك ، بل ما عرفه كل الناس على وجه التقريب.
    وبينما انا وعبد الكريم على المنصة تقدم الينا رجل بلباسه العسكري ذي السروال القصير وبكل لهفة وترحيب قال لي وبالحرف الواحد: والله يا أستاذ جواهري لقد كنا ونحن نقطع مراحل مسيرتنا نتغنى بأشعارك ، ولم أكن بحاجة لذكاء كبير كي أعرف ان هذا الرجل هو : عبد السلام عارف.

    المرض العضال وخلفياته

    ويعود الجواهري لكشف سر خطير من اسرار الزعيم قاسم ،الذي يؤكد من خلاله ان لم يكشف من ولم يتطرق اليه احد ، حيث يؤكد اصابة قاسم بمرض عضال قبل اعدامه ، بل يؤكد ان بوادر مرضه تعود الى وجوده في لندن عندما التقيا اول مرة، ويقول في ذلك :
    وعودة الى حياة عبد الكريم قاسم الخاصة ومدى مفارقاتها، وانفعالاتها، فلربما اكون قد اتيت بالشيء الجديد الذي لا اتذكر ان احدا قد تطرق اليه، فضلاً عما ينبغي من ان يشدد عليه لما له من خطورة واهمية الا وهو المرض شبه العضال الذي شاءت الاقدار ان اكون اول المشاهدين عليه في لقاءاتي معه بلندن قبل اكثر من عشر سنين من (ثورته) حين كان يستعرض امامي فحوص الاطباء وكشوفاتهم ، كما كنت من الشهود النادرة على عقابيل مرضه هذا وذاك عندما قام وفد من الاطباء الكبار الذين استحضروا له من الاتحاد السوفيتي، طبعاً وبكل سرية وتحفظ بزيارة خاصة لي في بيتي بالاعظمية بحكم الصلة الوثيقة بيني وبينهم حتى انني استثمرت وجودهم لاجراء فحص دقيق على ما كانت تشكو منه زوجتي، كان هذا المرض نفسه حتى بعد ان شفي منه كما هو المفترض ، ظل ينعكس على طباعه المتقلبة الغامضة احياناً وهذا ما غفل عن ذكره الكثيرون.

    قراءة نفسية

    الطبيب النفساني حسين سرمك حسن، كانت له قراءة نفسية لسيرة الزعيم عبد الكريم قاسم خرج منها بتحليل نفساني يؤكد فيه ان الزعيم كان يعاني اضطرابا نفسيا في الشخصية.
    يقول : لا أحد من مناصري الزعيم أو من خصومه أنكر نزاهته العالية وتزهده في المغريات السلطوية على الإطلاق ، لكن يجب أن لا تغيّب سمة (النظافة) و(الطهارة) الحقائق الأخرى السلبية عن أذهاننا ، فهناك آلاف ، بل مئات الألوف من الأشخاص (النظيفين) في شتى القطاعات ، فهل يصلحون كلهم ليكونوا رؤساء جمهوريات ورؤساء وزارات مثلا ؟.
    وقد يكون منحى النظافة والزهد دفاعيا أو معبرا عن (طفولية) العقلية القيادية .
    كل القرائن التي تابعتها تشير بما لا يقبل اللبس إلى أن الزعيم عبد الكريم قاسم كان يعاني " اضطرابا في الشخصية وهو ما يجعله لا يصلح لتبوء دور الرئاسة وقيادة بلد معقد وصعب مثل العراق .
    بكل صراحة مؤلمة اقول كان الزعيم مريضا نفسيا !! ولعل أول من انتبه إلى هذه المحنة هو الدكتور الراحل علي الوردي الذي – وعلى عادة أسلوبه التقربي غير المباشر – لم يُفصح بصورة مباشرة – لأسباب معروفة – عن تقويمه، لكن من يقرأ السطور وما بينها وما خلفها وترابطاتها بما قبلها وما بعدها في كتابه " الأحلام بين العلم والعقيدة " وهو كتاب علمي يدرك انه يؤشر الى تجديد شخصية الزعيم التي يضعها في خانة اللاسوي او المريض نفسيا.
    ويلمح الوردي قائلا: ان هناك تداخلا طيفيا يجعل من الصعب ، بل من المستحيل أحيانا الفصل القاطع بين الطبيعي والمرضي في حالة التأمل الهادئ والتحليلي المتمعن ، فكيف الأمر حين يحاصر الفرد بحشود تهتف بصخب ، وبأحداث مهولة مملوءة بالعنف الكاسح والدماء الخانقة التي تشوش حتما صفاء نظرته إلى الأحداث والمتغيرات ، وكيفية الحكم عليها وتقويمها ؟ .
    وفي هذا يرى الوردي أن الكثير من الوجهاء – وفي العادة فإنه يقصد بالوجهاء هم الجلاوزة ، جلاوزة السلطة العصيين على كل حساب وفوق أية مراقبة ، يحملون في أعماق أنفسهم بذرة جنون قوية لكن وجاهتهم المزيفة تستر عليهم . أنهم قادرون على تغطية تناقضهم السافل بالفخفخة المصطنعة وشموخ الأنف ، وإذا تكلموا حاولوا أن يتخذوا لهم لهجة فخمة ذات رنين ، فيستمع إليهم الناس ويحسبون أنهم من أرباب الدهاء والنظر البعيد .
    ويشير الوردي إلى أنه عرف من أمثال هؤلاء الوجهاء عددا لا يستهان به ، فقد أتاح لهم الوضع الشاذ أن يتسنموا المناصب العالية أو المقامات الاجتماعية المحترمة ، واعتاد الناس مهابتهم والقيام لهم في كل مجلس . وكانت نتيجة ذلك أن أصبحت أزمة الأمور أحيانا في أيدي مجانين .
    ويحاول الوردي ان يقترب اكثر من توصيف الشخصية من خلال الفصل الاخير لكتابه ، الذي بوب له عنوانا "الجنون والمجتمع" متحدثا فيه عن حمى جنون القتل عبر التاريخ، ثم يتوقف قليلا عند عهد الزعيم قاسم فيقول:"ويكثر القتلة في الفترات الصاخبة التي تضعف فيها سلطة القانون ، فتراهم عندئذ يقودون الغوغاء يحرضونهم على الإعتداء والتعذيب والمثلة – هذا ما حصل فعليا في العراق بعد 1958- وهم حين يفعلون ذلك يشعرون بالسعادة ، كأن منظر الدماء وأنين الجرحى وعويل النساء تتجاوب مع ما في أعماق انفسهم من الرغبات المكبوتة".
    لكن السيكوباثيين من القتلة لا يصنفون في علم النفس والطب النفسي ضمن المجانين ، وقد أقحمهم الوردي في هذا الفصل لأمر في نفسه .
    يرتبط هذا الأمر حين يختار أنموذجا استدراجيا آخر يتعلق بـ " جنون الملوك " الذي يستهله بالقول أنه طالما حدث في التاريخ أن يرتقي العرش ، في أمة من الأمم ، ملك مجنون ، ولكن رعاياه المساكين لا يعرفون عن جنونه شيئا: ((وإذا خرج إلى الناس أحاط به الفرسان وتقدمت بين يديه المواكب وسار خلفه الوجهاء، وينظر الناس إليه فيظنون أن الحكمة قد تجسمت فيه ، وهم لا يدرون أنه في حياته يسلك سلوك الأطفال".
    ومن خلال هذه المراجعة سيبقي السؤال قائما وأكثر إلحاحا وهو كيف بدأنا بالأحلام ووصلنا إلى الجنون لنصل أخيرا إلى السياسة ؟
    أراهن على ذكاء ونباهة القارىء اللبيب.
    هناك الكثير من الدلائل التي تؤيد عدم استقرار شخصية قاسم وسرعة استثارته وفورانه وشكوكه بالأشخاص المحيطين به وعمله على تصفيتهم ، وإحساسه بالعظمة ( وفي بطانتها شعور لائب بالنقص يمكن ردّه إلى الفقر الماحق الذي عاشه في طفولته) وحبّه للاستعراضية والمديح ، و"السلوك الاندفاعي – impulsive " حيث يأتي التفكير المتأمل بعد الفعل في بعض الأحيان ، والعصبية ، وتقلب المزاج بين البهجة والاكتئاب ، والإنطوائية (وكانت سمة مميزة له في طفولته وفي أيام الدراسة بشهادة معلميه واساتذته ومنهم أستاذه "شيت نعمان" الذي قال إن قاسم وهو تلميذ كان يتميز بانعزاله وانطوائيته وفقره وثيابه المهلهلة .. كما أكد ذلك مدير مدرسته الثانوية طالب مشتاق حيث وصفه بقوله : قاسم تلميذ قديم من تلامذتي في المدرسة الثانوية المركزية سنة 1927، إنه تلميذ هادىء يبتعد عن مخالطة زملائه ويقضي فترة التنفس في زاوية منعزلة ، مظهره يعلن عن فقر الحال وفقدان المال ، مكتئب النفس عابس الوجه ، ضعيف البنية ، مشروم الشفة العليا من جهتها اليسرى ، وهذه العاهة على ما يبدو سببت له شعورا بالنقص جعلته منقبضا على نفسه ، يتجنب الاجتماع برفاقه وبالناس أجمع ... كما قال عنه شقيقه "حامد قاسم" : عبد الكريم طول عمره منعزل عنّا ، ألححنا عليه بالزواج فرفض .. وخلال عمله في قضاء الشامية مدرسا لسنة واحدة 1931-1932 ذكر السيد هديب الحاج حمود: عبد الكريم قاسم كان مدرسا ناجحا في مادة اللغة الإنكليزية ، وكان منعزلا عن زملائه وعن سكان القضاء ، فلم يقم أية علاقات صداقة مع أي شخص في القضاء بالرغم من أن زملاءه المعلمين كانوا يترددون على دواوين الضيافة، وفي نوبات البهجة تحصل حالة الضغط الكلامي والأحاديث المطولة المستفيضة التي تنتابها الشطحات والفكاهة والتشفي ، كما تحصل حالة من انتفاخ الذات والتعالي وكثرة النشاط والحركة .. أما في نوبات الاكتئاب فيحصل ميل للعزلة والحزن والتشاؤم وتتصاعد الشكوك وتتضخم حد تصور وجود مؤامرات تحاك ضده وقد تتطلب فعلا استباقيا .
    وحالة العزلة والانطواء استمرت في الكلية العسكرية ، وذكر محمود الدرة أن عبد الكريم قاسم كان يلقّب من زملائه حين كان تلميذا في الكلية العسكرية ، وحين كان ضابطا صغيرا في الجيش باسم "كريم أبو جنّيه " .. وقال عنه مرافقه وسكرتيره الشخصي جاسم العزاوي إنه كان حذرا ويشك حتى في نفسه ، وطالما نقل فنجان القهوة الذي يضعه الخادم أمامه من مكانه إلى أمام أحد الضيوف خوفا من أن يكون الخادم قد دسّ له السم .
    ويضيف قائلا :كانت ثقافته محدودة ولذلك كان يشطح أحيانا في خطاباته وتعليقاته وكان يسد هذا النقص من ذكائه وتحمله المشاق ، وهو شخص كتوم وحذر جدا لا يختلط بأحد قبل الثورة ، وكان زاهدا في المال فلم يستغل منصبه لاقتناء الأموال والعقارات وإنما جاء بملابسه العسكرية ومات بها .
    وأنا أرى أن حتى التمسك بالملابس العسكرية قد يشكل مظهرا مرضيا ، إذ لا تصلح الملابس العسكرية لكل المناسبات ، ورؤساء الحكومات في العالم أجمع إذا كانوا عسكريين فإنهم يلبسون ملابس مدنية في بعض المناسبات .. ومن الأمور التي تؤكد هذا التوجّه العصابي التعويضي هو أن قاسم ظل يصر على وصفه بالزعيم إعلاميا برغم حصوله على رتبة لواء ليكون " زعيما " عسكريا ومدنيا في وقت واحد .
    ولو كانت هذه السمات موجودة في شخص عادي من عامة الناس فإن المعاناة منه ستنحصر في الشخص ذاته وفي دائرة ضيقة جدا من أقرب الناس إليه ( الوالدان .. الإخوة .. الزوجة والأبناء ) .. لكن أن يُصاب بها شخص يقود دولة وشعب فهذه كارثة حقيقية ، وهذا ما حصل في العراق بسبب مرض الزعيم.


    من اجمل ما قرأت اليوم .. دالين

  2. #2
    من المشرفين القدامى
    ابو مصطفى
    تاريخ التسجيل: August-2011
    الدولة: مانيسا - تركيا
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 4,657 المواضيع: 457
    صوتيات: 1 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 1481
    مزاجي: احمد الله على كل حال
    آخر نشاط: 20/March/2023
    الاتصال: إرسال رسالة عبر Yahoo إلى مواطن عراقي
    مقالات المدونة: 2
    ذكريات لشخصيات تركت بصمات واضحه في تاريخ العراق الحديث
    والله علواه على ايامهم .... شكرا دالين

  3. #3
    صديق مؤسس
    صاحبة الامتياز
    العفو ابو عبدالله شكرا للمتابعة الدائمة

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال