1-خصائص المجتمع المسلم في القرآن:
أ- الوسطيّة:
قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة/ 143).
- أُمّة الإسلام أمّة الاعتدال والتوازن، والمجتمع الإسلامي مجتمع الوسطية، وقد أهَلت هذه السمة المجتمع المسلم أن يكون (حجّة) و(معياراً): حجّة على الأُمم المتطرِّفة، ومعياراً يُرجع إليه في معرفة ما هو الإعتدال وما هو التطرّف.
والشهادة في الآية شهادتان: شهادة الأُمّة المتوازنة في توسّطها على سائر الأُمم، وشهادة النبي (ص) على أُمّته في ضبط حركة سيرها لئلّا تشذّ أو تشطّ عن التوسّط في مركزيّتها.
وبذلك يمكن ضمان وسطيّة المجتمع الإسلاميّ ذاتياً وموضوعيّاً، كما يمكن محاكمة الأُمم المغالية في تطرّفها بالنموذج الإسلامي الذي ينبذ التطرّف بكلّ أشكاله، ويعتمد الوسطيّة في شتّى مناحي الحياة.
قال سبحانه: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج/ 78).
ب- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران/ 110).
- الأُمّة المسلمة خير الأُمم، لأنّها أنفع الناس للناس، فالإخراج بما ينطوي على إرادة ربّانيّة كان لأجل الإنسانيّة ورفداً لمصلحتها،
ووجه الخيريّة في أُمّة الإسلام هو الإيمان العمليّ ممثلاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في حين كانت الأُمم السابقة لا تتناهى عن منكر فعلته، ولا تتداعى لمعروف تأخذ به.
ت- الإستقامة:
قال تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) (هود/ 112-113).
- الإستقامة هنا ليست منفصلة عن خطِّ الوسطيّة لجهة ثباتها على الاعتدال والتوازن بقرينة قوله سبحانه: (وَلا تَطْغَوْا) و(وَلا تَرْكَنُوا).
كما أنّها ليست منفكّة عن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر في عرضهما من المحافظة على إستقامة الحياة في الدعوة إلى ما يُنمِّيها ويُطوِّرها من الأمر بالمعروف، وما يُنقِّيها ويُخلِّصها من التلوّث والشوائب والمفاسد في النهي عن المنكر.
ولا تكون استقامة لمجتمع ما إلا باستقامة قيادته، ولذلك جاء النِّداء بالإستقامة موجّهاً للإثنين معاً: القيادة والقاعدة، بأن لا يتجاوزا حدود الله بإجحافٍ أو تجنٍّ أو طغيانٍ أو تطرُّفٍ أو ميلٍ للإنحراف نحو الظّلم.
ث- الوفاء بالعهود والعقود والمواثيق:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنْعَامِ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة/ 1-3).
- ميزة المجتمع المسلم أنّه يفي بكلِّ عقد وعهد بينه وبين ربّه، وبينه وبين سائر الناس والأُمم، أي أنّه إذا وعدَ وفى، وإذا آمنَ بصدقٍ أخذَ بما فُرضَ عليه في الكتاب من تكاليف وأحكام ومسؤوليّات،
وعرف حدّه ووقف عنده، فلا يستحلّ حرمات الله ولا يتعدّى حدوده، أي شرائعه التي حدّها ورسمها لعباده، ولا يستحلّ قتال القاصدين إلى بيت الله، ولا يحمله بغض قوم كانوا قد صدّوهم عن المسجد الحرام أن يُقابلوا ذلك بالإعتداء عليهم، وهو مجتمع التعاون على البرِّ والتقوى والخيرات والإصلاح والإحسان، ونبذ المفاسد والشرور والمنكرات.
سمة المجتمع الإسلامي أنّه مجتمع رباني يستمدّ حقيقة وجوده، وزخم حركته، ونبل مقاصده من هدفه الأعلى وهو الله تبارك وتعالى.
ج- الهجرة والجهاد:
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة/ 218).
- إنّ من بين سمات المجتمع الإسلامي أنّه إذا ضاقت عليه الأرض في مساحة أو بقعة أو قطر، هاجر إلى مساحة أوسع ومجال أرحب، يُمارس فيهما دينه وطقوسه ودعوته إلى الله،
وينطلق منهما لجهاد أعدائه الذين نفوه من دياره أو كانوا سبباً في إقصائه وتشريده، ولذلك فالترابط بين (الهجرة) وبين (الجهاد) وثيق، فليست دار الهجرة دار سياحة واستراحة وسكون واستجمام، بل هي محطّة للتزوّد بالوقود ريثما تحين فرصة مقارعة العدوّ وكسر شوكته وإعلاء كلمة الله في الأرض.
ولذلك كانت لهجة المسلمين مختلفة تماماً في خطابهم لنبيِّهم (ص)، ففي حين قال بنو إسرائيل لموسى (ع): إذهبْ أنتَ وربّكَ فقاتِلا إنّا هاهنا قاعدون، قال المسلمون للرسول (ص): إذهبْ أنتَ وربّك فقاتِلا إنّا معكم مُقاتلون.
المصدر