قلعة تلعفر التاريخية.. معلَم شامخ في حضارة وادي الرافدين
تشتهر تلعـفر بقلعتها الأثرية التي بنيت في العهد الآشوري حيث كانت تلعـفر مركز عبادة الإله (عشتار) وكانت بساتين المدينة وقفاً لمعبد هذه الآلهة.. وجدد الرومان بناية هذه القلعة وحكموا أسوارها.. كما جدد الخليفة مروان بن محمد الثاني آخر خلفاء الأمويين والذي كان والياً على منطقة الجزيرة بناء القلعة وسميت بـ(قلعة مروان) حتى ظنَّ البعض أن القلعة بنيت في العصر الأموي، وكان مروان قد تولى الولاية على هذه المنطقة سنة 102هـ / 720م.. ويذكر الباحثون أن آثار السور الآشوري المبني من اللِبن الآشوري ماثلة للعيان أسفل أحد الأبراج القريبة من مبنى مديرية الشرطة المحلية الحالي.. وفي هذه القلعة حاصر السلطان بدر الدين لؤلؤ الأمير أبن المشطوب وهو آخر من جدد بناء القلعة، وقد رمزت الكتابة التي كانت موجودة أعلى باب القلعة إلى اسمه (الملك الرحيم) وكان ذلك عام 616م وكان بدر الدين قد لقب نفسه بالملك الرحيم.. تعرضت قلعة تلعفر للهدم مرتين:- الأولى: سنة 1257هـ / 1841م على يد والي بغداد إثر ثورة قام بها أهالي المدينة ضده.. وكان محمد باشا اينجه بيرقدار قد احتل القلعة في هذه السنة وأمر بهدمها وجعلها قاعاً صفصفاً، وفعلاً تمَّ هدم جميع الأسوار والقِلاع التي تحيط بالقلعة ولكن مع ذلك لم يحدث ضرراً بالغاً بالقلعة لحصانتها ومتانتها..- الثانية: سنة 1339هـ / 1920م حيث هدمت أسوارها ونقض بابها الرئيسي على يد المحتلين الإنكليز.. وكان هدف المحتلين من رفع باب القلعة الرئيسي هو تمهيد الطريق لصعود سياراتهم على القلعة ووضعوا هذا الباب الأثري على الوادي الذي يجري فيه ماء العين لاستعماله كجسر صغير تعبر منه المارة وقد شوهدت الأخشاب الباقية من هذا الباب والناس يعبرون عليها حتى عام 1955م.. وفي عام 1981م وبحجة تجديد بناء جزء من القلعة وإنشاء مدرسة تراثية فيها لتكون بمثابة متحف يضم آثار المدينة أمرت السلطات الحاكمة بتحويل جميع الآثار الموجودة في القلعة إلى جهة مجهولة لم يُفصح عنها.. في حين لم يتم تجديد إلا جزء بسيط من القلعة وبكلفة لا تتجاوز 300 ألف دينار. تقع القلعة في منتصف المدينة على عين ماء تلعـفر التي تتصل بالقلعة عن طريق الباب السري بنفق يصل بينهما وكان قد أهمل أمر هذا النفق فتراكمت فيه الأوساخ والأنقاض التي سقطت على جوانبه إلى أن اعتنت بها السلطات الإنكليزية عام 1920م بعد احتلالهم للمدينة فنطحت النفق وبنيت غرفة قرب منبع العين ووضعت فيها مضخة تدفع الماء إلى القلعة.. وما تزال آثار هذه الغرفة موجودة.. تبلغ مساحة القلعة (28000) ألف متر محاطة بأسوار رئيسية وثانوية، الرئيسي منها عرضه 3.30 متر وارتفاعه زهاء 6 أمتار.. وهذه الأسوار مشيدة من جص خالص وأحجار بصورة متقنة كل الإتقان، وفي أركان السور الرئيسي ترتفع أربعة أبراج تسمى (أبراج الزوايا) وبين هذه الأبراج الكبيرة أبراج ثانوية. وتضم هذه الأبراج قلاع كبيرة تسع كل واحدة منها 300 محارب على أقل تقدير وكل واحدة منها ثلاثة طوابق وفيها جيوب وثقوب لرؤية العدو والسيطرة عليه. وفي هذه القلعة التي ترتفع عن سطح الأرض 25 متراً فتحات ومزاغل للرمي وثقوب لصب المياه الحارة والنفط وشرفات، وبين كل شرفة وأخرى فراغ قياسه 40,25 سم ويستخدم للرمي. وللقلعة أبواب أربعة هي: باب الماء (الباب السري ـ الشرقي) وباب سنجار (الباب الرئيسي ـ الجنوبي) وباب نصيبين (الباب الغربي)وباب الموصل (الباب الشمالي. وقد قال أحد الباحثين عن هذه القلعة: لعل القارئ يستغرب من الإمعان في التحدث عن هذه القلعة ولكنه لو تيسرت له زيارة تلعـفر وشاهد الموقع بأم عينيه لزال استغرابه.وأهالي تلعفر يجمعون على أن مجد الأجداد قد انصهر جميعه في القلعة، هذا النصب التاريخي الذي روته الدماء والقصائد وأغنيات الفرسان، كان الميزة الوجدانية الوحيدة التي تذكر الأجيال الجديدة بقيمة أن يكون الوطن وثيقة ودماء وإنهم اليوم ينحنون أمام هذه الوثيقة.. هذه القلعة تنقل إلى الأجيال بالتوارث أو بسليقة الأقدار دروساً لا يمكن أن تنسى، دروساً تعلم العز وتعلم منطق القوة والحكمة، تعلمهم جميعاً أن القلعة لم تصب في هيكل من الجص الأبيض أو تزخرف بالحلان أو المرمر السنجابي من أجل أن تكون برج مراقبة لطرد لصوص الأسوار الآشورية وإنما القلعة موطن أنساب وحرمات ولهذه الأنساب والحرمات تواريخ مشتركة في أنهر بابل وأودية آشور
منقول