هذه نبذة مختصرة مما وجدته في طيات الكتب عن تأريخ أجدادنا العظام في دحر الاحتلال الأجنبي ومنها ثورة تلعفر 1920 ضد الانكليز والتي شارك فيها رجال وطنيون وضباط كبار من الموصل ودير الزور ومعظم أهالي تلعفر وأطراف تلعفر من العشائر والقبائل العربية الأصيلة وأنشرها للتأريخ ولكي يعلم الأجيال القادمة مآثر أجدادهم العظام ويقتدوا بهم في تخليص بلدانهم من الاحتلال وتسلط الأعداء الطامعين في ثرواتنا وبلادنا وقد ذكرت تلعفر لأنها أنطلقت منها الشرارة الأولى التي لقنت البريطانيين درسا لم ولن ينسوه ثم أنتشر في عموم العراق ، حتى أنهم في سقوط النظام لم يتجرأ بريطاني واحد على النزوح لشمال العراق فرضوا بأن يتمركزوا في البصرة والناصرية فقط لأنهم ذاقوا الأمرين في ثورة العشرين من المنطقة الشمالية واليكم القصة بأختصار .
معركة تلعفر
في نهايات شهر أيار 1920 انطلقت الحملة العسكرية باتجاه تل عفر مستخدمة طريق الجزيرة،وفي نفس الوقت بدأ فرع العهد في الموصل وتل عفر يعدُّ خطة لانتفاضة جماهيرية في تلعفر تساند القوات القادمة من دير الزور، وبمشاركة رؤساء العشائر مع أنصارهم،وأعضاء حزب العهد في السلك المدني والعسكري في أجهزة السلطة بتل عفر. واستفاد العهد من وجود عضوين له في قوة الدرك التابعة للإنكليز هما: جميل محمد، ومحمد علي من ضباط الشرطة.
وفي الثاني من حزيران، دعا حزب العهد إلى اجتماع في تل عفر، حضره إضافة إلى أعضاء الحزب عدد من الآغوات. وزعماء العشائر، فأخبروهم بوصول قوات عربية تابعة للحكومة العربيةعلى مشارف بلدة تل عفر، وقد تجمعت على الطريق قريباً من قرية "عوينات"، وأن يكونواعلى استعداد لاستقبالها ومناصرتها. وفي نفس الوقت قام جميل محمد معاون ضابط الشرطة في تلعفر بقطع أسلاك البرق. فانقطعت الاتصالات البرقية ما بين تلعفر وبقية المدنالعراقية.
وفي الرابع من حزيران 1920 دخلت قوات من عشائر المنطقة تل عفر، ثم دخلتها القوات العربية معلنة الثورة ضد الإنكليز وقواتهم المتواجدة في البلدة. وبدأ القتال مابين العشائر والقوات القادمة من دير الزور وبين القوات الإنكليزية، وانقلب الشرطة في تلعفر ضد الإنكليز، فقتل أحدهم اللفتانت /ستيوارت/ قائد الدرك. فاستسلم بقية الدرك، في حين اعتصم مرشد الدرك والكاتب ورامي المدفع وهم من الإنكليز على سطح دار الشرطة،وأخذوا يطلقون النار على المقاومين، فردت عليهم المقاومة، واستطاعت أن تقضي عليهم. وبذلك تمت سيطرة القوات المقاومة على بلدة تل عفر.
وفي اليوم التالي /5/ حزيران/ 1920/ تقدمت قوات إنكليزية على شكل رتل من السيارات المصفحة نحو تل عفر لاستعادتها، إلا أنها وقعت في كمين نصبته القوات المقاومة،فأبادت الرتل الإنكليزي بما فيه من جنود، وغنمت القوات المقاومة عدة سيارات مصفحةوأسلحة وأعتدة وتموين .
معركة تل عفر من خلال رواية إنكليزية
كتبت المس غيرترود بل حول أحداث تحرير تل عفر ".. في شهر مارس، بدأت غارات صغيرة تُشن على سكة الحديد وطريق بغداد -الموصل. وفي /21/ نيسان/ 1920/، وصلت إلى الموصل عن طريق دير الزور أول قافلة من حلب. فدشن وصولها هذا حلول فترة مليئة بالشغب والفتن في الموصل نفسها، حيث عقدت الاجتماعات الوطنية، وعلقت على الجدران في الليل إعلانات المناوئة للبريطانيين، حاملة ختم جمعية العهد العراقية. كما ازدادت الغارات على خطوط مواصلاتنا، وبلغت ذروتها في /4 مايس/ أيار/ بحرق القطار، فيمايقرب من عين دبس، فكانت جميع المعلومات تدل على قرب وقوع هجوم على الموصل. ثم وصلت الأخبار منبئة بوقوع تحشدات على /الفدعمي/ وعلى الخابور، بقيادة جميل بك المدفعي أحد الضباط الموصليين في الجيش السوري العربي.
وفي 2حزيران كتب معاون الحاكم السياسي بأن اجتماعاً وطنياً قد عقد في تل عفر. المدبنة المنعزلة غرب الموصل، التي يسكنها خليط من الأكراد والتركمان والعرب. وبعد يومين دخلتها خيالة القبائل المحيطة بها . فكان ذلك إشارة تدل على وقوع الثورة. حيث الخطة لها كانت قد وضعت بعناية، فكانت نية جميل بك أن جميع الضباط البريطانيين والموظفين،يجب أن يقضي عليهم الدرك قبل وصوله.
فقتل ضابط الدرك الكابتن /ستيوارت/ من قبل الضباط التابعين إليه، ثم حصر البريطانيون الثلاثة الباقون وهم مدرب وكاتب وجندي رشاش في سطح الدار التي كانوا فيها حتى وصلت عصابة جميل. وعندئذ قتلوا بقنبلة هناك. كما قبض على الكابتن /بارلو/ معاون الحاكم السياسي الذي كان يتجول في المنطقة وجيء به إلى تل عفر، وعندما قارب البلدة أبصرسيارتين قادمتين من الموصل، فحاول الفرار غير أنه أطلق عليه الرصاص. فقتل. ثم اختبأقسم من قوة جميل في كمين للسيارتين، فانقضت عليهما القوة، وقتل من كان فيهما، من دون أن يسلم أحد منهم.
فكان سقوط تل عفر إشارة إلى القبائل العراقية بالثورة.. وقبل أن يسمح الوقت لجميل بالاستعداد للزحف إلى الموصل. فوجئ برتل بريطاني. ففر مع ضباطه إلى دير الزور، ثم تفرقت القبائل من غير مقاومة تذكر. فاحتلت تل عفر مفرزة من الجنود. وأعيدت الإدارةالمدنية إليها .
ومن وثائق احتلال تل عفر والمشاركين في إحداثها من العشائر والضباط، يذكر المؤرخ فريق المزهر آل فرعون ".. إن قوة من المجاهدين توجهت نحو الموصل بقيادة جميل المدفعي. انضم إليها أكثر عشائر تلعفر والجبور برئاسة مسلط باشا،وعشائر الكركرية والجحيش والبوحمد. وغيرهم. وكان يقود المشاة من المجاهدين القادة: محمود بك السنوسي، ومحمود أديب، وكانت الرشاشات بقيادة إسماعيل صفوت باشا. والعقيدمحمد علي سعيد. وكثير غيرهم من الضباط توجهوا نحو تل عفر والموصل
الانسحاب من تل عفر
رغم النصر الذي تحقق في تل عفر على القوات البريطانية فيها. وقتل عدد من الضباط وصف الضباط الإنكليز والسيطرة التي فرضتها القوات الثائرة والعشائرية.
إلاأنها لم تستمر إلا يومين فقط، لقد أدرك الإنكليز أن القوات العربية إن استطاعت أن تعزز وجودها في تل عفر، ستنطلق حتماً نحو الموصل، وستكون المعركة كبيرة. وأنصارالعهد فيها قوة يحسب لها حساب. وقد يتمكنون من طرد الإنكليز منها، فيكون الأمر صعباً للوجود البريطاني في العراق برمته. لهذا قررت حسم المعركة بسرعة واستعادة تلعفر، فانطلقت القوات البريطانية نحو تل عفر. قدّر جميل المدفعي وضباطه أن المعركة ستكون حتماً لصالح القوات الإنكليزية. كما أن القوات العربية التي كانت تتوقع وصولإمدادات عسكرية لها من دير الزور، وخاصة أن الذخيرة قد نفذت تقريباً، إلا أن الإمدادات لم تصل من دير الزور فقرروا الانسحاب من تل عفر والعودة إلى دير الزور،وهكذا انتهى تحرير تل عفر، وانتهت خطة تحرير الموصل، وعادت القوات في 6 حزيران 1920.
إلاأن نتائج معركة تل عفر لم تذهب سدى. فكانت أصداؤها تملأ العراق بكامله. وأثبتت قدرة المقاومين على تحقيق هزيمة القوات الإنكليزية. وأن الضباط الإنكليز يمكن أن يقتلوا كماهم يقتلون العرب. وكانت إحدى مقدمات انفجار ثورة العراق الكبرى التي انطلقت في الفرات الأوسط في 30 حزيران 1920 وقد قصفت مدينة تلعفر من قبل الطائرات الانكليزية ودمرت العشرات من المنازل وشرد أهلها بالكامل وقتل العديد من المدنيين أثناء الهجرة وبقوا لأشهر عديدة مشردين في القرى المحيطة وأعتقل الكثير من أبناء المدينة بعد رجوعهم للمدينة ونهبت ممتلكاتهم ، والى الآن في كتب الانكليز تعتبر المدينة من المناطق الخطرة والمعادية للانكليز حسب مذكرات الضباط الانكليز ومؤرخوهم...