حينما أمرت الحكومة البحرينية بهدم مسجد تاريخي للشيعة في 17 أبريل / نيسان عام 2011 ، أصيب غالبية سكان المملكة من الشيعة بصدمة كبرى.
بُني مسجد الشيخ أمير محمد بربغي قبل أكثر من 400 عام في موقع بارز على طريق الشيخ سلمان السريعة التي تؤدي إلى الجسر الذي يربط بين البحرين والسعودية.
وكان مسجد الأمير بربغي واحدا من بين نحو 30 مكانا مقدسا للشيعة هدمتها الحكومة على مدار شهرين، وهي مواقع شهدت أقوى مظاهرات معارضة للنظام الحاكم في البحرين قبل ثلاث سنوات.
وأسفرت تلك المظاهرات وتداعياتها عن مقتل عشرات الأشخاص وإصابة المئات واعتقال الآلاف فضلا عن آلاف آخرين فصلوا من وظائفهم معظمهم من الشيعة.
"انتهاك القوانين"
في مارس/آذار2011 عبرت قوات من المملكة العربية السعودية ودول أخرى من مجلس التعاون الخليجي طريق الشيخ سلمان السريعة، ومرت على مسجد الأمير بربغي في طريقها لدعم أسرة آل خليفة السنية الحاكمة في البحرين لاستعادة النظام في البلاد.
يريد الشيعة إعادة بناء المسجد في نفس موقعه
هنا بدأ هدم مساجد الشيعة في أعقاب التدخل الخليجي.
وكان الملك حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة وضع حدا لعمليات الهدم في مايو / آيار 2011 بعد أيام من انتقاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما علنا السلطات البحرينية لاستخدامها "القوة المفرطة" لقمع "المطالبات المشروعة بالإصلاح"، وتحذيره بأن "مساجد الشيعة في البحرين لا يجب أن تهدم".
وبررت الحكومة البحرينية عمليات هدم المساجد (الشيعية) بأنها تنتهك القوانين التي تنظم المناطق والبناء واستخدام الأراضي.
كما تقول الحكومة إنه يتم استخدام تلك المساجد كمخازن للأسلحة، وهو اتهام لا يوجد دليل عليه.
ونتيجة لهذه الأحداث، كلَف عاهل البحرين لجنة خبراء مستقلة للتحقيق في مزاعم انتهاكات حقوق الانسان، وكان من بين مهام اللجنة التحقيق في هدم المساجد.
وقال تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق: "كان يجب إبلاغ الحكومة ببناء هذه المباني التي تفتقد للتراخيص القانونية السليمة وتخالف تنظيمات البناء".
وأضاف التقرير أنه على الرغم من هذا "فإن الحكومة لم توقف بناء هذه المباني أو تأخذ أي إجراء لإزالتها طيلة سنوات".
يلقي الشيعة بالمسؤولية عن هدم المساجد على وزير العدل والشؤون الإسلامية
وأشار التقرير إلى أن الحكومة :"كان يجب أن تدرك أنه في ظل الظروف المحيطة، وخاصة التوقيت والطريقة التي تم بها تنفيذ الهدم وحقيقة أن هذه المساجد شيعية بشكل أساسي، أن عمليات الهدم سيتم فهمها على أنها عقاب جماعي".
وانتقد التقرير طريقة هدم المساجد موضحا أن " قوات الأمن العام وقوات مكافحة الشغب البحرينية منعت المواطنين من نقل المصاحف والمتعلقات الدينية الأخرى من أماكن العبادة".
وتعهدت الحكومة البحرينية، في خطوة تعد استجابة للتقرير، بإعادة بناء المواقع الدينية، وأشار تقرير حصلت بي بي سي على نسخة منه أنه تم إعادة بناء 10 من إجمالي 30 مسجدا، بينما لا يزال 17 آخرون تحت الإنشاء.
وأضاف التقرير: "تجري حاليا إجراءات تقنين وضع المساجد الثلاثة الأخرى ومواقعها، لتتماشى مع قوانين تخطيط واستخدام الأراضي".
احتجاج صامت
وقال الشيخ ميثم السلمان، المتحدث باسم مركز البحرين للأديان ومعارض بارز للحكومة، لبي بي سي إن عمليات الهدم لم تكن "جريمة فحسب ولكنها بمثابة إبادة ثقافية".
وأضاف: "لقد كانت عقوبة جماعية، ووسيلة للحكومة لإظهار أنها مستعدة لفعل أي شيء لوقف المطالبات بتحول ديمقراطي في البحرين".
وقال إنه يعتقد أن وزير العدل والشؤون الإسلامية في البحرين الشيخ خالد بن علي آل خليفة يتحمل "مسؤولية ضخمة" إزاء هدم المساجد.
لا يزال الشيعة يمارسون صلواتهم في نفس مكان المسجد المهدم
وعلق قائلا "نحن نعتقد أنه أصدر أمر الهدم، فهو الوزير المسؤول عن الشؤون الإسلامية ولا يمكن أن يحدث ذلك بدون تدخله."
ولم ترد السلطات على طلب بي بي سي الحصول على تعليق من الوزير.
ومن المنتظر أن يعاد بناء مسجد بربغي. لكن المصلين في الوقت الحالي يؤدون صلواتهم في نفس البقعة التي كان المسجد مبنيا عليها، ويعتبر وجودهم احتجاجا صامتا ويذكّر كل من يمر على طريق الشيخ سلمان بما حدث هنا منذ ثلاث سنوات.
وبينما يصر الشيعة أن يعاد بناء المسجد في موقعه الأصلي تريد الحكومة نقله بعيدا عن الطريق.
ويفسر معارضون أن وجود مسجد شيعي في موقع هام على طريق يرتاده باستمرار أفراد العائلة الحاكمة وزوار البحرين من السعوديين يعتبر مصدرا لإزعاج السلطات.
وترد الحكومة بأن المساجد كانت تسبب عائقا لحركة المرور، إذ كانت تمتد إلى حارة الأمان على الطريق.
لكن الشيعة يرون أن هدم مسجد بربغي رمز لمعاملة الحكومة السيئة لطائفتهم.
ويقول الشيخ سلمان "ثمة ألم في قلوب الآلاف من الشيعة، وشعور بأنهم يستحقون اعتذارا من النظام عن هذه الجريمة".
ولكن من غير المتوقع أن تلتئم جراح المجتمع البحريني قريبا في ظل استمرار الخلاف وتعطل حوار وطني كان يهدف للمصالحة.