علوان حسون علوان العبوسي
تعتبر حرب 6 تشرين 1973 (العاشر من رمضان) من اهم المساهمات التي ساهم بها الجيش العراقي عبر سفره الخالد في تاريخه الحديث .... هذه المشاركة التي تمت دون إشعار أو تخطيط أو تنسيق مسبق لذلك تعتبر ضرب في البطولة والشعور الوطني والقومي تجاه قضايا ألامه العربية وعدوها التقليدي ( الكيان الصهيوني ) ....
كنا ضباط أصاغر برتب نقيب ورائد طيار نتساءل لماذا أرسلت أسراب طائرات الهنتر السادس والتاسع والعشرون إلى مصرفي نيسان 1973 وكان الجواب لأغراض التعاون مع القوات الجوية المصرية وكنا نفرح لذلك ونتوسط من اجل شمول أسراب قوتنا الجوية الأخرى ...وبعد مضي الوقت وصادف عودة بعض الطيارين من مصر إلى العراق للتمتع باجازة قصيرة كنا نلتقي بهم ونسألهم نفس السؤال ؟ يكون جوابهم لأغراض التعاون مابين القوتين الجويتين.
أخيرا أتضح لنا السبب جليا بعد سماعنا من الراديو مساء يوم 6تشرين (اكتوبر1973 خبر هجوم 200 طائرة مصرية ومعها 24 طائرة هنتر عراقية في الساعة 1400 لمواقع العدو الإسرائيلي في شرق القناة والمتمثلة ( بالمطارات في سيناء تماده وراس نصراني والمليز ... ومواقع القيادة والسيطرة وبطريات الصواريخ ارض جو ثم توغل القوات البرية شرق القناة بعمق 5 كلم).... وقد تزامن مع هذا الهجوم هجوم 200 طائرة سورية ضد الأهداف الاسرائيلية في الجولان لاستعادة الأراضي التي احتلها العدو عام 1967.
إجراءات القيادة السياسية العراقية
في مساء نفس اليوم اجتمعت القيادة السياسية والعسكرية العراقية برئاسة رئيس الجمهورية احمد حسن البكر وبعد التشاور مع القيادة السورية أصدرت قرار المشاركة في الحرب وأوعزت للسربين التاسع والحادي عشر (ميج 21 ) التوجه فورا إلى سوريا كما أوعزت إلى الأسراب الهجوم الأرضي الأول والخامس والثامن سوخوي 7 والسرب السابع ميج 17 التوجه تباعا إلى سورياكما أوعزت إلى الفرقة المدرعة الثالثة بقيادة العميد الركن محمد فتحي امين (ألويتها ل مدرع 12 بقياده العقيد الركن سليم شاكر الامام ول مشاة ألي 8 بقيادة العقيد الركن محمود وهيب ول مدرع 6 بقيادة المقدم الركن غازي محمود العمر ) والفرقة المدرعة السادسة (ألويتها ل مدرع 30 ول مدرع 16 ول مشاة 15 ) واللواء الآلي من فرقه المشاة الآلي 20 بقياده العقيد الركن سلمان باقر واللواء المشاة5 من الفرقة المشاة الرابعة بقيادة المقدم الركن عبد الجواد ذنون.
إعادة العلاقات وإبرام معاهدة عدم اعتداء مع إيران ليتسنى سحب القطعات المتواجدة على الحدود الايرانية …. أضافه إلى تاميم حصة هولندا النفطية وتقليل حصص دول العدوان وكذلك فعلت الدول العربية النفطية الأخرى .
كنت على التو قد أنهيت دورة في القتال الجوي على الطائرات المقاتلة ومتمتع في أجازه نهاية الدورة وصادف أن أكون مع عائلتي في احد أسواق بغداد عندما سمعت خبر الهجوم بالراديو .. قلت لعائلتي اعتبر أن إجازتي انتهت…. في صباح يوم 7 أكتوبر التحقت في قيادة القوة الجوية طالبا تتسيبي لأحد الأسراب المقاتلةوتم تتسيبي إلى السرب الخامس سوخوي 7 في قاعدة كركوك الجوية آمره الرائد الطيار سالم سلطان البصو يعاونه الرائد الطيار حازم حسن قاسم وكنت أنا آمرا للرف الأول في السرب المذكور… التحقت في السرب مساء بعد ان اقلني اخي الرائد الطيار موفق سعيد عبد بسيارته الخاصه ( شوفرليت موديل 1959 ) كما التحق معنا النقيب الطيار يوسف محمد يوسف وهما كانا في دورة آمري الاسراب الحتميه المفتوحه بجناح الدورات الجويه وقد وجدت السرب قد هيىء مستلزمات التنقل صباح يوم 8 أكتوبر.
صباح يوم 8/10/1973 اوجزنا الرائد الطيار هشام عطا عجاج بمهمة القوات الجويه العراقيه في سوريا موضحاً خط رحلة اسراب الهجوم الارضي المنطلقه من قاعدتي كركوك وابي عبيده واوضح لنا من ان اسراب المتصديات قد تم ارسالها منذ صباح يوم 7 منه ، وقد اوصانا بالصمت الاسلكي كجانب امني مهم لسلامة تشكيلاتنا ، بدأنا بالتنقل إلى سوريا من قاعدة كركوك الجويه في الساعه 1000 من نفس اليوم و على شكل مجموعات رباعية بفاصل خمسة دقائق بينهما ،كان معي بالتشكيل كلا من الملازم الاول فيصل حبو شعيب والملازم الاول حسن عبيد والملازم الاول محمد السعدون ، تسلق التشكيل الى ارتفاع 6000 متر باتجاه قاعدة الوليد الجويه ، بعد مدينه حديثه بدءنا بالانحدار التدريجي تحسباً للكشف الاسرائيلي الممتد عبر الاراضي العراقيه لحين وصولنا مدينة الرطبه بارتفاع 100 متر،تم هبوطنا بقاعدة الوليد الجويه التي كانت مزدحمه باسراب السوخوي والميج 21 وبعد تناول وجبه خفيفه اقلعنا مره اخرى باتجاه سوريا على ارتفاع منخفض جداً 30 -50 مترحيث تقرر هبوط السرب الخامس في قاعدة (بلي) الجويه، قبل وصول القاعده اتصل بنا احد الضباط الجويين العراقيين واعتقد كان مقدم نجدت النقيب محاولا اعطاء بعض الدلالات لهذه القاعده وفعلا كانت مفيده لنا ، في اقل من 5 دقائق بعد وصولنا القاعده هبطت طائراتنا فيها بسلام وادخلت الطائرات فوراً داخل الملاجىء المحصنه ، اما السرب الأول فهبط في مطار ( دمشق الدولي ) والسرب الثامن في مطار الضمير وسبق أن هبط السربان التاسع والحادي عشر (ميج 21 ) في مطاري سيكال والناصرية أما السرب السابع فهبط في مطار الضمير ، في المساء التقى بنا آمر القاعده واوجزنا بالمنطقه وسياقات العمل المتعارف عليها ، في قاعدة بلي التقينا بالرائد الطيار العراقي سمير زينل حيث كان منسب آمراً لاحد اسراب الميج 17 السوريه وقد سبق له ان شارك بالعديد من الطلعات منذ اليوم الاول للمعركه ،كما التقينا بعدد من الطيارين ممن كانوا معنا في روسيا عام 1967 منهم عبد الرحمن وكمال وغيرهم لااذكر اسمائهم الان ، المهم جرى توزيع الخرائط علينا وتسليمنا للكلمات الشفريه التي اعتاد السوريين العمل بموجبها في الجو وجرى دراسة المنطقه جيداً وفق هذا الوقت القصر على خرائط مجسمه تظهر طبيعتها الجغرافيه ، بعد تناول وجبه عشاء خفيفه ولشدة تعبنا هذا اليوم خصصت لنا اسرة للمنام في داخل مقر السرب التعبوي تحت الارض حيث سنبدأ الطيران ضد الاهداف الاسرائيليه غداً 9/10/1973 انشاء الله .
لقد ساهمت طائرات النقل نوع (انتونوف 12 و 24 ) بنقل مستلزمات كل الأسراب المساهمه رغم ظروف الحرب الصعبة كما ساهمت طائرات الهليكوبتر بأعمال إعادة التمركزات لوسائل الدفاع الجوي والأسراب وفقا للموقف الجديد ....لم يبقى في العراق سوى السرب 14 لحماية بغداد وبعض مفارز من طائرات السوخوي والميج 21 لاعادة تاهيل الطيارين المتواجدين في كليه القوه الجوية وكلية الأركان بغرض زجهم بالمعركة بعد ذلك.
موقف واجراءات تنفيذ القوة الجوية العراقية واجباتها في سوريا
في 10 أكتوبر أصبح موقف القوه الجوية العراقية في سوريا ماياتي: ( 50 طائره سوخوي هجوم ارضي و36 طائره متصدية و8طائره ميج 17 ).... نسبة الطيارين إلى الطائرات 2: 1 للاستعواض . اما تنفيذ الواجبات فكان كما يلي :
ا . باشر السربان 9 و 11 متصديات الطيران ( الاعتراضي ) مع الطيران السوري منذ اليوم الأول لوصولهم في 7 أكتوبر واستمر حتى وقف إطلاق النار في 23 أكتوبر واستطاع كلا من الطيارين التالية أسمائهم اسقط 3 طائرات اسرائيلية( المقدم الطيار الركن محمد سلمان حمد والرائد الطيار الشهيد نامق سعد الله والنقيب الطيار شهاب احمد) ...
ب. باشرت أسراب الهجوم الأرضي 1 و 5 و 8 و 7 الطيران منذ 9 أكتوبر وحتى وقف إطلاق النار .
ج . لقد واجهت أسراب الهجوم الأرضي ظروف صعبة بسبب قلة الاستحضارات وعدم التعرف على المنطقة بشكل جيد بعد زجها بشكل مباشر في المعركة أدى إلى وقوع خسائر غير مبررة بالطيارين خاصة وان امكانية الطائرات الروسية القتالية آنذاك لم تكن بالصورة التي عليها ألان فالطائرة تحتاج إلى طيار يقودها إلى الهدف على عكس الطائرات الغربية حيث الطائرة هي التي تقود الطيار إلى الهدف بواسطة ما تحتويه من أجهزه ملاحيه وقصف دقيقه، ولما كانت المعلومات غير متوفرة والطيارين لم يسبق لهم ممارسة الطيران في سوريا قبل هذا الوقت لذلك كانت الخسائر غير مقبولة في المفهوم التعبوي ومع ذلك فقد أعجب الطيارين السوريين بكفاءة الطيار العراقي رغم كل الظروف التي أشرت إليهاأنفا وقد أفدناهم في أمور أساليب الاستخدام القتالي أثناء تنفيذ الواجبات مما ساهم في تقليل نسب الخسائر بالطيارين وأصبحوا يقولون لو كنتم معنا قبل هذا الوقت لأبلينا بلاءا حسنا معكم ....
ماهية واجبات القوةالجوية السورية
أ.التخطيط للواجبات لم يكن بمستوى تخطيط العدو الإسرائيلي فقد تمكن من كشف الخطط السورية مبكرا ومن ثم نصب كمائن في طريق ذهاب الطائرات إلى أهدافها وإسقاطها بل العدو كان يعلم بالخطة أساسا(السبب أن خرائط الطيارين كان قد ثبت عليها كل الأهداف المعادية وأسلوب الذهاب والعودة إلى الهدف وعندما يقذف الطيار من الطائرة بسبب اصابة طائرته من قبل الدفاعات الجويه الاسرائيليه يلقى القبض عليه ويستولي العدو على هذه الخرائط يستدل منها على الخطط التعبويه للاستخدام.
ب . اقتصرت الخطه الجوية على عمليات الإسناد الجوي القريب وبعض أهداف التجريد لمواقع التحشد والتموين وقد خلت الخطة من أهداف الحركات الجوية المقابلة لأهميتها القصوى في المعركة ...
ج .الأهداف كانت( القنيطرة ,تل عنتر , سعسع , مجدل شمس , منطقه طبريه , جسر بنات يعقوب , ارتال متقدمه تجمعات , إسناد القوات ألبريه في انسحابها من الأهداف التي احتلتها في بداية الحرب ).
د .استمر زخم طائرات الهجوم الجوي العراقي حتى يوم 10 أكتوبر .... بعدها توجه العدو إلى الجبهة السورية بعد أن احكمت القوات ألمصريه مواقعها في سيناء وذلك لخطورة هذه الجبهة بعد أن استعادت سورية كافة أراضيها في الجولان.... ففي الهجوم المقابل الإسرائيلي ... كان العدو يقوم منذ الصباح الباكر واعتبارا من 11 أكتوبر شل كافة القواعد الجوية السورية وتلغيمها بالقنابل الموقوتة لكي تتفرغ في هجومها المقابل تجاه القوات السورية. لذا كنا نعاني من ذلك كثيرا ونحن نسمع من غرف العمليات تقهقر القوات السورية بعد تحقيقها هزيمة للقوات الاسرائيلية في بداية الحرب .... وقد أوعز السوريين ذلك في نقص بالقوات وتأخر وصول الجيش العراقي حتي 13 أكتوبر حيث كانت القوات السورية قد أكملت انسحابها ....
قرار القوة الجوية العراقية في سوريا
نتيجة للخسائر الكبيرة بالطائرات والطيارين السوريين والعراقيين اقترحت القيادة العراقية في سوريا المؤلفة من المقدم الطيار محمد جسام الجبوري والمقدم الطيار صباح صالح والمقدم الطيار نجدت النقيب وبعد استشارة قيادة القوة الجوية في بغداد تعديل الخطة الجوية السورية بما ينسجم ومتطلبات الموقف الجديد .... ووضعت خطه تحوي على أهداف استراتيجية مهمة بغرض شل القوه الجوية الاسرائيلية والقيام بهجوم مقابل أخر بالمساهمة مع القوات البرية العراقية التي وصلت على التو سوريا واستكملت تحشدها في 17 أكتوبر ... من حيث المبدأ وافقت القيادة العسكرية على الخطة ولكن القوة الجوية والدفاع الجوي السوري لم يوافقان عليها ... وعلى أية حال استمرت قوتنا الجوية وفق الخطة السورية حيث زادت نسب خسائرنا بالطائرات والطيارين وكذلك بالنسبة للسوريين تجاه أهداف لم يكن تأثيرها واضح في المعركة .
خسائرنا في سوريا
بلغ إجمالي خسائرنا في سوريا فقط 15 طيار وأسيران و 15 طائرة سوخوي 7 وطائرتان ميج 17 و5 طائرات ميج 21 ..... كما بلغت عدد الطلعات ألمنفذه بطائرات الهجوم الأرضي حوالي 200 طلعة وضعف هذا العدد بالنسبة للطائرات المتصدية.
العودة إلى العراق
في 14 أكتوبر قرر الرئيس المصري أنور السادات تطوير الهجوم شرق قناة السويس إلى المضائق بالرغم من ممانعة القادة العسكريين ذلك مما أدى إلى تحرك القوات المصرية ومعها وسائل الدفاع الجوي باتجاه الشرق سبب ذلك من حدوث ثغره في الكشف الراداري المصري وقد استغل ذلك من قبل إسرائيل تسللت عبرها مجاميع من الطائرات الاسرائيلية باتجاه الغرب وبالتالي إيجاد منفذ لعبور القوات الاسرائيلية غرب القناة في منطقة الدفرسوار وتطويقها الجيشان الثاني والثالث وتهديد منطقة الاسماعيلية والسويس مما أدى وقوع خسائر كبيرة بالجيش المصري. قررت كلا من مصر وسوريا وقف القتال بناء على قرار مجلس الأمن 338 ....اقترح العراق استمرار المواجهة إلا أن سوريا رفضت ذلك .... عادت القوة الجوية العراقية إلى قواعدها في العراق بعد 23 أكتوبر وهي بذلك تسجل أروع صفحة من صفحات البطولة في تاريخها الحديث المشرف نفتخر به على مر الأجيال ولا يجب أن ننسى هذا الدور لكون الذي حدث في ظروف غير طبيعية من السكون إلى الحركة مباشره وثم الاشتباك مع العدو دون معرفة تفاصيل الخطط وقبلنا بالخسائر من اجل المبادىء وإحياء اللحمة العربية تجاه كيان غاصب متعجرف.
وهكذا أسدل الستار على دور الجيش العراقي في حرب أكتوبر 1973 الذي أعطى درس لكل الأعداء من أن الوطن العربي وطن واحد مهما حدث من مشاكل بين الأخوة وان العراق يجب أن يبقى عصيا على الأعداء قويا على مدى العصور ومهما حصل ولكل جواد كبوة .... رحم الله شهداء القوة الجوية العراقية الأبطال وشهداء القوات البرية العراقية الأبطال التي أبلت بلاءا حسنا في هذه .