مقاعد «تعويضية» في الكيا... وأجهزة لكشف الويسكي في الشارع
بغداد - عبدالكريم العبيديلا تبحث عن صحف الغد ولا عن نشرات أخبار الفضائيات وأجندتها العديدة، فقط اجلس داخل سيارة كيا واستمع إلى أصدق التحليلات السياسية الإستراتيجية بصدق وشفافية ونزاهة، لا تشكيك فيها ولا تزوير، ولا تحتاج إلى طعون وعد يدوي ومحكمة اتحادية. وإذا حالفك الحظ وعثرت من بين الركاب على سكران فثق أنك ستفهم المشهد الانتخابي بمنتهى الوضوح الساخر وستردد حال نزولك من الكيا جازما: وعند "الويسكي" الخبر اليقين.
القصة مع الراكب "الإستراتيجي" ابتدأت حين جلس بصعوبة على مقعد فارغ بجانب رجل ملتح ويعتمر كوفية وعقال ويمسك بيده مسبحة "101" من نوع يسر. أففففففففف، أعوذ بالله، قالها "أبو عكال" متذمرا ونزل من السيارة مما أحدث إرباكا بالباب وانزعاجا لدى بقية من كان يروم الصعود فهتف أحدهم ساخرا"ها، قفلت!؟"، فرد عليه أبو عكال "يمعود ريحة الويسكي اتعط"، فابتسم صاحبنا وسأله "اشمدريك ويسكي!؟".
ولكن ما أن جلس راكب آخر على مقعد أبو عكال حتى أبدى تأففه هو الآخر ونهض مسرعا باتجاه مقعد فارغ آخر.
"شنو هالكرسي بيه عكارب؟" تساءل السائق مستغربا فرد عليه السكران ساخرا "مو مشكلة اعتبر هذا المقعد من المقاعد التعويضية".
راكب يبدو أنه "لكفهه" مبكرا، قال "لا، مو الأخ ايبين داوي حيييل وطاكله ربعيه بهالظهر".
- شنو سكران!؟، انزل انزل، آني ماشيل سكارى بسيارتي.
صوّب جميع الركاب أنظارهم نحو الراكب السكران الذي أجاب بصعوبة بالغة "شوف آني أمثل صوت بالانتخابات فميصير أتزور وتتلاعب بالأصوات لأن صوتي مهم".
- ودييييه، طكله بيضه.
- زين برأيك أكو تزوير صار بالانتخابات لو لا؟
- طبعا صار، بس عالخفيف، يعني هذا الموجود.
- شوف، لتصيرلي مراقب دولي، انزل واحترم نفسك، على ساس محلل استراتيجي ويعرف منو حيفوز بالانتخابات!
- لعد وين اأألأجواء الديمقراطية واأألروح الرياضية؟، آني جزء من المشهد وأرفض الإقصاء والتهميش، بعدين أبشرفي حيفوز اللي أيصعده مستوى العقل العراقي الجمعي، يعني الفائز هو محصلة ادراكنه وفهمنه ومستوى عقلنه.
- يمعود لا تحبسنه، انزل وفضهه
- والله ما أنزل لو يطلع الحارث ابن حلزة اليشكري، وبعدين لويش اتخافون؟، مشبعتوا خوف طيلة 35 سنة؟، يعني المفروض الكتل الفائزة تتصافى وتسوي انتخابات وتفضهه، مو واحد يكره اللاخ، واحنه الماكليهه، مووو؟
- استلم
اقترب سائق كيا آخر من سائق الكيا الاول، وهو يهز بمفتاح سيارته وقال" شنو دتقبط منشأة لو سيارتك مزروفه؟ دفضهه عاد". فغضب السائق والتفت إلى الراكب السكران وقال "هسه تنزل لو أسحلك سحل وأشمرك بالزبل؟".
احتد الراكب السكران هذه المرة وأجاب "شنو؟، قابل ماكو دسستوور بالبلد؟، أألو آأأني مو عراقي؟، انطيني أأأفقرة بقانون العقوبات تمنع أأالشرب؟، أيريدني أنزل!، آني مواطن عراقي، ما أأنزل لو يطلع المهلب ابن أأأبي صفرة".
"يابه سكران ويشرب من ضيمه. هيه مو ديمقراطيه؟، دعوفوه يمعودين" قالها أحد الركاب رأفة بالسكران ولكن صاحبنا رفض العرض واحتج على الراكب قائلا "شنوو؟، أنت تعرف قيمة صوتك بالانتخابات حتى تعرف آني منو؟".
- صدّكني لا وصلت ولا انتخبت، شلي بالهالدوخه.
- لأنك جاهل بدورك في المشاركة وبقيمة صوتك، أنت لازم تفهم الدور الإقليمي والعالمي وحساسية العملية السياسية.
- لا أبشرفك، وشنهي هاي الحساسية بله؟
- الديمقراطية عالم متكامل ومتطور مو بسهوله انطبله مثل ما نصعد بكيا، نحتاج إلى ولادات ومخاضات وتضحيات.
تحولت الكيا إلى حوارات ساخنة عن الانتخابات ونتائجها وما سيسفر عنها وكان السكران يضفي عليها عمقا ونضجا كلما تراخت، بينما انطلقت السيارة بصعوبة من بين عشرات السيارات. وما أن مضت دقائق حتى توقفت مرة أخرى بجوار سيطرة أمنية.
سار شرطي شاب يمسك بيده جهاز كشف المتفجرات بجوار السيارة ثم عاد وخاطب الركاب "شايلين سلاح شي؟".
- لالالالالا
- زين بيكم واحد عنده ريحه؟، فأجابه راكب خبيث كان يجلس خلف السكران.
- ايه هذا ريحته ويسكي.
حدق الشرطي في وجه الراكب الثمل ثم خاطب السائق قائلا "أطبك على صفحة".
- هاي اشلون كروه تعبانه اليوم، مدكلي امنين طلعتلي؟
نزل جميع الراكبين وسط موجة من التذمر والسخط باستثناء "أبو الويسكي" الذي رفض تنفيذ الأمر قائلا:
- انت امخلينك تكشف عن المتفجرات لو عن الويسكي!؟، ترى صدك مالهه داعي! هز الشرطي يده وردد ببطء "وين راحت عنك العبوة الناسفة!؟".
- العبوة مظهر من مظاهر العنف، والعنف مظهر من مظاهر عدم نضج المشهد السياسي، ويفترض أنت أحرص من الجميع على إبداء الولاء وفرض القانون وإنجاح العملية الانتخابية، مو ادوّرلي على ريحة الويسكي!
- يابه عوفه سكران
- خطأ اتعوفني، ايجوز آني محتال وشاد حزام ناسف!؟، ميصير تتساهل وياي - ههههه، هاي اشلون اطلابه اليوم!؟
- شوفوا، هسه منو السكران آني لو حضراتكم!؟