TODAY - 11 September, 2011
11 سبتمبر: ما تبقى من ذلك النهار
تؤدي طرقات المشاة الاسمنتية الى بركتين عملاقتين مغلفتين بالرخام الاسود
المكان : مجمع مركز التجارة العالمي في مانهاتن ... الزمان: ساعات قبل افتتاح نصب تذكاري اهداءً لذكرى اكثر من ٢٧٥٠ شخصا قتلوا في هجمات سبتمبر/ ايلول ٢٠٠١ ، التي أدت ايضا الى تدمير احد معالم مدينة نيويورك وهما برجا المركز وتدميرهما بالكامل بالاضافه الى دمار كبير لحق ببقية مباني المجمع وتلك المحيطة به.
بدت المنطقه ،بعد عشر سنوات، اشبه بخلية نحل. فمشهد العمران المتسارع وناطحات السحاب التي ترتفع تلتف حول نصب تذكاري انتظرته اميركا لعقد كامل من الزمن.
سيل من الاسئله يجول في خاطرك وانت تراقب اعمال البناء.
لماذا تشيد هذه النصب ؟ هل الهدف منها استحضار الاحزان والذكريات واحترام شخص من غادر الى دنيا الاخرة، وما كان يمثله لأهله ولمجموعته ؟ وما دخل الجمهور من الناس العاديين ممن لا يعرفون من سقط ومات بهذه المشاعر الفردية؟ ام انه في حالات معينه كهجمات سبتمبر/ ايلول في نيويورك وواشنطن، فأن ذكرى قرابه ٣ الاف قتيل يجب أن تمس روح كل اميركي او كل شخص يزور موقع الهجمات؟ وهل لمباني او برك مياه أو حدائق او متاحف القدره على تحريك هكذا افكار ومشاعر شخصية عميقة؟
يثير النصب التذكاري فيك سيلا من الاجابات والمشاعر المتضاربة نظرا لضخامته ولشكله وما يمثله بالنسبه للفرد وللمجموعة.
خلدت جدارية رجال الاطفاء الذين قتلوا في عمليات الانقاذ
اختيرت العباره الانكليزية "Reflecting Absence"، التي يمكن ان تترجم التفكير بالغياب او انعكاس الغياب، اسما لمجموعة اعمال معمارية حديثة الطراز انتقيت كنصب تذكاري من بين خمسه آلاف اقتراح تقدم بها فنانون ومهندسون معماريون ومصممو حدائق الى بلدية نيويورك.
ومن هذه المشاريع المقترحة منحوتة عملاقه لعلامة سؤال يكتب عليها من فعل هذا ترتفع في سماء المكان معلقة بحبال فولاذية.
وثمة اقتراح آخر لصخره رخام عملاقه بيضاء اللون معلقة في سماء المجمع بسلسلة حديدية، واقتراح آخر يتمثل بمنحوته سريالية ترتفع الى اكثر من خمسة عشر مترا وتمثل ظل او خيال مجموعة ممن قتلوا.
تدخل الى النصب من عدة بوابات وتحيط بك عشرات من اشجار بلوط المستنقعات المحلية زرعت في علب اسمنتية متراصة تشكل ارضية الحديقة المعلقة. ويجري العمل تحتها لانجاز محطة قطارات انفاق كبيرة ومجمع تجاري.
وتؤدي طرقات المشاة الاسمنتية الى بركتين عملاقتين مغلفتين بالرخام الاسود تنصب المياه على صفحاتها كشلالات، تتلألأ المياه المتجمعة وتنهمر في بركة مربعة اصغر وتهدأ عاكسة لون السماء.
وحفرت اسماء من قتلوا في مجموعات -من حيث العمل في الابراج او الطائرات- على الحافات العليا للبركتين بطلب من ذويهم.
نيوجرسي كان لها نصبها التذكاري ايضا لضحايا 11/9
وثمة متحف ستخصص محتوياته لمقتنيات الضحايا ووثائق تؤرخ للحدث بالصوت والصورة استخدمت في بعض اجزائه وهيكله بقايا فولاذية لاحد البرجين.
اراد المهندس المعماري مايكل آراد ومهندس الحدائق بيتر والكر أن يقدما نموذجا شاعريا وحوارا بين القلب والعين، بدءا من الرخام الاسود الذي يعطي انطباع بئر من الاحزان والصمت المهيب الى ممرات الحديقة وحركة المتنزهين بهدوء والاشجار المتجددة بصمت وشجرة الاجاص الوحيدة في المجمع التي دفنت تحت انقاض المباني وانتشلت واعيدت اليها روحها، جيء بها الى موقعها الاصلي لترتفع اغصانها بشموخ بكل الاتجاهات، ووصولا الى ضوضاء محطة قطارات الانفاق بكل ضجيجها والحياة التي تنضح بها.
تقف وكأنك امام مشهد انبعاث بكامل مراحله، والنهوض من الدمار الذي سحق روح المكان الى موقع تعود اليه الحياة.
وتتجلى امام عينيك حياة سكان نيويورك باطيافهم وبتعدديتهم العرقية والاثنية والدينية، عندما تقرأ اسماء الضحايا على الحافات العليا للبركتين: شاكر قمار، ويتفيلد ويست جونيور، ماريان سيمون، هيلين كيتل وجنينها... مجرد اسماء؟ لا.... لأن لها وقع موسيقي في آذان ابناء نيويورك اكثر جمالا واناقة من اي نصب تذكاري.