لندن - كمال قبيسي
هناك شرائط فيديو كثيرة تشرح نظرية عمرها 172 سنة، وباستخدامها وحدها تأكدوا بأن الطائرة الماليزية سقطت، وفي جنوب المحيط الهندي بالذات، لكنها شرائط معقدة ومنفرة، وأفضلها ما تبثه "العربية.نت" الآن، لأنه بسيط الشرح لما استيعابه صعب على غير العلماء، تماما كلغز الطائرة المحيّر.يسمونها Doppler Effect في الدوائر العلمية، أو "تأثير دوبلر" المتعبة لمن يحاول فهمها، أو شرحها الأصعب من النظرية نفسها، وربما لهذا السبب كانت حياة صاحبها قصيرة، لأن الرياضي والفيزيائي النمساوي كريستيان دوبلر بذل بالتأكيد جهدا مميزا ليغني العالم عبرها بما ينفع، فتأثر صحيا مما تعب فيه وغاب عن الدنيا في 1853 وبالكاد عمره 49 سنة.أمس في كوالالمبور أعلن رئيس الوزراء الماليزي، نجيب رزاق، أن شركة بريطانية متخصصة في توفير صور تلتقطها أقمار اصطناعية "استنتجت أن الطائرة حلقت فوق منطقة الممر الجنوبي، وأن آخر موقع كانت فيه هو وسط المحيط الهندي، غربي مدينة بيرث" في إشارة منه إلى عاصمة ولاية "أستراليا الغربية" المطلة بكاملها على المحيط، ومضيفا أن موقع سقوط الطائرة "تم تحديده بالتعاون مع مكتب تحقيقات الطيران البريطاني بتقنيات تستخدم للمرة الأولى" كما قال.
تلك التقنيات التي تستخدم لأول مرة هي من قمر Inmarsat البريطاني العالمي للرصد البحري، وهي القسم الذي يهمنا من نظرية دوبلر المتشعبة تعقيداتها إلى قياس حركة المجرات وابتعادها عن بعضها في الفضاء، ومدى بعد كل نجم عن الأرض بنسبة لونه الضوئي من الأحمر إلى الأزرق، وغيرها مما يصل إلى حركة الأجرام، وإلى كل ما له علاقة بالحركة والصوت والضوء والطاقة إجمالا.
بطة ودراجة وسيارة إسعاف كريستيان دوبلر والنموذجان عن الدراجة والبطة
وتقول النظرية في فصل منها إن لكل شيء موجة إذا تحرك، سواء كانت مائية أو صوتية أو كهرومغناطيسية أو ضوئية أو موجة أي شيء آخر، وإنها تتكاثف مع مصدر انطلاق الجسم.
أما إذا كان ثابتا وموجته هي المتحركة، فتكاثفها وتجمعها واحد في جميع الاتجاهات، وهذا ما نراه حين يلقي أحدنا بحجر في الماء، فكل الدوائر الصادرة عن إلقاء الحجر واحدة، كالمسافات بينها واحدة أيضا.
هذه الظواهر وردات الفعل الموجية طبيعية ومفهومة حتى لطفل يرى بطة عائمة على الماء ومن حولها موجات شبه دائرية بفعل حركتها، ويرى أنها أكثر وأصغر من امتدادها المتسعة دوائره خلفها، لذلك فليس ضروريا أن يرى البطة ليعرف أنها قادمة نحوه إذا ما رأى فقط تكاثف موجات حركتها، كما ليس ضروريا أن يرى دراجة أبيه ليعرف أنه وصل إلى البيت، بل يكفي سماعه هديرها المكثفة موجاته نحوه، أو أنه غادر البيت عند سماعه تموّج الهدير معكوس الاتجاه.
الشيء نفسه يحدث حين يسمع شخص ما الموجة الصوتية لصفارة سيارة الإسعاف، فهي أقوى حين تكون قادمة مما حين تعبر عنه، لأنها كالدراجة في الصورة التي تنشرها "العربية.نت" مع أخرى لبطة عائمة، فهي في إقبالها تجر معها الموجات الصوتية التي تتسع دوائرها حين تعبر، بحيث لا يعود من عبرت عنه يسمعها جيدا، مع ملاحظة أن الأمور ليست بهذه البساطة دائما، فهناك موجات من فوق وأخرى من تحت أو جانبية الاتجاه، أو مشتركة مع أخرى. كما يمكن أن يتخذ التكاثف الموجي أشكالا لا تخطر على البال.. إنه عالم موجي معقد جدا، ونسبي لموقع الشخص من حركة الجسم الآخر، ولكل شيء فيه حساب.
وتابعها "انمارسات" حتى اختفت الموجات الصوتية لمحركات الطائرة يختلف سماعها باختلاف مواقع المستمعين
والقمر الاصطناعي يطبق قاعدة الرصد الموجي على الطائرة من دون حاجته الى تصويرها، لأنه يسجل موجات طيرانها كبيانات، فإذا رصد موجات أو إشارات منها متكاثفة شمالا، فهذا معناه أنها متجهة شمالا، أو جنوبا إذا كان تكاثفها الموجي جنوبيا، لذلك فحين رصد Inmarsat الطائرة الماليزية ووجد أن تكاثف موجات تحليقها كان الى المسار الجنوبي، ثم اختفت تلك الموجات في منطقة معينة من المحيط، فمن البديهي أن الطائرة اختفت في تلك المنطقة.
ولم يقم القمر البريطاني بالرصد الموجي وحده ليؤكد سقوطها، بل تعرف الى بياناتها من رادارات مدنية وعسكرية رصدتها قبل اختفائها، ثم قام بفرز موجات حركتها عن سواها من عشرات الطائرات التي كانت محلقة ذلك الوقت في جميع المسارات من وإلى ماليزيا، وبعدها تابعها ووجد أنها اتجهت جنوبا ثم اختفت، فسجله في ما يشبه خارطة طيران، وربما اطلع عليها رئيس الوزراء الماليزي واقتنع بنتائجها.
أما من كان يقود الطائرة، سواء طيارها أو مساعده، أو أي شخص آخر، على افتراض قيامه بالانتحار أو الخطف الانتقامي وما شابه، فيبدو أنه عمل حسابا لكل شيء ليخفي معالم فعلته ويعرقل سهولة العثور على حطام الطائرة وصندوقيها الأسودين، لكنه نسي شبكة "إنمارسات" الراصدة كل صغيرة وكبيرة، علما أن فرضية إسناد تحليقها للطيار الآلي ما زالت قائمة.