المدينة الفاضلة و كابوس الديستوبيا
أحمد محمد الشربيني
مسابقة أيام الإنترنت العربي
بالطبع عرفنا أن حياة الإنسان و رحلة تطوره كانت مرحلية ” أي كانت تبعاً لمراحل ” ، تلك المراحل تحددت بفترات زمنية منها المعلوم و منها المجهول ، و اتفق العلماء علي أن الإنسان لا يقف علي حلم يتقيد به ، و لا تقف بصيرته علي نقطة متجاهلاً باقي النقاط ، و اتفقوا أيضاً أن الإنسان تتطور تطلعاته و رغباته بتطور الزمن ، فكانت العلاقة بين خيالات الإنسان و بين الزمن علاقة طردية ، فكلما مر الوقت تقدمت أحلامه و تزايدت أفكاره تعقيداً و تركيباً حتي وصل الإنسان بخياله إلي اليوتوبيا !!
و لكن ما هي اليوتوبيا ؟؟
كثيراً تكلم الفلاسفة و أهل المنطق عن المصطلح ” يوتوبيا ” ، و تمددت تعريفاتهم ، و طالت نظرياتهم حول مصطلح ” يوتوبيا ” حتي وصلوا إلي تعريف متفق عليه و هو أن ” اليوتوبيا ” هو مصطلح دائماً كان دالاً علي العديد من المعاني و المفاهيم المتعلقة بشروط القيمة المطلقة و بأحكام القيمة النسبية ، و يشار دوماً أن مصطلح “اليوتوبيا” يدل علي ما يجب أن يكون عليه المجتمع المثالي من فضائل و عادات و قيم و أخلاق ، و يذكر أن “يوتوبيا” مصطلح فلسفي ذكره الكاتب توماس مور في كتابه ” اليوطوبيا ” (Utopia ) عام 1515 ميلادياً ، و كان هذا التعريف تفصيلياً للمصطلح و معناه ..
لمـّح الفيلسوف أفلاطون قديماً عن المدينة الفاضلة “اليوتوبيا” في كتابه “جمهورية أفلاطون” ، و زاد في التلميح بوصفه لجمهوريته الخيالية ، و مدينته الإفتراضية التي لم يحكمها ملك بل حكمها الفلاسفة ، و أختص في روايته حكم الفلاسفة ظناً منه أنهم لحكمتهم و علمهم الواسع سوف يجعلون كل شيء في هذه المدينة محدداً و معيارياً ، و بناءً علي ذلك ستكون مثالية و فاضلة ، عبر أيضاً أفلاطون عن الحياة اليومية في هذه المدينة ، و وصف مستوي المعيشة بها حيث قال بأن تلك المدينة يجد فيها المواطن و المقيم و الزائر أرقي و أكمل الخدمات بأسلوب حضاري بعيداً عن التقليد و الروتين و التسويف و سوء المعاملة ، فقد اعتبر أفلاطون أن المجتمع الحقيقي هو المجتمع الذي يسعد الإنسان و يحقق له رغباته الصالحة ، فكان مجتمعه مثالياً خالياً من النقائض البشرية .
إذن في المفهوم العام للمدينة الفاضلة أنها مقترح لمدينة مبتكرة جديدة و مختلفة عن كل مدننا ليس الاختلاف في المظهر العمراني فقط بل في كل شيء ، في المستوي الحضاري و السكاني و الثقافي ، فدائما تكون المدينة الفاضلة في التخيلات محتوية لكل الأجناس و الألوان و الثقافات و الأديان ، و دوما كانت فائقة في تنويع الأداء الخدمي الحكومي أو الخاص ، فالمدينة الفاضلة هي مدينة حرة أسسها الإنسان نفسه ، سواء كان مسؤولاً أو موظفاً أو عاملاً أو مراجعاً كبيراً كان أو صغيراً رجلاً أو امرأة ، مواطناً كان أو مقيماً أو زائراً ذلك المفهوم الذي وصي به أقلاطون في كتابه “جمهورية أفلاطون” ، و توماس مور في كتابه “اليوطوبيا” ، و الفارابي في كتابه “الدولة الفاضلة” و ” مدينة الرب ” لــ سانت أوغسطين ، و ” مدينة الشمس ” لــكامبانلا (1623) ، و ” اتلنتس الجديده ” لــفرانسيس بيكون (1627 ) .
و لكن لكل شيء عكسه ، فالأبيض عكسه الأسود ، و الحقيقة عكسها الخيال ، و كذلك “اليوتوبيا” عكسها “الديستوبيا” ..
ما هي “الديستوبيا” ؟؟
هو مصطلح فلسفي يتضاد مع “اليوتوبيا” (Dystopia ) في كل شيء إلا في عاطفة الخيال ، فـ”الدستوبيا” تعني المكان الخبيث الشرير الذي امتلأ فساداً و كآبة ، المدينة التي تضربها الفقر و القحط و الظلم و الظلام و كل آفات الدهر ، و قد ذكر ذلك المصطلح الكاتب جورج أورويل ..
فقد كان الفلاسفة يحكون عن كوابيس “الديستوبيا” ذلك العالم البغيض القمعي الذي تقمع حكوماته المواطنين و ترهبهم ، عبر عنها الفلاسفة بأن “الديستوبيا” هي مدينة الشر و الدمار ، المدينة التي تتكرر فيها الكوارث البيئية و كوارث سكانية و سياسية ، كتبوا عنها أنها أرض الفقر المدقع ، و التلوث ، و الانهيار الاجتماعي ، القمع السياسي أو الشمولية ، تلك فيروسات تمرض المجتمع و تضعف مناعته ثم تقتله .
كتب الكثير من الروايات في هذا الاتجاه مثل “فهرنهايت 451” حيث كانت حكومة الديستوبيا تحرق الكتب خوفاً من ما قد تحرض عليه ، و رواية “ألعاب الجوع” التي كانت تحكي عن الحكومات الظالمة التي تهدد شعوبها بالفقر ، و تستخدم الفقر كوسيلة لتهديد الشعب حتي لا ينشغلوا بالسياسة و السلطة ، و قد تكون تلك الروايات اقرب للواقع بالنسبة لبعض الدول الآن و لكن البعض لا يلاحظ !!