في يومٍ من أيامِ العيد.. خرجتُ وصاحبي محمود، فالهواءُ كان طلقاً والنسيمُ عليل، والأطفالُ يلعبون ويمرحون ببهجةٍ وسرور، وكان الطريقُ مزدحم بالشباب والفتيات، فأخذنا نقتبسُ النظرات.. فسقط نظري على فتاةٍ ساحرة تبدو وكأنها حوريةٌ نازلة، أو كعروس البحر الباهرة.. فوجهها فاتنٌ ساحر، وعينيها لونهما أزرقٌ غامر، وشعرها أشدُ من سواد الليل الداكن، فالتفتُ لرفيقي وقلت: ما رأيكَ يا صديقي؟ إنها جميلةٌ رائعة وعيونها فاتنة، فرد محمود: يا صاحبي لا تتجاوز الحدود، فأنت في بلدٍ كلها قيود، فابتسمتْ وضحكتْ ثم تكلمتْ: لا تخف يا عزيزي فاليومُ عيد والكلُ سعيد..
فتبعناها سوياً ولم نشعرَ بإرهاقٍ أو تعب فمظهرها الساحر يفتنُ أي ناظر، فعيني تشخص في أناقة جسمها، وأخذت تدقق في تفاصيل جسدها، يا إلهي!! إنها الفتاةُ المنشودة والحبيبةُ الموعودة، تقدمتُ على عجل ورفعتُ نظارتي السوداء عن عيني وغَمزتُها، فرأيتُ ابتسامةً خفية تخرج من شفتيها الندية، فرددتُ بابتسامةٍ مماثلة.. ثم أدارت وجهها، نظرتُ إلى محمود وقلت: آه إني اشعر وكأنها فتحت أوصالَ قلبي ودخلت في أوتار عقلي.. رد محمود مبتسماً: لا أستطيع التصديق إنها ساحرة يا رفيق.. فأنا صاحب الأيام الخوالي لم أتمالك نفسي.. وحالُك من حالي، فقاطعته وقلت: لا ترصد لي ذكرياتك المريرة وقِصصك العسيرة، اتركني أفكرُ فيما أرى فحقاً إنها أجملُ ما رأيت..
قطعت الفتاةُ الطريق ودخلت طريقاً فرعياً يبدو خالياً من زحام الناس، فلحقنا بها.. وفجأةً أدارت وجهها علينا وابتسمتْ، فقلتُ: يا محمود أريدُ أن أتحدثَ إليها وأتعرفَ عليها.. فاتركني دقائق معدودة لنصل لأهدافنا المنشودة.. ذهب محمود وظللتُ أسير ورائها ثم تقدمتُ منها وقلت لها: عيدٌ سعيد.. فردت علي وهنأتني.. وما أن سمعتُ نبرةَ صوتها الذي اخترق جدران قلبي وسكن في معقل أذني.. أصابتني رعشةٌ غريبة ورجفةٌ مريبة، ثم قالت: أنا وصلتُ إلي بيتي هل من شيءٍ تريده؟ فضحكتُ وقلت: كنت أودُ التعرفَ عليكِ والأمورُ الآن بين يديكِ.. فردتْ بابتسامةٍ عريضة وأشارت على خاتمٍ بيدها وقالت: إنني مخطوبة وحياتي الآن مع شخصٍ مرهونة.. وقع ردها علي كالصاعقة.. وبدتّْ عليَ معالمُ حزنٍ وأسى ولم أستطع الكلام.. وتركتني أقفُ وحيداً.. ودخلتْ منزلها، ظللتُ واقفاً متجمداً حتى أتاني صاحبي محمود.. فسردتُ له الحكاية وآسى ومرارة الرواية، فقال: لا تحزن يا صديقي فقد مررتُ بأشد من تلك المحنة الحزينة.. فطريق الفتياتِ مسدود والداخل إليه مفقود.. رفعتُ رأسي أناظرُ بيتها، فإذا بها تقفُ على الشرفةِ وتلوح بيدها البيضاويتين.. فرددنا لها إشارة السلام وتركناها..
عدتُ إلي بيتي متعباً مرهقاً.. فألقيتُ بجسدي على السرير، ووضعت رأسي على الوسادة أفكر في صورتها التي لم تفارقُ مخيلتي، وصدى صوتها الذي يدبُ في أوصال أذني.. ثم قلتُ لنفسي: يا لها من تجربةٍ حزينة وقصةٍ أليمة، لقد فرقنا القدر.. وأبعدتنا سنة الحياة.. ولكن ربما الأيام القادمة ستكشف عن حبٍ جديد وعشقٍ أبدي أكيد.. ثم غلبني النُعاس واستسلمتُ للنوم وغمضتُ عيني.. وتركت قصتي تموجُ في ذاكرتي..