مجانين العراق ومشرّدوه... نجوم حينًا وأجساد مفخخة أحيانًا
ينتشر في الشوارع العراقية وفي المتنزهات والمراكز التجارية رجال ونساء هائمون على وجوههم في الشوارع، بثياب رثة وشعر أشعث، يتعرضون لسخرية الاطفال، وهم في الغالب منبوذون يقضون ليلهم ونهارهم في العراء.
في الحلة، يقضي موحان يومه متسكعًا في السوق القديم، فإذا حلّ الليل انتحى زاوية وافترش الارض، ليقضي ليلته في العراء على الرغم من البرودة الشديدة. وإذا ما تمكن موحان من الحصول على قنينة عرق تنسيه همومه، فإنه يقضي أسعد اوقاته.
يقول ليث نعمان، وهو صاحب متجر، إن اغلب هؤلاء المشردين مصابون بأمراض عقلية ونفسية.
ويقول كريم الجوراني، الذي يعمل في كراج علاوي الحلة في بغداد، إن الكراج يحفل بمجانين يسكنونه لفترة ويتجولون بين اركانه، لا سيما قرب المطاعم والمقاهي وبين المسافرين لغرض الاستجداء. قد تمضي عليهم أشهر على هذه الحال، ثم يختفون لأنهم وجدوا مأوى آخر، أو لأن الشرطة اقتادتهم إلى مكان ما.
أحد هؤلاء المجانين والمشردين معروف باسم كولي، يرتدي ثيابًا رثة، وتبدو عليه آثار مرض جلدي. يقترب من الناس بحذر لغرض الحصول على النقود أو الطعام.
يقول الجوراني: "ينام كولي في الشارع المجاور للكراج، في زاوية على الارض، وما أن يُصبح الصباح حتى يبدأ مشواره مع الناس".
من يعرفهم؟
يحمل هؤلاء المشردون أسماء غريبة، لا احد يعرف كيف نُسبت اليهم، يطلقها الناس عليهم لتصبح لصيقة بهم. كما أن اسماءهم الحقيقية مجهولة، ولا يحملون أي بطاقة تعريف، أو أي وثيقة تثبت شخصيتهم.
لكن بعض المشرّدين معروفون من أهالي المنطقة التي يعيشون فيها، مثل حاتم حسن في الصالحية في بغداد، الذي كان معلّمًا معروفًا فقد قواه العقلية ولجأ إلى الشارع.
كما نشرت وسائل الاعلام خبر الفنانة العراقية المعروفة سهى عبد الامير، التي اصيبت بلوثة عقلية وتحولت إلى مشردة تستجدي المال في شوارع بغداد.
وبحسب احصائيات منظمة الصحة العالمية، فإن نسبة الأمراض النفسية في العراق تزيد على 18 في المئة، تقابلها ثلاثة مستشفيات نفسية فقط هي الرشاد وابن رشد في بغداد وسوز في السليمانية.
عار الجنون
يقول الباحث الاجتماعي لطيف كامل إن ما يزيد من الأعباء في حياة هؤلاء هو السخرية اللاذعة التي يتعرضون لها، والتحرش بهم الذي يصل إلى حد ضربهم من شباب مراهقين، يتخذون منهم وسيلة للمرح والمتعة.
يشير كامل إلى أن مجهولين أحرقوا أحد المشردين المجانين في العام الماضي، بعدما سكبوا النفط على ثيابه.
كما يضرب كامل احد مشردين محافظة الديوانية مثلًا آخر، "هو شمران الذي تخلى عنه اهله بعد اصابته بمرض عقلي، ليتخذ من الشوارع مسكنًا له، حتى تلقفته الجهات المعنية وأودعته احدى المصحات، وحال شمران تشبه حال المئات من المصابين بالأمراض العقلية ممن يعتبرهم اهلهم عاراً عليهم فيسعون إلى التخلص منهم".
المجانين نجوم
يصور بعض المراهقين هؤلاء الضعفاء في أوضاع مزرية بكاميرا الجوال، كما يصورونهم اثناء المقالب التي يعدونها لهم، لينشروها على الانترنت. ويقول الشاب عادل عمران في هذا الصدد إن العشرات من مقاطع الفيديو تُسرب إلى الشبكة العنكبوتية، واغلبها لمجانين في الشوارع والساحات، تحولوا إلى نجوم حيث يتجمهر المراهقون حولهم بعدما أصبحوا معروفين.
وبحسب وزارة الصحة العراقية، فإن زهاء عشرة آلاف مريض يزورون المصحات العقلية شهريًا، ومقابل ذلك فإن عدد الأطباء النفسيين في العراق لايتجاوز 200 طبيب فقط.
مشهد يومي
يشير البائع سعدون حسين في السوق العربي في بغداد إلى أن بعض المشردين والمجانين مضت عليهم سنوات في مناطق الرشيد والشورجة، مؤكدًا أن الشرطة تلقي القبض عليهم في كل مرة، ليعودوا إلى المكان أو ليأتي آخرون مكانهم.
ويتابع: "اصبح منظرهم جزءًا من مشهد الحياة اليومية".
يقول حسين إن اغلب هؤلاء مسالمون، لكنهم يعانون من نقص القوى العقلية اضافة إلى امراضهم الجلدية بسبب غياب النظافة حيث تشم رائحة اجسادهم النتنة عن بعد، لأنهم لم يغتسلوا لسنوات.
ويضيف حسين: "لهذه الاسباب، لا يجرؤ أحد على مساعدتهم مما هم فيه سوى منحهم بعض الاكل والنقود".
يؤكد الطبيب النفسي توفيق رحيم أن هذه الظاهرة تشترك فيها اغلب المدن العربية، حيث لا تخلو مدينة من هؤلاء المجانين والمشردين".
لكن ضابط الشرطة عصام فرج يقول إن الشرطة تشن حملات منتظمة على هؤلاء، ولا تتيح لهم البقاء في الشوارع والساحات العامة، لا سيما وأنهم في بعض الاحيان يعتدون على المواطنين بحسب الشكاوى التي تتسلمها مراكز الشرطة، ويضاف إلى ذلك عبثهم بالممتلكات وتحرش الآخرين بهم.
تفخيخ المجانين
لم يسلم هؤلاء المجانين من العصابات المسلحة والشبكات الارهابية، حيث اتخذت منهم قنابل بشرية، بعدما تزرع اجسادهم بالحزمة الناسفة والمتفجرات ليفجروا انفسهم في التجمعات البشرية، وهو ما حدث في الفترة بعد العام 2003.
ويعتقد فرج أن المطلوب ليس تفعيل دور الشرطة بل وضع آليات تطبق قانون الصحة العقلية العراقي رقم 1 لسنة 2005، بغية إيواء هؤلاء في مراكز الرعاية وتوفير العلاج لهم ورعايتهم عبر توفير كوادر متخصصة في المصحات النفسية.
وتدعو الباحثة النفسية لمياء الخزرجي إلى تفعيل دور منظمات المجتمع المدني ومضاعفة الدعم الحكومي لإنشاء المصحات وزيادة الكوادر العاملة في مجال الصحة النفسية، بغية إيواء جميع المجانين والمشردين وشمولهم برواتب الرعاية الاجتماعية
المصدر .