روي عن امير المؤمنين - عليه السلام -
(( وان أخوف ما اخاف عليكم أتباع الهوى وطول الامل ))
طول الامل : هو عباره عن الاستغراق في الآمال والتمنيات , وتوقع الحياة والرفاهيه في الدنيا .
ويكون عن أمرين : الجهل والغرور , وحب الدنيا .
الجاهل المغرور يعتمد على شبابه او صحته , ويستبعد الموت في عهد الشباب والصحه , ويغفل عن ان الموت قد حصد ما لا يحصى من الاطفال والشباب , وكثرة حصول الامراض المفاجئه , والموت المفاجىء .
محبة الدنيا الدنيّه , والانس باللذات الفانيه , فمادام الانسان مبتلى بهذه المحبه وهذا الانس , فان فراق هذين صعب عليه , لذا فانه يرفض تصديق فكرة الموت , واذا خطر الموت في ذهنه فانه يحاول استبدال هذه الفكره بما يشغل ذهنه عنها .
واذا ذكرالآخره حينآ تصدى له الشيطان والنفس الاماره بوعد غرور , وهو أنك في اول عمرك , لا باس ان تشغل نفسك بالعيش وتحقيق الآمال وتامين الحاجيات الدنيويه , فاذا كبرت تتوب وتتهيأ لآخرتك .
فاذا كبر قيل له : ما زلت شابآ اعمل ما شئت حتى تهرم , واذا هرم قال لاعمر هذه المزرعه , او لازوج اولادي , او لابني بيتي ثم أترك الدنيا وأنشغل بالعباده في زاوية منه . وكلما انتهى من احد مشاريعه تلك انشغل بمشروع جديد آخر , يمني النفس باليوم والغد , حتى يفاجىء بالنداء , فيلبي حيث لا امهال ولا غد غافلآ عن أن من كان يعده غرورآ بالتوبه غدآ هو معه في غده , وعن ان الفراغ من الخيال ومن اشغال الدنيا لا يحصل , وانما يفرغ عنها من يتركها دفعه واحده .
ان من قاربت سنه الاربعين ليعلم ان تفكيره بالدنيا غفله وخدعة شيطانيه , فقد مضت ايام اللذه والعيش , واتى يوم النشاط والاستعداد , ففي كل يوم سيمر عليه سيضعف عضو من اعضائه , وهو يغفل عن ذلك الا سيء الحظ (( ابناء الاربعين زرع قد دنا حصاده )) .
اما علاج طول الامل : فهو تذكر الموت , فان تذكر الموت يخرج البشر من التعلق بالدنيا ويشبع قلبه منها , عن رسول الله - صل الله عليه واله - (( افضل الزهد في الدنيا ذكر الموت , وافضل العباده ذكر الموت وافضل التفكر ذكر الموت , فمن اثقله ذكر الموت وجد قبره روضه من رياض الجنه )) . وروي عنه - صل الله عليه واله - (( اكثروا ذكر هادم اللذات , قيل : وما هو يا رسول الله ؟
قال : الموت , فما ذكره عند على الحقيقه في سعة الا ضاقت عليه الدنيا , ولا في شده الا اتسعت عليه )) .
وروي عن الامام جعفر الصادق - عليه السلام - في حديث طويل منه كلام ملك الموت (( ليس في شرقها ولا غربها اهل بيت مدر ولا وبرا الا وانا اتصفحهم في كل يوم خمس مرات )) . وفي حديث مشابه اخر يقول ملك الموت (( فالحذر الحذر , فما من اهل بيت مدر ولا شعر في بر ولا بحر الا وانا اتصفحهم في كل يوم خمس مرات عند مواقيت الصلاة حتى لانا اعلم منهم بانفسهم )) .
اذن أخي العزيز اذهب الى القبور وانت حاف , ومر على تراب اصدقائك وتامل في لوحات قبورهم واعتبر وتفكر بما يجري على بعد ذراعين تحت اقدامك . ثم تجرد وتامل في حالك فانك ستغدوا مثلهم عن قريب , وينتهي عمرك , وتظهر علامات الموت عليك من كل جانب , حتى يتوقف الاطباء عن علاج بدنك , وتتوقف اعضاؤك عن الحركه , ويظهر عرق الموت على جبينك , وياتيك ملك الموت بأمر ربه , شئت ام ابيت يبسط مخالبه في جسمك الضعيف , فيفصل بين الروح والجسد ويبكيك اهلك واصدقاؤك وترتفع اهاتهم في مأتمك , ثم ترفع في التابوت , لينقلوك الى سجن قبرك , ثم يتركوك وحيدآ في وحشة قبرك ويعودوا , عندها تأسف على ايام حياتك وصحتك وشبابك ووقت فراغك ايام حياتك كيف امضيتها دون زاد ليومك هذا ؟ وكيف لم تتزود لآخرتك حيث لا ينفع الندم ؟ فقد انقطع العمل وجاء وقت الحساب والحصاد .
روي عن رسول الله - صل الله عليه واله - قوله : (( خذ بالثقه من العمل , واياك والاغترار بالامل , ولا تدخل عليك اليوم هم غد .. ولو أخليت قلبك من الامل لجددت في العمل )) وعنه قوله لابن مسعود (( قصر أملك , فاذا اصبحت فقل : اني لا امسي , وذا امسيت فقل : اني لا أصبح , واعزم على مفارقة الدنيا , واحبب لقاء الله )) ,
وروي عن امير المؤمنين علي - عليه السلام - قوله (( ما طال عبد الامل الا اساء العمل )) (( واما طول الامل , فينسي الاخره )) (( ومن ايقن انه يفارق الاحباب , ويسكن التراب , ويواجه الحساب , ويستغني عما خلف , ويفتقر الى ما قدم , كان حريآ بقصر الامل وطول العمل ))
والحمد لله رب العالمين