أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَدْبَرَتْ، وَآذَ نَتْ بِوَدَاع، وَإِنَّ الاْخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ، وَأَشْرَفَتْ بِاطِّلاَع، أَلاَ وَإِنَّ اليَوْمَ المِضْمارَ، وَغَداً السِّبَاقَ، وَالسَّبَقَةُ الجَنَّةُ، وَالغَايَةُ النَّارُ; أَفَلاَ تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ! أَلاَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ! أَلاَ وَإِنَّكُمْ في أَيَّامِ أَمَل مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ، فَمَنْ عَمِلَ في أَيَّامِ أَمَلهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلُهُ، وَلَمْ يَضرُرْهُ أَجَلُهُ; وَمَنْ قَصَّرَ في أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ، فَقَدْ خَسِرَ عَمَلَهُ، وَضَرَّهُ أَجَلُهُ، أَلاَ فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ، أَلاَوَإِنِّي لَمْ أَرَ كَالجَنَّةِ نَامَ
طَالِبُهَا، وَلاَ كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا، أَلاَ وَإنَّهُ مَنْ لاَيَنْفَعُهُ الحقُّ يَضْرُرهُ البَاطِلُ، وَمَنْ لا يستقم بِهِ الهُدَى يَجُرُّ بِهِ الضَّلاَلُ إِلَى الرَّدَىْ، أَلاَ وَإِنَّكُمْ قَد أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ، وَدُلِلْتُمْ عَلى الزَّادَ.وَإِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخافُ عَلَيْكُمُ: اتِّبَاعُ الهَوَى، وَطُولُ الاْمَلِ، تَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحُوزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً.