شبهة تعدد الزوجات
مقدمة :
إنّ الشبهات التي يثيرها علماء الغرب ضد الإسلام ، وبالخصوص ضد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ليست جديدة ، فهي موجودة في أعماق التاريخ ، والغربيون يسعون دوماً إلى الهجوم على الإسلام ، وإثارة الضجيج واصطناع العقبات في طريقه .
إلا أنّ المُسَلّمَ به هو أنّ الشبهات التي يثيرونها واهية ، ولا تعتمد على أساس علمي ، وإن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على عدم إدراك هؤلاء لتفاصيل أحكام الشريعة الإسلامية بشكل دقيق .
شبهة تعدد الزوجات :
من الشبهات التي طالما ردّدها المستشرقون بشكل خاص ، وعلماء الغرب بشكل عام ، هي مسألة تعدد زوجات النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ونحن بدورنا سنجيب على هذه الشبهة ، بالاعتماد على ما قاله علماء الإسلام ، وبعض ما كتبه المستشرقون المنصفون ، الذين دافعوا بحق عن الإسلام في هذا المجال .
وقبل الردّ على الشبهة ، ولكي يتّضح الغموض في الشبهة ، لابد من القول : أنّ هناك فرق كبير بين الزواج في عمر الشباب ، وبين الزواج في سن الكهولة ، لكفالة النساء الأرامل أو اللاتي لا يلدن .
وبتعبير آخر : إنّ بين الزواج المتعارف وبين اتخاذ عدّة نساء هناك فرق شاسع ، فالزواج المتعارف : هو اجتماع بين شابين متحابّين ضمن عقد زواج وعادات خاصّة ؛ أما الزواج بنساء متعدّدات فهذا أمر آخر .
يقول المستشرق سمث في هذا المجال : ( لم يكن عند محمّد زوجات متعدّدات ، ولكن كان عنده نساء متعدّدات ، لأنّ شروط النكاح والزوجية التي تجسّدت فيها روابط الحب المتبادل بين الزوجين ، انحصرت بخديجة ( عليها السلام ) ؛ أمّا النساء الباقيات ، فإنّه اقترن بهن بهدف التقرّب إلى القبائل الكبيرة ، وشدّها إلى تعاليم الدين الجديد ، أو لكفالة اليتامى ، والأرامل اللاتي فقدن أزواجهن في الحروب أو غيرها .
وخلاصة القول : كان اقترانه بهن لأسباب اقتضاها الزمان والمكان خلال مسيرته في الدعوة إلى الله ، وتبليغ الرسالة الإسلامية .
ثم إنّه ليس من المعقول أن يقدم رجل في أواخر سِنِيّ عمره ـ وهي المرحلة التي تضمحل فيها الشهوة الجنسيّة ـ نحو الزواج لإشباع غريزته الجنسية ، ولهذا لا يمكن الادّعاء بأنّ محمداً لديه زوجات متعدّدات .
وبناء على ما تقدّم ، ستكون الصيغة الصحيحة للتساؤل كما يأتي : لماذا اتخذ النبي ( صلى الله عليه وآله ) نساء متعدّدات ؟
جواب الشبهة :
تكمن الإجابة عن هذه الشبهة بأربعة وجوه :
1ـ تعدّد الزوجات كان قبل الإسلام :
إنّ نظام تعدّد الزوجات كان شائعاً قبل الإسلام بين العرب ، وكذلك بين اليهود والفرس ، والتاريخ يحدّثنا عن الملوك والسلاطين بأنّهم كانوا يبنون بيوتاً كبيرة تسع أحياناً لأكثر من ألف شخص ، لسكن نسائهم من الجواري ، وفي بعض الأحيان يقومون بتقديمهن كهدايا إلى ملوك آخرين ، ويأتون بنساء جديدات ؛ لكن ممّا يثير العجب أنّ بعض العلماء الغربيين لا يقتنعون بتعدّد الزوجات الذي دعا إليه النبي ( صلى الله عليه وآله ) لغرض نشر الإسلام ، لا للأغراض الأخرى .
2ـ لم يكن التعدد لمتاع الدنيا :
إنّ تعدّد زوجات النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يكن طمعاً بزينة الحياة ومتاعها ، لأنّه كان معروفاً بالزهد ، والتقوى ، وكثرة التعبّد في الليل ، حتّى أنّ الله عز وجل أنزل به قرآناً من شدّة ذلك ، قال تعالى : ( طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) طه : 1 ـ 2 .
أما ما تحمّله الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في بداية الدعوة الإسلامية ، لإعلاء كلمة الله عز وجل ، وما تحمّله من ألوان الجوع ، حتّى أنّه اضطر إلى شدّ حجر المجاعة على بطنه من شدّة ذلك ، والحديث عن معاناته حديث طويل لا يسعه هذا المختصر .
نعود الآن ونقول : هل من المعقول أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو قد ناهز الخمسين من عمره أن يفكّر ـ والعياذ بالله ـ في هذا السن بإشباع شهواته الجنسية من النساء ، والسعي نحو الدنيا وزخارفها ، كلا ، ثمّ كلا ، إنّه لمنزّه عن ذلك .
يقول العالم كارليل في هذا المعنى : ( لم يكن محمّد من الساعين نحو إشباع رغباتهم الشخصية ، لكن الأعداء اتهموه بذلك ظلماً وعناداً ، لقد كان محمّد زاهداً في ملبسه ، ومأكله ، وسكنه ، وفي جميع جوانب حياته ، وكان كثيراً ما يكتفي بالخبز والماء ، ولعل الشهور تمضي وهو لا يضع على النار قدراً ، أليس من الظلم والتعسّف أنّ يقوم البعض باتهامه ، بأنّه كان يسعى نحو إشباع رغباته وملذاته الدنيوية ) .
3ـ مكانة المرأة في المجتمع :
لقد استفادت الأمم الأخرى قبل الإسلام من تعدّد الزوجات ، لأنّه كان يحلّ لهم كثيراً من المشاكل الأخلاقية والاجتماعية ، ويساعد على توثيق الصِلات بين أفراد المجتمع ، ويعطي للمرأة مكانتها اللائقة بها .
والرسول ( صلى الله عليه وآله ) دعا إلى نظام تعدّد الزوجات ، في زمن كان فيه المجتمع الجاهلي ينظر إلى المرأة نظرة احتقار ، وازدراء ، بحيث كان من العار أن يولد للرجل بنت ، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في آياته ، حيث كانوا يدفنونهن أحياءً للتخلّص من العار ، وربما كان هذا العمل من أسباب رواج الزنى والفواحش في ذلك المجتمع ، الذي كان يفرض على الأب الذي عنده بنت أن يضع علماً في منزله إشارة لوجود امرأة في هذه الدار ، لدعوة الرجال إلى ممارسة الزنا والفاحشة .
في ظل هكذا مجتمع استطاع النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يدعو إلى نظام تعدّد الزوجات ، الذي دعا إليه الإسلام ، لكفالة الأرامل واليتامى ، وأصبح قانوناً وقف بوجه الفساد الأخلاقي في العصر الجاهلي ، وصان الأسرة من التفكّك ممّا ساعد على إشاعة أجواء الاحترام ، والشعور بالسعادة بشكل لا نظير له في باقي أنحاء العالم .
يقول المستشرق سمث : ( استطاع الإسلام أن يصون المرأة ويحفظها من الوقوع في الزنى ، وذلك من خلال النظام الأخلاقي الذي شرّعه لعلاقة الرجل بالمرأة ، بينما نجد العكس في الدول الأخرى غير الإسلامية ، حيث تعتبر النساء الزانيات طبقة معترف بها من طبقات المجتمع ، لها حقوقها واحترامها ) .
وتقول السيدة آنّي بزانت في دفاعها عن نظام تعدّد الزوجات : ( شرّع الإسلام نظام تعدّد الزوجات ، لحل المشكلات الاجتماعية ، والقضاء على الأمراض المترتبة على الزنى ، ودعوة الإنسان لإشباع رغباته الجنسية ، بشكل يتناسب مع المكانة السامية التي أرادها الله له ) .
4ـ إجابة منفية :
إنّ الزواج من تسع نساء أرملات أو عقيمات ، تعتبرونه عملاً مقتصراً على إشباع الغريزة الجنسية ، وطلب المتاع الدنيوي ؟
فنحن نسألكم : بماذا تفسّرون العلاقات غير المشروعة القائمة بين رؤساء المذاهب ، والقادة السياسيين في الغرب وبين البنات الشابات ؟! وبماذا تفسّرون الفضائح التي امتلأت بها مواقع شبكة الإنترنت ، والتي تتحدّث عن تفاصيل تلك العلاقات اللامشروعة ، والعشق عند الشخصيات العالمية ، والتي يقرأها روّاد الإنترنت صباحاً ومساءً ؟!
وأخيراً : نختتم ردّنا بهذه الجملة القصيرة التي قالتها السيدة آنّي بزانت دفاعاً عن الإسلام ، ونُذكّر بأنّ المقالات التي كتبها المستشرقون في هذا المجال كثيرة جداً ، لا يسعنا المجال أن نتحدّث عنها :
( تتظاهر الدول المسيحية وبشدّة بالزواج من امرأة واحدة ، ولكن هذه الدول تطبّق نظام التعدّد في الواقع العملي ، وبشكل مخفي عن طريق العلاقات غير المشروعة ، بينما يعتبر الإسلام مثل هذه العلاقات محرّمة وغير قانونية ) .