الزواج المبكر بالنسبة للفتيات الصغيرات ظاهرة غير مألوفة لدى العراقيين في فترات سابقة خاصة في المدينة العراقية ولكنها اصبحت اليوم ظاهرة شائعة ومنتشرة تلفت انظار الباحثين والمهتمين بشؤون الاسرة والزواج وتثير فضولهم في البحث عن الاسباب والنتائج التي يمكن ان تترتب عليها مثل هذه الزيجات
وكثيرا ما يلجأ أهل العروسين الى الطرق غير قانونية لاتمام الزواج ما يضيف اشكالا اخرى لاشكالات هذا الزواج المتعددة وينقص من مزاياه المحدودة.
كيف ستتدبر(حلا) أمرها ؟
بعد سماعي لخبر زواج (حلا) ذات الاربعة عشر عاما ابنة الجيران استغربت للامر فهي مازالت صغيرة على تحمل اعباء الزوجية، وقبل عام كانت تلهو برفقة قريناتها الصغيرات و تطلب النقود من ابيها وتفعل ما يحلو لها!! فهل كبرت (حلا) بهذه الفترة الوجيزة واصبحت عروسا؟.
وتساءلت غير مصدقة :
ان مثل تلك الفتاة الصغيرة كيف تستطيع التعامل مع تبعات الحمل أن اتاها مبكرا ؟
وهل ستكون قادرة على تربية الطفل وتعليمه وهي لاتستطيع التمييز.. بين ما هو خير وماهو شر وبين الصح والخطأ، وهي التي مازالت بحاجة الى التربية .
ثم هل ستسعفها تجاربها الحياتية البسيطة في كل ذلك ؟
قانونية الزواج المبكر
قانون الاحوال الشخصية أقر في حيثياته التشريعية اهلية الزواج من حيث العقل والبلوغ؟
المحامي طارق حرب يوضح ذلك: القاعدة العامة والاصل المقرر شرعا.. هو ان عقد الزواج لايتم الا في حالة البلوغ وكمال الاهلية وكمعيار هو سن الثامنة عشر وهذا هو المسلك في قانون الاحوال الشخصية العراقية الموافق لاحكام الشريعة الاسلامية.. كذلك فان هذا القانون اخذ بالاستثناء المقرر للقاعدة العامة في الزواج وهي (18) سنة عندما منح القاضي سلطة الموافقة على زواج من كان عمره اقل من 18 سنة سواء اكان ذكرا ام انثى.. حيث يجوز بموافقة الولي احيانا وهو الاب عادة.
وعندما يلاحظ القاضي الكمال الجسماني والقدرة البدنية للزوج او الزوجة ان يعطي الموافقة على زواج من اكمل (15) سنة واحيانا قد لايكتفي القاضي بموافقة الولي وقناعته الشخصية وموافقة طالب الزواج ذكرا كان ام انثى وانما تتم احالة الطلب الى اللجنة الطبية لتقدير مدى الكفاءة على مسائل الزواج وكما قلنا ان هذا استثناء اولا وان العلم يؤيده ثانيا.. فكثير ممن لم يبلغ (18) سنة وكان قادرا على الواجبات الزوجية، ويحدث العكس أحيانا.
قصص مختلفة ونتائج متناقضة
بعضهن ينعمن بحياة زوجية هادئة ومستقرة وهن متلهفات لانتظار المولود. الذي سيزيد من السعادة الزوجية. وسيمنح عند قدومه شعوراً جديداً بمسؤولية اكبر .
وبعضهن تزعزت احلامهن وتحطمت لحظات حبهن العابرة وانشغلن عن كل ذلك بهموم مبكرة في حياة جديدة اجهضت براءة اعمارهن الغضة واحلامهن الوردية وبعضهن فشلن في ميدان المواجهة لتبدأ سلسلة من المتاعب والمشاكل عند ابواب المحاكم الشرعية لتشغل الاهل من الطرفين في مشاكل لاطائل منها .
استعجال مبكر بسبب الغرام
مضت خمسة اشهر على زواج (احسان) 17 عاما من قريبته (سميرة) ذات الربيع الثالثة عشر عاماً.. حتما احبها وتعلق بها.. فلو لم يكن ذلك لما حدث هذا الزواج يقول والده: فوجئت بطلبه في الزواج من ابنة خاله، فهو مازال صغيرا على خوض تجربة الارتباط وكنت اراها طفلة لايمكن ان تتحمل اعباء كبيرة، ولكنه اجبرني على زواجه لتعلقه بالفتاة اقنعني برغبته واستطاع هو تحمل مسؤولية زواجه بالعمل وكسب الثقة والعبور بسرعة الى ضفاف الرجولة والمسؤولية التي لابد منها الان!! هما يعيشان معنا في بيت واحد والتجربة مازالت في بدايتها وبانتظار المولود.
انهيار سريع
تصدعت العلاقة بعد مرور عام ونصف على زواج (لمى) 15 عاما من (محمد) 18 حينما انجبت (لمى ) طفلها الاول فاربك حياتهما الفتية التي مازالت مأسورة بتفكير حياة المراهقة وتداعياتها ومازال (محمد) يدرس في المرحلة الاعدادية وهو لم يتحمل بعد مسؤوليات بناء اسرة وتحمل أعبائها، وبتراكم المشاكل والخلافات التي بدت بعد الزواج بينهما.. لجأت (لمى) الى بيت اهلها وتركت كل شيء لتضع طفلها في رعاية امها لتعود الى مدرستها وزميلات الدراسة ونكهة الكتب المدرسية التي فارقتها لنزوة حب عابرة ، طاوية صفحة السراء والضراء التي تحملتها في تجربتها المتسرعة .
وتتعجب(لمى) من قدرة امهاتنا وجداتنا مع قسوة العيش والعوز أيام زمان واكثرهن تزوجن وهن في اعمار صغيرة كنا لانصدق عندما يتحدثن لنا عن هذه التجارب والان بدأنا نكرر نحن التجربة مع فارق العصر والامكانات..
ولادة مبكرة وانفصال سريع
اعود الى قصة (حلا) التي انجبت وهي في عامها الخامس عشر طفلتين توأمين بعملية قيصرية لحداثة سنها وغضاضة جسدها لذا تعرضت (حلا) بعدالعملية الى مضاعفات الحمل المبكر والانجاب بالطريقة المذكورة، وعندما رأيتها اخر مرة بدت لي هزيلة وصفراء وغاب عنها الجمال الذي كنا نحسدها عليه، والاناقة التي تتمتع بها وهي صغيرة، الان لاتقوى على رعاية طفلتيها، وكانت تتلقى اللوم والتوبيخ من اهل زوجها لسوء رعايتهم لابنتيها التوأمين.
اخيرا وقعت (حلا) اسيرة المرض والصدمة المبكرين لزواجها وخضعت للعلاج النفسي والطبي .
سمعت اخيرا ان زوجها العاشق تركها معلقة لدى اهلها وسافر الى دولة عربية مجاورة لاسباب لم يكلف نفسه عناء ايضاحها لها.
مخاطر الزواج المبكر
الدكتورة ابتهاج الآلوسي اوضحت لنا مخاطر هذا الزواج بالقول:
المخاطر الكبيرة التي تنتج عن الزواج المبكر للفتيات قبل سن البلوغ عالية الخطورة. لان تكوين الفتاة الجسدي لايكتمل قبل هذا العمر، ناهيك عن تعويق النمو العاطفي والانفعالي الذي لايساعدها على تحمل مسؤوليات الزواج والاسرة فقد لاتتم حملها بفترته المحددة لاسباب فسيولوجية تتعلق بالضعف او النحول ، وقد تتعرض للاجهاض المتكرر.. وتصاب بفقر الدم خاصة خلال فترة الحمل ، كما تزداد نسبة الوفيات بين الامهات الصغيرات.. بنسبة اكبر من الامهات، وذلك لقلة الوعي والمعرفة بالتربية وامور التغذية هذا عدا المخاطر النفسية التي تتعرض لها الفتاة التي تتزوج قبل سن البلوغ، فالفتاة في مرحلة المراهقة لاتستطيع ان تبدي رايها في امور حياتها الزوجية بثقة وارتياح خاصة بعد حرمانها من التعليم ومن تعلم مهارات الحياة بشكل عام.. سواء في مجال العناية بالاسرة، والزوج والاطفال او بالتعامل مع محيطها الاجتماعي والزج بها في آتون الزواج المبكر وهي مازالت غارقة في احلام الطفولة.
وترى الدكتورة الالوسي ان الحل الامثل لهكذا زيجات هي الزام المجتمع بسن قانونية للزواج تتحمل خلالها الزوجة خصوصا تبعاته الاجتماعية والبيولوجية دون حصول نتائج سلبية تؤثر على حياة الزوجين وعوائلهما وكذلك تحديد قوانين مشددة تحظر الزواج قبل البلوغ والسن الذي حدده قانون الاحوال الشخصية لكل من الفتى والفتاة.
الأسباب والآثار الاجتماعية
عن الاثار الاجتماعية والنفسية التي تؤثر على الزيجات المبكرة للفتيات تقول الاخصائية الاجتماعية (ذكرى محمد سلمان) في معهد اعداد المعلمات :
هناك دوافع ومبررات اجتماعية لمثل هذا الزواج فقد تعتبر الاسرة الفقيرة الفتاة الصغيرة عبئاً اقتصادياً وترى ان زواجها ضرورياً لتخفيف العبء عنها وتفكر العوائل بتوفير الحماية لها وجعلها في ذمة رجل يحفظها ويصون عرضها وبذلك تستريح من هم التفكير بمسؤوليتها وترتفع معدلات زواج الفتيات اكثر من الفتيان.. حيث ان الفتاة تتزوج بعمر اصغرعادة من الرجل.. لذا نرى ان الزواج المبكر يزداد بين الفتيات وتحرص العوائل على تزويج بناتها بهاجس الخوف من التعرض لشرفها او الخوف من العلاقات المريبة مع الاولاد خاصة بعد انتشار الموبايل والتأثر بالفضائيات والعلاقات العابرة التي تستعرضها المسلسلات الدرامية في وسائل الاعلام المتاحة في البيوت .
وعادة ما يصاحب الزواج المبكر للفتاة تركها للدراسة والتفرغ لحياتها الجديدة فبمجرد زواجها يقل الحماس المدرسي وتميل الفتاة الى التوقف عن الذهاب الى المدرسة بحكم مسؤولياتها الجديدة وقد يمانع الزوج أحياناً من مواصلة مشوار الدراسة ، وهذا بحد ذاته يعتبر صدمة اولى في حياتها وعاملاً مهماً قد يؤثر على مستقبلها ناهيك عن انها ستكون فريسة سهلة لتدخل الاخرين من الاهل والاقارب في حياتها الشخصية والخاصة من باب الادعاء بقلة التجربة في الحياة لذا تكون حياتها مبنية على اسس غير سليمة لايمكنها ان تستوعب كل النصائح فترتبك اسس تلك العلاقـة الزوجيـة لانهـا لـم تحسب لكـل ذلك وهـي منغمسة بنـزوة عابـرة لعلاقـة سريعـة .
- أخيراً
الزواج المبكر ظاهرة شائعة ليس في العراق وحده بل هناك تقارير صحفية تشير الى انتشار الظاهرة في مناطق كثيرة من العالم العربي والاسلامي لتشابه الظروف الاجتماعية والاقتصادية في هذه البلدان وفي مجتمعنا العراقي ما زالت اغلب العوائل ترغب بتزويج بناتها واولادها مبكراً... وهم يعللون ذلك بقناعة تقليدية يلقونها على الظروف التي تعصف بالمجتمع العراقي ويرون ان تزويج البنات في سن مبكرة تاتي من باب المحافظة عليها والتخلص من مسؤوليتها، في هذا الظرف العصيب.
منقووووووووووول