من عمليات النِحالة الناجحة العنايةُ بحفظ خلية النحل من مياه الأمطار المتساقطة ، ويتم ذلك قبل الشتاء بتغليف الخلية - ما عدا فتحة المدخل - بكيس من قماش مشمع سميك ، وربطه وتثبيته بشريط من مطاط كالذي يستخدم في الملابس ، ويُفضّل أن يكون المشمع بلون أدكن يمتص الحرارة من أشعة الشمس ، ويحتفظ بها بشكل مؤقت ، يحفظ على الخلية حرارتها ، وقد يمدّها بجزء يسير منها ، ثم يُرفع عنها في وقت مناسب من آذار .
يمكن أن تتسرب مياه الأمطار في الخلية غير المُغَلّفة من خلال فتحات غير ملتحمة نتيجة خلل صناعي ، أو في انحراف جسم الخلية عن قاعدتها وإحداث عدة ثغرات ، كما يمكن أن تتشبع جدران الخلية الخارجية ، غير المطلية بدهان عازل ، حين تعرضها لمياه المطر ، بمقدار من الرطوبة يعمل على تبريد الخلية وتقوّس جدرانها أو تشققها ، وبخاصة إذا كانت مصنوعة من خشب غير معالج .
الخلية فوق حاملها إذا وُضعت بشكل مستوٍ اُفقياً ، أو ارتفعت مقدمتها الى أعلى قليلاً ، دخلتها وغمرت قاعدتها مياه الأمطار ، وغطتها أيضا ًقطرات من مياه متساقطة تتكاثف على سطح الغطاء الداخلي للخلية ، من بخار يتصاعد من تنفس النحل شتاءً ، ويكثر تكاثفه وتساقطه على القاعدة عند شدة انخفاض درجات الحرارة ، نتيجة ما يتم في أجسامها من أعمال حيوية متزايدة , ولذلك كان لابد من رفع مؤخرتها مقدار إنج واحد أعلى من مقدمتها تسهيلاً لخروج الماء المتساقط على القاعدة ، ومنعاً لدخول مياه الأمطار فيها .
وقبل نزول المطر تحدث تبدلات في نظام الحركة الجوية ، في فيزيائية الجو وكيمياويته وفي الظواهر الكهربائية ، وما يتولد من ذلك من أنماط مختلفة من حالات جوية في هذا المكان أو ذاك ، تؤثر في حياة الإنسان والحيوان والنبات ، وتتمثل في عناصر الطقس من درجات حرارة وضغط جوي وحركة رياح ورطوبة ورؤية وتبخر وتغطية بأنواع السحب وآلية نزول المطر وغيرها . وتتأثر وحدات الإحساس العصبي في الشغالات الحقلية بهذه الظواهر الطبيعية أو ببعضها حين حصولها ، فتسرع في الرجوع الى خلاياها . . وفي مثل هذا الجو المشحون بالتبدلات قد تنشر الشغالات الحقلية الأكبر سناً والتي مرّت بتجربة سابقة فيرموناتٍ تحذيرية ، تحثّ الشغالاتِ على سرعة مغادرة الحقل ، هرباً من مواجهة خطر مفاجئ لا تقوى على صدّه ، وقد تؤدي شغالات أخرى داخل الخلية رقصات تحذر من السروح وتنذر بخطر وشيك ، ويتمّ ذلك قبل سقوط المطر بوقت قصير ، فتهرع الى خلاياها أفواجاً أفواجاً ، يدفعها إحساس عنيف الى الإحتماء بمساكنها ، وتتزاحم على الدخول فيها بإصرار. . وفي الأغلب لا تدرك أن مطراً توشك أن تغشى الجو وأن مياهها تبلل أجنحتها وأجسامها وتؤدي الى إلتصاقها ببعضها البعض والى عجزها عن الطيران ، ثم تساقطها وهلاكها غرقاً في مياه المطر .
ولا يُعرف بالضبط في أي وَحدات الإحساس العصبي في الشغالات الحقلية تؤثر تلك الظواهر الجوية ، قد تؤثر في وَحدة منها أو أكثر ، ربما في شعيرات قرني الإستشعار عن طريق الشم ، أو في عضو جونستون عن طريق السمع ، أو في العين عن طريق الرؤية ، أو في الشعيرات الحسية في الأرجل عن طريق قياس الضغط الجوي ، أو في غير ذلك . . كما لا يُعرف أيضاً ما إذا كانت الظواهر الجوية يتم تأثيرها مجتمعة أو منفردة ، من تراكم الغيوم وانخفاض درجات الحرارة وحركة الرياح والضغط الجوي والبرق والرعد ، وسواه . وفي كل الأحوال يترجم المخ ما يصل إليه من إشارات وتحذيرات الى إيعازات بالتخلي عن العمل الحقلي فوراً ، والمغادرة سريعاً ، واللجوء الى المسكن فِراراً من خطر محتمل .
تغطي الأمطار الشتوية والربيعية مساحاتٍ واسعةً ، وتستمر أوقاتاً تطول أو تقصر ، وفي خلالها تظل النحل حبيسة في خلاياها ترقب ببوصلتها الطبيعية ( متحسساتها ) إنحسار تلك الظواهر المثبّطة وعودة الحركة الجوية الى طبيعتها ، فتنطلق الى عملها ، ولكن مصادر الغذاء في الحقل لا تشجع على زيارتها ، ترجع عنها الشغالات غيرَ محملة حواصلها بالرحيق وخاليةً سلالها من حبوب اللقاح إلا ما ندر ، ذلك أن مياه الأمطار جرفت ما في الأزهار من رحيق وحبوب لقاح ، وعطلت نشاط الشغالات في الحقل ، ولم يبقَ لها من عمل إلا أن تقوم بجمع الماء – في الربيع - من أمكنة قريبة ، وبتنظيف أمعائها ، وطرح ما في الخلية من شوائب ريثما تبدأ الزهرة بفرز جديد .
قد تعمّ الأمطار الغزيرة بقاعاً شاسعة ، ولا تتساقط مباشرة على منحل قريب ، لاذت فيه النحل بخلاياها متأثرة بتلك الظواهر الطبيعية . . يُخيّم الهدوء على ذاك المنحل كما لو أن الأمطار غطّته . . وتهاجمه أسراب الوروار الجائعة - إذا كان الوقت ربيعاً – وقد حرمتها الأمطار من فرائسها ، وصفيرها يملأ الأجواء ، ثم تغادره عندما لا تحصل منه على ما تريد . . وبعد أن تنحسر تلك الظواهر القاهرة التي ألجأت النحل الى خلاياها ، تنطلق الشغالات أفواجاً الى مواصلة نشاطها الحقلي .
وفي حال أن تتساقط المطر خفيفة متقطعة على فترات أو رذاذاً ، ولا ترافقها عمليات جوية مُثبّطة ، لا تتوقف الشغالات عن جمع الرحيق وحبوب اللقاح من الأزهار التي سَلِمت أغصانها من مياه المطر