الشهيد الصدر وبداية ثورة الإصلاح

لانريد هنا أن نكتب عن حياة الشهيد الصدر(قدس) بل نؤشر فقط عن ثورته الأصلاحية التي تعتبر بداية طريق التغيير الذي يهيأ القاعدة الفكرية الرصينة التي سوف يقف عليها المجتمع الأسلامي تمهيدا للامام المعصوم (سلام الله عليه ) ، وكما تعرفون ان التغيير الذهني للناس أعمق جهدا من التغيير الخارجي ، والذي يتصدى لهذه المهمة لابد له من أن يتسلح بسلاح العلم والجهاد لأن جنود الجهل والتعصب كثيرون وهم مختبئون وراء سذاجة الناس وقلة وعيهم الديني ويعزفون على أوتار مشاعرهم الكلاسيكية القديمة ( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) 0 وهكذا بدء السيد الصدر مهمته الأصلاحية الشاقة التي دفع حياته ثمنا لها _ ونعم مافعل _ لأن التاريخ يكتب عنه بأحرف الخلود لا بكلمات الجمود التي سأم التاريخ من تدوينها على مر العصور للكثير من الرموز .
لقد جاهد السيد الشهيد على مستويين متضادين : المستوى الأول المرجعية الكلاسيكية القديمة والمتسلحة بأنواع العلوم والتي هي سلاح ذو حدين ، والمستوى الثاني المتمثل بعامة الناس والقاعدة الجماهيرية الواسعة
فكانت مهمة السيد(قدس) ان يمحو تلك الفكرة الذهنية التي تربى عليها الناس ويشدهم الى تقديس إمامهم واجب العصمة وليس الى جائز الخطأ وهو مصدر الفيض والتشريع الألهي لاغيره ، ومن ثم يبدأ بأنتقاداته اللاذعة للمؤسسة الدينية القديمة ليؤسس مرجعية مستنيرة بديلة عنها وبعمله هذا يمكن أن نقول فيه أنه بحق كان على قدر عال من الخلق الرفيع المبرّأ من كل رياء أو تصنع ويكفيك أن تعايشه دقائق لتعرف ذلك فيه واضحاً جلياً يغنيك العيان عن البرهان.
لقد عبأ السيد الشهيد الجماهير المحبة للتغيير والأصلاح بحركة اصلاحية لم يسبق لها مثيل حيث أعاد سنة من سنن الأسلام الأصيل التي امتدت اليها يد الأهمال والنسيان وهي صلاة الجمعة حيث جعلها منبرا حرا للخطابة والتوعية على اختلاف مستويات الناس الفكرية ومشاربهم العقائدية ، وخالط عوام الناس واقترب من مشاكلهم على نهج الرسول وأهل بيته(عليهم السلام) وتلك الحركة لم تكن مألوفة لدى رجال الدين الذين سبقوه ، واكثر من التف حوله هم فئة الشباب المحبين للتغيير والأصلاح وفتح باب التوبة للكثير من الناس بشرطها وشروطها
ومن جهة اخرى بدأ انتقاداته للمؤسسة الكلاسيكية القديمة ناقدا لها تارة ومشككا بشرعيتها تارة اخرى وغيّر الكثير من الأساليب القديمة التي كانت سائدة عندهم وسلك منهجا في درسه اساسه الأصلاح وقلب الذهنية العلمية لدى طلابه نحو قيادة المجتمع وتعليم الخطابة ، أول من نبه على عبادة الأصنام البشرية ليخلص التوحيد من حبائل الشرك الخفي ، ونادى بألغاء الحواجز الطبقية في المجتمع وأكد على المساواة بين رجال الدين وبقية الناس وان عنصر المفاضلة وميزان القرب الألهي هو تقوى الله _ لابشهرة خفق النعل خلفه
كان ملبسه بسيط ، يتكلم مع الجميع بدون حجب مانعه ولو كان أثناء الطريق ، ، منع تقبيل الأيادي الذي لايصح الا لرسول او ولي ، أدخل التشريع الى كل بيت وحث الجميع على القراءة والمطالعة وان لايقبلوا كل مايأتيهم الا بعد تمحيصه والسؤال عن أصله الشرعي ، فتح باب المناظرات العلمية للجميع وبدون استثناء لكي ينمي القوابل الفكرية لكل جديد وجعل الغلبة العلمية للدليل العلمي لا للعنوان او الرمز الديني
، جعل الشريعة في كل بيت وجعل للكل الحق في المناقشة والنقض بشرط دليله العلمي الذي يستمد من القرآن والرواية ، اقترب من فقراء
الناس وبسطائهم وخلع عليهم ثوب العطف والحنان

لقد شخص السيد الشهيد أعداء الأسلام وشد جميع الناس نحو امامهم الغائب وأكد ان ثورته قريبة
وهي تحتاج الى ذهنية مستنيرة تستقبل الجديد بعيدة عن الجمود الفكري ، لقد كرس حياته في خدمة المجتمع وعبأ الجماهير نحو تغيير النفس والذات التي يحتاجها الزمن القريب