جابر زواهرة
أمةٌ تترنَّحُ على شفير الهاوية !. لم يَعُد الاستعمار التقليدي يروق للعديد من الدول التي إعتادت عليه ومارستهُ على بلداننا العربية ، رغم أنها أوغلت في ذلك كثيراً ، بطشاً وتدميراً وإنهاكاً للأرض والإنسان ، وعطَّلت حياة الأمة قروناً طويلة ، بعد أن داستهم حوافر الخيول وجنازير الدبابات وإستباحات الحرُمات ، بالتعاون مع بعض الخونة والمرتزقة ممن نصبتهم أولياء وأوصياء على على رقاب شعوبهم من الوجهاء والمخاتير والأزلام وأغدقوا عليهم من المال الشيء الوفير حتى تورطوا الى أذقانهم بدماء أبناء جلدتهم بجاسوسية قذرة ثم لفضوهم بعدَ بلوغ غايتهم ، فدُنِّسَت المساجدُ ودورُ العبادة وصروح العلم وأُحرقت المكتبات ودور العلم وسالت دماءٌ زكية طالت ذروتها حدٌ لا يطاق ، ورُتِّبت إتفاقيات تقسيم بين الدول المتصارعة على خيراتنا باطنها وظاهرها ، منها إستراتيجية الموقع والنفط والغازوالانسان على حدٍ سواء وما زالت الأمةُ تئِنُ تحت وطأتها الى الآن وستدومُ مستقبلاً ما دمنا على هذه الحال المزرية !، وقطَّعت أوصال الأمة ورَسَمت لها حدوداً وأمَّرت عليها نواطير جثموا على صدور شعوبهم ردحاً من الزمن !،غُيّب فيها الفكر وعُطِّل الإبداع وحوربَت النخوة والحميَّة ، فلا صوت يعلو على صوت وليُّ النعمة !، فعمَّ الفقرُ والجهلُ والمرضُ وصارت الحالة بائسةٌ كجحيمٍ لا يطاق !. أما اليوم فاختلفت معايير الاستعمار وإستراتيجياتهِ عمّا قبل ، وتعددت أساليبه بعيداً عن إحتلال الأرض ونشر الجنود والمعدات ، وإقتصر الأمر على الغَزَل عن بعد بأساليب أكثر قذارة و وحشيةٍ عما قبل ، حيثُ تَبَنَّت أساليب إخضاع للحكومات والشعوب على السواء أشدُّ قسوة مما كان ، وتتمثلُ بالإنهاك الإقتصادي والإغراق في الدَين لزيادة تضخم العجز في الميزان العام وتدمير موزانة الدول وربطها بالهبات والمعونات لكي تصبح عاجز عن سدّ حاجة أبنائها من المقومات الاساسية للحياة الكريمة ، ولئلا تخرج عن نطاق إستجداء الإقتراض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وأخواتهما وإشتراطاتهما ، ومن ثَمَّ إثارت النعرات الطائفية والعرقية والحزبية على أوسع نطاق لتتسع الهوة بين أطراف النزاع وإستحالة الإلتقاء على نقطة للتوافق أوإعادة ترتيب الصفوف والمصالحة ، مع إدامة تغذية جميع الأطراف بالسلاح والمال ليقضي كلٌ منهم على الآخر !.، وما زرع أطراف عدائية وهمية في خواصر الأمة إلاّ لأيهام الأمة أن لها قواعد متقدمة بالنضال وهي في الحقيقة منه براء لتستنزف الوقت والمال وطاقات الأمة من دون جدوى ، كما حزب اللآت في لبنان وغيره . دولٌ بالأسم ليس إلاّ ، هيكلٌ بلا مضمون !، المؤسسات معطله والفساد والتناحر يسودان الموقف !، والجيوش أضحت مليشيات لا تقوى على صدِّ غزوةٍ موسميةٍ متواضعةٍ من الجراد الضعيف ، ينخرُ أبنائها الجوع والفقر والتردي والذل والهوان ، ويستجدون على أعتاب الدول شِحاذة رخيصة لا تسدُ رمق الجائعين !، ولنا في الصومال وأخواتها خيرُ مثال ، والصراعات الدموية في ليبيا ولبنانَ والعراقَ وسوريا العروبة ، والإنفصالُ والتجزئةُ وتقطيع الأوصال كما في السودان حيثُ إرتسمت بصمات الحقد والكراهية بما لا يمحوها الزمان ، والتعدّي الصارخُ على الشرعية وإستحقاقات الشعوب كما حصل في الجزائر ومصرَ ، كلُ ذلكَ من صنيع أعداء الأمة وتكالبها لقطع شأفةِ الأمة ، من خلال تعطيل التنمية وإفساد خُلُقِ الشباب وإثارة قضايا المرأة بشكلٍ حادٍّ لتتمرد على القيم والأخلاق الفضيلة وتصبحُ عنصرَ هدمٍ لا لبُنَةَ بناء !. في حين أن الآخرين لم يتركوا سبيلاً للنهضة والرُقي إلاّ وسلكوه ، ونحنُ نُراوح مكاننا ونترنحُ على شفير الهاوية نحو السقوط !. ويقولون " أمةٌ عربيةٌ ذات رسالة خالدة " !!!، أين الأمةُ ؟!، وأين الرسالةَ ؟!. أسأل الله العظيم في عُلاه أن يُعيدَ لهذه الأمة عزَّتها ومجدها ويدحرَ أعدائها من داخلها وخارجها ، لتستعيدَ هيبتها بدينها العظيم الذي إرتضاه ربنا لنا ، وأن يحفظ بلدنا وقيادتنا من كل سوء إنهُ وليُّ ذلك القادرُ عليه.
بقلمي أنا جابر الزواهرة " ابو عاصم