اصحاب المعصومين
اذ قد يخطر في الذهن السؤال، عما اذا كان أصحاب المعصومين رضوان الله عليهم، وبعض الخاصة من أقاربهم، كالعباس بن علي ومسلم بن عقيل وحبيب بن مظاهر الأسدي (37) وأضرابهم، ايضاً يمكن حمل أقوالهم وأفعالهم على الصحة والحكمة كالمعصومين سلام الله عليهم. مع أنه لا ملازمة في ذلك. للأحتمال الراجح بل المتعين أن للعصمة دخلاً في الألهام والتوجيه لهم عليهم السلام، وهي غير متوفرة في أصحابهم عليهم الرضوان. فلا يكون الدليل السابق شاملاً لهم. فإن كانت النتيجة صحيحة، أعني مطابقة أعمالهم للحكمة، فلا بد أن يكون ذلك بدليل آخر، لا بنفس الدليل السابق.
وجواب ذلك : أن الدليل على ذلك متوفر في عدد من خاصة أصحاب الأئمة سلام الله عليهم وذلك لعدة وجوه:
الوجه الأول : أن مثل هؤلاء الخاصة معصومون بالعصمة غير الواجبة،كما أن الأئمة معصومون بالعصمة الواجبة، فإن العصمة على قسمين :-
القسم الأول: العصمة الواجبة، وهي التي دل الدليل العقلي على ثبوتها بالضرورة للأنبياء وأوصيائهم عليهم السلام. كما هو مبحوث في العقائد الأسلامية. وهذه المرتبة عطاء من قبل الله إليهم، لا ينالها غيرهم ولا يمكن أن يكون الدليل عليها دليلاً على غيرهم أيضاً.
القسم الثاني العصمة غير الواجبة، وهي مرتبة عالية جداً من العدالة، والإنصياع لأوامر الله سبحانه ونواهيه، بحيث يكون احتمال صدورالذنب عن الفرد المتصف بها نادراً أو منعدماً، لمدى الملكة الراسخة لديه والقوة المانعة عن الذنوب فيه.
وفكرتها نفس الفكرة السابقة لأن معناها واحد من الناحية المنطقية، الا انها تفرق عنها ببعض الفروق:
أولاً: عدم شمول البرهان على العصمة الواجبة للعصمة الأخرى.
ثانيا : عدم شمول العصمةالواجبة للخطأ و النسيان بخلاف الأخرى.
ثالثاً: ملازمة العصمة الواجبة مع درجة عالية من العلم، بخلاف الأخرى فإنها قد تحصل لغير العالم كما تحصل للعالم.
رابعاً : انحصار عدد أفراد المعصومين بالعصمة الواجبة بالأنبياء والأوصياء. وأما العصمة الأخرى فبابها مفتوح لكل البشر في أن يسيروا في مقدماتها وأسبابها حتى ينالوها، وليست الرحمة الإلهية خاصة بقوم دون قوم.
إذا عرفنا ذلك،أمكننا القول بكل تأكيد : أن عدداً من أصحاب الأئمة عليهم السلام معصومون بالعصمة غير الواجبة هذه. ومعه يتعين حمل أقوالهم وأفعالهم على العصمة والحكمة، شأنهم في ذلك شأن أي معصوم.
الوجه الثاني : أن أمثال هؤلاء الأصحاب والمقربين للأئمة عليهم
السلام، قد ربّاهم المعصومون عليهم السلام، وكانوا تحت رعايتهم وتوجيههم وأمرهم ونهيهم ردحاً طويلاً من الزمن، إلى حد يستطاع القول انهم فهموا الأتجاه المعمق والأرتكازي –لو صح التعبير- للمعصومين سلام الله عليهم. ومن هنا كان بإستطاعتهم ان يطبقوا هذا الأتجاه في كل أقوالهم وأفعالهم.
كما يستطاع القول : أن الأصحاب رضوان الله عليهم تلقوا من الأئمة عليهم السلام توجيهات وقواعد عامة في السلوك والتصرف أكثر مما هو معلن بين الناس بكثير. بحيث أستطاعوا ان يطبقوا هذه القواعد طيلة حياتهم.
الوجه الثالث : أن هؤلاء من خاصة الأصحاب هم من الراسخين في العلم، وقد أصبحوا كذلك لكثرة ما سمعوا ورووا عن المعصومين (ع) ابتداء بالنبي (ص) وانتهاء بالأئمة عليهم السلام، من حقائق الشريعة ودقائقها وأفكارها.
وقد يخطر في البال : أن عنوان (الراسخون في العلم)(38) خاص بقسم من الناس ولا يمكن أن يشمل قسماً آخر. فهو خاص اما بالأئمة المعصومين عليهم السلام أو بمن هو معصوم بالعصمة الواجبة بما فيهم الأنبياء عليهم السلام . وأما شمول هذا العنوان لغيرهم فهو محل اشكال. وخاصة بعد ان ورد في بعض الروايات (39) تفسيره بأحد هذين المعنيين.
وجوابه : أن أخص الناس ممن يمكن اتصافه بهذه الصفة هم المعصومون عامة والأئمة خاصة، وهم القدر المتيقن من هذا العنوان، أعني الراسخين في العلم. وهم فعلاً كذلك . ولا يمكن أن يضاهيهم بدرجتهم أحد. ومن هنا ورد التفسير في ذلك (40) الا أن هذا لا ينافي أن يكون الباب مفتوحاً لكثرين في ان
________________________
(38) سورة آل عمران آية 7.
(39) أصول الكافي للكليني ج1باب 77 ص 213.
(40) مجمع البيان للطرسي ج2 ص 701.
يتصفوا بهذه الصفة. بعد ان يصلوا إلى جرجات عالية من طهارة النفس والأخلاص واليقين. وان اهم وأخص من يمكن ان يتصف بذلك هم أصحاب الأئمة عليهم السلام. ممن تربوا على أيديهم وانصاعوا إلى توجيهاتهم.
فإذا تم لنا ذلك أمكننا أن نعقب عليه ما يتصف به الراسخون بالعلم من مزايا وصفات تفوق غيرهم بما لا يقاس ولا يعرفه الناس بما فيه الأطلاع على مراتب من تفسير وتأويل القرآن الكريم. وكذلك الأطلاع على كثير من واقعيات الأمور التي لا يعرفها الا الخاصة من الخلق. وانما نحن نعترض ونستشكل لمدى جهلنا بهذه المراتب العليا ولمدى قصورنا وتقصيرنا لا اكثر ولا أقل.
الوجه الرابع : أن هؤلاء من خاصة أصحاب الأئمة عليهم السلام من (المقرّبين).بعد أن نلتفت ان (سورة الواقعة) من القران الكريم قسمت البشر إلى ثلاثة أقسام لا تزيد و لا تنقص هم :
أولاً : أصحاب الشمال (41) أو أصحاب المشئمة(42) وهم أصحاب النار هم فيها خالدون.
ثانياً : أصحاب اليمين (43) .
ثالثاً: المقربون (44) .
اذن فالأخيار من الناس، غير (أصحاب الشمال) على قسمين : أصحاب يمين ومقربون. وهذان القسمان يختلفان كثيراً في الدرجات عند الله سبحانه إلى
______________
(41) سورة الواقعة . آية 41
(42) سورة الواقعة اية 5
(43) سورة الواقعة . آية 38 و 90 و 91
(44) وهم السابقون كما عبر عنهم القرآن فيقول الله تعالي (السابقون السابقون أولئك المقربون)
سورة الواقعة آية (10 – 11 ).
حد يستطاع القول : أن العوالم التي يعيشونها في الجنان بعد هذه الحياة ليس من جنس واحد بل هي من جنسين مختلفين تماما. و لا يمكن ايضاح تفاصيله في هذه العجالة . يكفي ان نشير إلى ان الجنة الموصوفة في ظاهر القرآن الكريم والتي يطمع بها سائر الناس انما هي جنة أصحاب اليمين. وأما جنات المقربين فهي شي آخر ومن جنس مختلف لا يشبه ذاك على الأطلاق.
وينبغي الألتفات إلى ان الباب بالرحمة الإلهية مفتوح لكل أحد في ان يصبح من أصحاب اليمين أو المقربين، بمقدار ما أدى من عمل وبمقدار ما يطيق من قواه العقلية والنفسية والروحية ونحو ذلك من الأمور.
فإذا تم لنا ذلك أمكننا بكل تأكيد أن نقول: ان خاصة أصحاب الأئمة عليهم السلام. هم فعلاً من المقربين وليسوا فقط من اصحاب اليمين.
ومن كان من المقربين كان من المهمين المسددّين من قبل الله سبحانه جزماً بنص القرآن .ومثاله نزول الوحي على مريم بنت عمران (45) وآسية بنت مزاحم (46) زوجة فرعون وأم موسى (47) والعبد الصالح (48) وكلهم ليسوا من الأنبياء ولا المرسلين.
واذا ثبت كون خاصة أصحاب الأئمة عليهم السلام ، الراسخين في العلم ومن المقربين، فلا عجب في اتصافهم بأوصاف تفوق غيرهم بمراتب مثل قوله (ص) : ((سلمان منا أهل البيت)) (49) وقوله (( ما أقلت الغبراء وما أضلت
______________
(45) سورة آل عمران. آية (42 -43) – سورةمرية آية 17
(46) ( وقالت أمرات فرعون قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى ان ينفعنا او نتخذه ولداً وهم لا يشعرون) سورة القصص آية 9.
(47) سورة طه آية 38 – سورة القصص آية 7
(48) فوجدا عبداً من عبادنا ءاتيناه رحمةمن عندنا وعلمناه من لدنا علما) سورة الكهف آية 65.
(49) الميزان في تفسير القرآن للطبطباتي ج16 ص 292 – أسد الغابة لأبن الأثر ج2 ص 328.
- وسلمان الفارسي هوابوعبد الله ويعرف بسلمان الخير مولى رسول الله (ص) وسئل عن نسبه
الخضراء ذي لهجة أصدق من أبي ذر))(50) وما ورد من أن حذيفة(51) وميثم التّمار(52) وحبيب بن مظاهر كان لديهم علوم خاصة قد نسميها:
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
= فقال : أنا سلمان ابن الأسلام. أصله من فارس من رام هرمز وقيل أنه من حبي وهي مدينة أصفهان وكان أسمه قبل الأسلام مابه بن بوذ خشان بن مورسلان بن بهبوذان بن فيروز بن سهرك من ولد آب الملك قد قال فيه رسول الله (ص): (ان الجنة تشتاق إلى ثلاثة : علي وعمار وسلمان). وكان سلمان من خيار الصحابة وزهادهم وفضلاتهم وذوي القرب من رسول الله . قالت عائشة: كان لسلمان مجلس من رسول الله (ص) بالليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله (ص). وسئل علي(ع) عن سلمان فقال : (علّم العلم الأول والعلم الآخر وهو بحر لا ينزف وهو منا أهل البيت). وكان عطاته خمسة آلاف فاذا خرج عطاؤه فرقه وأكل من كسب يده وكان يسف الخوص وهو الذي أشار على رسول الهل (ص) بحفر الخندق لما جاءت الأحزاب فلما أمر رسول الله بحفرة احتج المهاجرون والأنصار في سلمان وكان رجلاً قوياً فقال المهاجرون سلمان منا وقال الأنصار سلمان منا فقال رسول الله (ص) (سلمان منا أهل البيت). توفي سنة 35هـ آخر خلافة عثمان وقيل أول سنة 36 هـ وقيل توفي في خلافة عمر والأول أكثر. قال العباس بن يزيد : قال أهل العلم عاش سلمان ثلاثمائة وخمسين سنة. وقال أبو نعيم : كان سلمان من المعمرين يقال أنه أدرك عيسى بن مريم وقرأ الكتابين. أسد الغابة ج2 ص 328.
(50) أسد الغابة لأبن الأثر ج1 ص 301 – الكنى والألقاب ج1 ص 74.
وأبو ذر الغفاري هو جندب بن جنادة وقيل ندب بن السكن مهادري أحد الأركان الأربعة، روي عن الأمام الباقر (ع) انه لم يرتد مات في زمن عثمان بالربذة سنة 31 أو 32 هـ بعد ما نفي هناك. له خطبة يشرح فيها الأمور بعد النبي وقال فيه النبي ( ما أضلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر) الكنى والألقاب ج1 ص 74.
(51) حذيفة بن اليمان وهو حذيفة بن الحسل ويقال حسبل بن جابر بن عمرو...... بن عبد الله العبسي واليمان لقب حسل بن جابر، هاجر إلى النبي (ص) فخيره بين الهدرة والنصرة فاختار النصرة وشهد مع النبي أحد وقتل أبوه بها ويذكر عند اسمه. وحذيفة صاحب سر رسول الله (ص) في المنافقين لم يعلمهم أحد الا حذيفة أعلمه بهم رسول الله (ص) وسأله عمر أفي عمّالي أحد من المنافقين قال : نعم. وكان عمر اذا مات ميت يسأل عن حذيفة فإن حضر الصلاة عليه صلّى عليه عمر وان لم يحضر حذيفة الصلاة لم يحضر عمر. وشهد حذيفة الحرب في نهاوند فلما قتل النعمان بن مقرن أمير ذلك الجيش أخذ الراية وكان فتح هندان والري والدينور على يده وشهد فتح الجزيرة ونزل نصيبين وتزوج فيها. وأرسله رسول الله(ص) ليلة الأحزاب سرية ليأتيه بخبر الكفار . وكان مؤته بعد قتل عثمان بأربعين ليلة سنة 36 هـ. اسد الغابة ج1 ص 39.
علم المنايا والبلايا أو علم ما كان وما يكون أو علم الجفر ونحو ذلك. ومثله ما ورد : أن علياً عليه السلام قال لابنه العباس عليه السلام وهو صغير: ((قل واحد. فقال : واحد، فقال له قل اثنين. فرفض))(53) لأنه عليه السلام يجد الوجود الإلهي والنور الإلهي هو الواحد الأحد، ولا شيء غيره . اذن فلا يوجد أثنان ليقول : اثنين. وهذا كان ثابتاً له في صغره فكيف يصبح وماذا ينال من مدارج اليقين في كبره؟. إلى غير ذلك من الروايات.
الوجه الخامس : أن التصرفات المهمة التي ترتبط بالمصالح العامة وبالحكمة الإلهية في تدبير المجتمع وتسبيب أسبابه، هي دائماً محل عناية الله
__________________
(52) ميثم التمّار : كان ميثم (رض) عبداً لأمراة من بني أسد فاشتراه أمير المؤمنين (ع) واعتقه على كثير واسراراً خفية من أسرار الوصية فكان ميثم يحدث ببعض ذلك فيشك فيه قوم من أهل الكوفة = *** وينسبون علياً (ع) في ذلك إلى المخرقة والأيهام والتدليس حتى قال (ع) له يوماً بمحضر خلق كثير من أصحابه وفيهم الشاك والمخلص ( يا ميثم انك تؤخد بعدي وتصلب وتطعن بحربة فإذا كان ذلك اليوم الثالث ابتدر منحراك وفمك دماً فتخضب لحيتك فانتظر ذلك الخضاب فتصلب على باب دار عمرو بن حريث عاشر عشرة أنت أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة. وأمض حتى أريك النخلة التي تصلب على جدعها) فأراه اياها. فكان ميثم يأتيها ويصلي عندها ويقول بوركت من نخلة لك خلقت ولي غذيت. ولم يزل يتعاهدها حيث قطعت، وحتى عرف الموضع الذي يصلب عليه في الكوفة وحد في السنة التي قتل فيها فدخل على أم سلمة (رض) فقالت من أنت قال أنا ميثم. قالت : والله لربما سمعت رسول الله (ص) يذكرك ويوصي بك علياً (ع) في جوف الليل فسألها عن الحسين (ع) فقالت : هو في حائط له قال : أخبريه أنن يأحببت السلام عليه ونحن ملتقون عند رب العالمين انشاء الله فدعت بطيب وطيبت لحيته، وقال أما أنها ستخضب بدم. فقدم الكوفة فأخذه عبيد الله بن زياد فحبسه وحبس معه المختار بن ابي عبيدة فقال له ميثم انك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين (ع) فتقتل هذا الذي يقتلنا فلما دعى عبيد الله بالمختار ليقتله طلع بريد بكتاب يزيد إلى عبيد الله يأمره بتخلية سبيله فخلاه وأمر بميثم أن يصلب فلما رفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على تحت خشبته ورشة وتجميره فجعل ميثم يحدث بفضائل بني هاشم فقيل لابن زياد قد فضحكم هذا العبد فقال ألجموه وكان أول خلق الله ألجم في الأسلام. الكنى والألقات ج3 ص217 .
وللحديث بقية ....
ومن يرغب بقراءة بقية التفاصيل ...
.فليراجع كتاب (أضواء على ثورة الحسين عليه السلام) للسيد الشهيد محمد الصدر