اللواء علي خالد حجازي
هو أحد ضباط الشرطة المشهود لهم بالصرامة والشدة، شغل عدة مناصب ضمن الشرطة منها مدير شرطة بغداد ثم مديراً عاماً للشرطة العراقية من (14/4/1948 لغاية 12/2/1950) تخرج من الكلية الحربية في استنبول، وخدم مع الشريف حسين في مكة، وكان مخلصا وفيا له، وبعد تتويج الملك فيصل الأول بن الحسين ملكا على العراق تم نقله إلى العراق، وعين ضابطا في الشرطة العراقية، وكان من المقربين إلى البلاط .
كتبت عنه جريدة (الاستقلال) في عددها 902 في 14/2/1950:
( منذ كان السيد علي خالد الحجازي مدير شرطة بغداد كان الناس يتهيبون أسمه، ويحذرون بطشه، وكان يتملق بعضهم إليه، ويسعى آخرون إلى الانتفاع بمركزه، وكان له أنصار ومحاسيب وأصحاب، يشيدون بكفاءته ويؤكدون إخلاصه، ويذهبون إلى حد الترويج بأن سلامة المملكة مقترنة بوجوده على رأس هذه القوة المسلحة (الشرطة)..
وكتب عنه توفيق السويدي في مذكراته:
(يوم أصبح الحجازي مديراً عاماً للشرطة فقد كان معروفاً وشائعاً على أفواه الناس أنه قد توصل إلى منصبه هذا بإسناد من البلاط، باعتباره من أصل حجازي، ومخلص للبيت الهاشمي) .
كان الحجازي على خلاف عميق وتنافر شديد مع (صالح جبر)، حيث لم يكونا على وفاق، وكانت آثار التباغض والكراهية ملموسة في أحاديث الطرفين أمام الآخرين، وتروي جريدة (صدى الأهالي) في عددها 124 في 15/2/1950 إنه بعد استقالة وزارة علي جودت في 1 شباط 1950 صدر الأمر السامي بتكليف السيد توفيق السويدي بتشكيل الوزارة، فكان أن اختار صالح جبر وزيرا للداخلية، وفي أول جلسة لمجلس الوزراء الجديد طالب صالح جبر بفصل علي الحجازي من الشرطة، ولكن أمام رفض المجلس لهذا المقترح، اكتفى بنقل الحجازي متصرفاً للواء السليمانية.
وما أن سمع الحجازي بالقرار حتى ثارت ثائرته، واعتزم أمراً أن يقوم بحركة مسلحة تجبر حكومة السويدي على الاستقالة وعزل صالح جبر، وتنفيذاً لذلك فقد ذهب علي الحجازي ليلة 11 / 12 شباط إلى معسكر قوة الشرطة السيارة في الصالحية وأصدر أوامره إلى بعض السرايا لاحتلال مناطق حيوية من العاصمة وغلق الجسور والقبض على الوزراء واعتقالهم، ثم اتصل برئيس الوزراء توفيق السويدي هاتفيا طالباً منه إقالة صالح جبر من منصب وزير الداخلية فورا .
سموالأمير / عبد الإله
وعلى إثر هذا التطور الخطير، قامت الحكومة بوضع الجيش بالإنذار، وأصدرت الأوامر بنزول القطعات العسكرية. وتدخل الوصي عبد الإله مستغلاً تأثيره الشخصي على (خالد الحجازي)، وأرسل إليه مرافقه الخاص العقيد عبيد عبد الله المضايفي، الذي أقنعه بضرورة الحضور معه لمقابلة الوصي في البلاط، وفعلاً مثل على حجازي أمام الوصي وجرت مناقشة طويلة بينهما انتهت بإيداع (الحجازي) رهن الاعتقال .
وفي صباح يوم 12 شباط، بثت الإذاعة العراقية بياناً أعلنت فيه ما يلي:
(( على أثر قرار مجلس الوزراء المتخذ مساء أمس بنقل مدير الشرطة العام السيد علي خالد من منصبه، الى منصب متصرف لواء السليمانية، شرع الموما إليه متأثراً بهذا القرار باستعمال القوة للإخلال بالأمن والنظام. ونظراً للتدابير التي اتخذتها الحكومة من جهة، ولأن عمله هذا لم يلق تأييد قواته، فقد أحبطت حركته فوراً وألقي القبض عليه تمهيداً لسوقه للمحاكم.))
يقول توفيق السويدي في مذكراته:
أنه في منتصف الليل وكان على وشك الدخول في فراشه، دق جرس الهاتف وكان المتكلم السيد علي الحجازي وقال له بصريح العبارة :
إذا لم تخرج صالح جبر من الوزارة غداً فإني سوف أقوم بانقلاب ! ... وأقفل التلفون.
وعلى الفور اتصل السويدي بصالح جبر وكان نائماً فأيقظوه،وكذلك إتصل بوزير الدفاع شاكر الوادي، وطلب منه اتخاذ اللازم للقبض على الحجازي.
وفي 14 شباط قررت وزارة الداخلية إحالة الحجازي إلى محكمة الجزاء المختصة وفق المادتين 80 و 81 قانون العقوبات البغدادي بتهمة التمرد المسلح، وفي 9 نيسان أصدرت المحكمة الكبرى حكمها بحبس الحجازي بالأشغال الشاقة المؤبدة. لكن محكمة تمييز العراق قررت في 6 مايس 1950 نقض القرار وإعادة المحاكمة.
وفي 17/6/1950 صدر الحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، وأودع غرفة خاصة في سجن بغداد المركزي في الباب المعظم وكان محط زيارة الكثير من معارفه وأصدقائه من خصوم صالح جبر، إلى أن صدر قرار ملكي في 30/10/1950 بأعفائه عما تبقى من محكوميته، نتيجة تدخل الوصي عبدالآله.
واليوم، وبعد أكثر من خمسين عاما على هذا الحادث الدراماتيكي الغريب والمثير، وما أحيط به من غموض ولغط وشكوك وأقاويل، تبقى أسئلة محيرة دون جواب :
- هل كانت محاولة انقلابية فعلاً أم تمرد أم نزوة شخصية ؟
- هل كانت تعبيراً عن مشاعر السخط الشعبي ضد صالح جبر ؟
- هل إن الحجازي وقع ضحية التغرير والتحريض من أطراف استخدمته ورقة لتحقيق مآربها وغررت به، للأنتقام من صالح جبر، ولكن حين فشل. . وحين سقط . . تخلت عنه ؟
أسئلة كثيرة تدور . .وما زالت تدور، ولكن تبقى المحاولة الأنقلابية للسيد علي خالد الحجازي مدير الشرطة العام ليلة 11/12 شباط 1950 واحدة من الأحداث الدراماتيكية النادرة في تاريخ العراق الحديث تستحق التحليل، والتوثيق . . والتأمل.
تفاصيل أكثر عن تلك المحاولة :
ينتمي علي خالد الى اسرة معروفة وقد جاء الى العراق بصحبة الملك (فيصل الاول).1921وشغل عدة مراكز في مسلك الشرطة ، في اعقاب ثورة مايس 1941 جرى تعيينه متصرفا للواء السليمانية ، وبعد وثبة كانون الثاني 1948 ضد معاهدة (بور تسموث) التي عقدها رئيس الوزراء (صالح جبر) مع الانكليز واستقالة الاخير نتيجة للوثبة المذكورة وعندها تقرر نقل (الحجازي ) الى منصب مدير الشرطة العام.
وفي 5 شباط 1950 تألفت وزارة توفيق السويدي خلفا لحكومة (علي جودت الايوبي ) واصبح (صالح جبر) وزيرا للداخلية فيها.
وكان الاخير يضمر حباً غير مفقود (للحجازي) الذي كان يبادله المقت بدوره. وبعد ظهر يوم السبت 10-2-50 سرت في بغداد اشاعة بان وزير الداخلية سيقدم اقتراحا الى اجتماع مجالس الوزراء المقرر عقده في الساعة الرابعة من مساء ذلك اليوم يقضي بنقل مدير الشرطة العام الى نفس منصبه السابق، اي متصرف لواء السليمانية.
هات الكأس!
وصادف ان كان الحجازي مدعو الى مأدبة عشاء تلك الليلة في دار الوجيه ناجي الخضيري وقد لاحظ المدعوون ، ومنهم رئيس الوزراء السابق (جميل المدفعي) انه كان متهيجاً وفي حالة غير طبيعية.
وفي اثناء احتسائه الشراب، سأله القوم عن موعد سفره الى مقر وظيفته الجديد فقال بانه فصل من العمل وصاح:
انا لست حرامي حتى يفصلني صالح جبر!
وامعن في تناول المسكر حتى ثمل او كاد!،وفي حوالي الساعة العاشرة ترك دار (الخضيري) الى محل (عبد الله) في شارع (ابو نواس) أو مشرب حافظ القاضي حيث وجد الوزيرين السابقين (عمر نظمي) و(جميل عبد الوهاب) و(المحامي بهجت زينل) وبعد ان تفوه بعبارات لم يستحسنها هؤلاء بحق (صالح جبر) ، اكمل شربه وغادر المحل الى داره الساعة الحادية عشر.
الى معسكر
وبسرعة استبدل ملابسه المدنية بالعسكرية وحمل مسدسه وتوجه عند منتصف الليل تقريباً الى معسكر القوة السيارة في محلة (السعدون) وامر بارسال السيارات المسلحة كافة وسرية الاسناد الى معسكر السيارة في (الصالحية) للالتحاق به هناك.
وبعد وصول الحجازي الى الصالحية امر حرس المعسكر بعدم السماح لاي كان بدخوله وارسل سيارة مسلحة الى دائرة البريد المركزية في (الميدان) فاحتلها افراد الشرطة ووضعوا المدافع الرشاشة على سطحها، ومن ثم استدعى اليه المعاون (عبد الكريم ظاهر) وطلب منه الذهاب الى دار الاذاعة اللاسلكية في (الصالحية) واحتلالها الا ان ظاهر لم ينفذ الامر، فكان ذلك بداية فشل الحركة لان امراء الوحدات الاخرين الذين استدعاهم (الحجازي) للمعسكر قرروا وقف التمرد عن طريق اخفاء السيارات وتفريق القوات التي تجمعت هناك.
سأقلب بغداد!.علي خالد الحجازي .....سأقلب بغداد رأساً على عقب.. اذا لم يستقيل صالح جبر؟.........
وفي هذه الاثناء اخذ (الحجازي) بالاتصال هاتفياً بعدد من الاشخاص، من مسؤولين وغيرهم، واخبرهم انه بالمعسكر ، فقد قال لعمر نظمي، (سوف لا اخرج من المعسكر ما لم يستقيل صالح جبر والا سأقلب بغداد رأسا على عقب!!) وهتف بوجه السويدي:
اذا لم يستقيل صالح جبر فسأحتل بغداد غداً)!!.
وبعد ان وصل الخبر الى مسامع الوصي (عبد الاله) جرت اتصالات مكثفة تقرر بموجبها ان يتخذ الجيش التدابير لاعتقال الحجازي واحباط حركته ومحافظة الامن والنظام ومسك رؤوس الجسور وثم تبليغ رئاسة اركان الجيش لاتخاذ ما يلزم.
تراجع وسجن.
وبعد ذلك، توجه عدد من اصدقاء التمرد، مثل المدفعي ووزير الدفاع (شاكر الوادي) و(نظمي) الى المعسكر واخذوا بأبداء النصح له، ولما وجدوه في حالة سكر وهياج وعناد، اخبروه بما قام به الجيش من خطوات وان حركته، والحالة هذه سائرة الى الفشل، وهنا حضر العقيد (عبيد المضايفي) مرافق الوصي ناقلا له امر الاخير بوجوب ترك المعسكر والتوجه الى (الرحاب) وهذا ما فعله بعد ان اصدر اوامره الى الشرطة بالعودة الى واجباتها الاعتيادية وهناك وضع قيد التوقيف بعد ان ابلغ باحالته على التقاعد.
وفي 9 - 4- 50 قدم (الحجازي) الى المحكمة الكبرى لمنطقة بغداد فصدر الحكم عليه بالاشغال الشاقة المؤبدة، ثم استؤنف القرار في 17 - 6 - 50 فتقرر خفض المدة الى ثلاث سنوات ونصف، فلما جاءت وزارة (السعيد) الحادية عشرة في 16 ايلول ذلك العام.
استصدر ارادة ملكية، بايعاز من الوصي شخصياً ، باعفاء (الحجازي) عن بقية مدة محكوميته بعد ان امضى في التوقيف والسجن نحو تسعة شهور.