الكوفة مسكن ومدفن الأنبياء والأوصياء
إن الكوفة حازت على فضل وشرف عظيمين لأنها محل لمسكن ومدفن للعديد من الأنبياء كآدم ونوح وإبراهيم وهود وصالح (عليهم السلام) .
وقد أوضح أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تلك الفضيلة التي حضيت بها الكوفة من حيث وجود قبور الأنبياء والأوصياء إلى جنب قبر سيد الأوصياء في عدة مواطن منها ما جاء عن أبي أسامة عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: ( الكوفة روضة من رياض الجنة فيها قبر نوح وإبراهيم وقبور ثلاثمائة نبي وسبعين نبياً وستمائة وصي وقبر سيد الأوصياء أمير المؤمنين(عليه السلام))( ).
كما ورد عن أبي بكير الحضرمي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال:
( قلت: أي البقاع أفضل بعد حرم الله وحرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ؟ فقال: ( الكوفة يا أبي بكير هي الزكية الطاهرة فيها قبور النبيين المرسلين وغير المرسلين والأوصياء الصادقين .....)( ).
بيد إن سر قداستها الأصلي هو وجود قبر سيد الأوصياء الإمام علي (عليه السلام) فيها.
ومما لا شك فيه إن محمداً وآل محمد (عليهم السلام) أشرف الموجودات وهم العلة التي من أجلها خلق الله الكون بأسره، والإمام علي (عليه السلام) هو أول من حاز هذا الشرف بعد سيد البشر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) .
وقد ورد في فضل أمير المؤمنين (عليه السلام) وفضل زيارته ما جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن أبي وهب القصري أنه قال: ( دخلت المدينة فأتيت أبا عبد الله (عليه السلام)، فقلت له: جعلت فداك أتيتك ولم أزر أمير المؤمنين .
فقال: بئس ما صنعت لولا إنك من شيعتنا ما نظرت إليك ألا تزور من يزوره الله مع الملائكة ويزوره الأنبياء ويزوره المؤمنون....)( ) .
وان قبره (عليه السلام) هو محط الرحمة الإلهية للعباد كافة، فما من طالب حاجة ولا مكروب ولا سقيم ولا ذو عاهة إلا لاذ بقبره وأستنجد بجواره وقضى الله حاجته ونفس عنه كربته.
فعن الإمام الصادق (عليه السلام) في معرض مدحه للكوفة أنه قال:
(...الكوفة فإن البركة منها على أثنا عشر ميلاً هكذا وهكذا وإلى جانبها قبر ما أتاه مكروب قط ولا ملهوف إلا فرج الله عنه )( ).
وعنه (عليه السلام) أيضاً أنه قال: ( نحن نقول بظهر الكوفة قبر لا يلوذ به ذو عاهة إلا شفاه الله )( ) .
ولو عدنا إلى قصة هود (عليه السلام) في القرآن، نجد ان الله بعثه إلى عاد التي كانت تسكن اليمن، وكانوا قوماً أشداء أقوياء، ولم يؤمن به إلا القليل من قومه، لأنه لم يأتِهم ببينة أو معجزة، إلا انه حاججهم بآلهتهم التي لا تنفع ولا تضر.
فلما لم يصدقوه لِما دعاهم إليه قاموا بضربه، ثم ان الله سبحانه وتعالى أيده بملائكة الرعب فلم يجرؤ أحد على مسه، وبعدها بعث الله سبحانه وتعالى على قوم عاد الريح العقيم لتهلكهم، وأنجاه الله سبحانه وتعالى والمؤمنين القلة الذين كانوا معه من ذلك العذاب .
لذلك نجد إن الإمام المهدي (عليه السلام) له شبه بهود (عليه السلام) من حيث إن هود (عليه السلام) كان قائماً منتظراً في قومه والإمام (عليه السلام) هو قائم آل محمد (عليه السلام).
ثم إن هود (عليه السلام) نصر بالرعب وكذلك الإمام المهدي (عليه السلام) منصور بالرعب حتى ذكر إن رايته التي هي راية رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) يوم بدر يسير الرعب أمامها شهر وورائها شهر وعن يمينها شهر ومن ورائها شهر وأصلها إن الله نجا هود (عليه السلام) وقلة من المؤمنين الذين معه من العذاب وجمعه وإياهم بمكة .
وكذلك الإمام المهدي (عليه السلام) سوف ينجيه من كيد الأعداء وسينجي أصحابه المؤمنين من بحار الفتن المتلاطمة وسيجمعهم له في الكوفة .
وهنا تكمن العبرة في قصة هود (عليه السلام)، والعبرة من دفنه في أرض الكوفة.
أما نبي الله صالح (عليه السلام) فقد بعثه الله إلى قوم ثمود وصالح وهو من ذرية نوح (عليه السلام) وكان كريماً ووجيهاً في قومه ثم غاب عنهم، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: ( إن صالح غاب عن قومه زماناً وكان يوم غاب كهلاً حسن الجسم وافر اللحية ربعة من الرجال فلما رجع إلى قومه لم يعرفوه، وكانوا على ثلاث طبقات :
طبقة جاحدة لا ترجع أبداً وأخرى شكت وأخرى على يقين، فبدأ حين رجع بالطبقة الشاكة .
فقال لهم : أنا صالح فكذبوه وشتموه وزجروه .
وقالوا : إن صالح كان على غير صورتك وشكلك ثم أتى إلى الجاحدة فلم يسمعوا منه ونفروا منه أشد النفور.
ثم أنطلق إلى الطبقة الثالثة : وهم أهل اليقين فقال لهم : أنا صالح.
فقالوا : خبرنا خبر لا نشك فيك أنك صالح إنا نعلم إن الله تعالى الخالق يحول في أي صورة شاء وقد أخبرنا وتدارسنا بعلامات صالح (عليه السلام) إذا جاء.
فقال: أنا الذي آتيكم بالناقة .
فقالوا: صدقت وهي التي نتدارس فما علامتها ؟
قال: لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم .
فقالوا : آمنا بالله وما جئتنا به إلى أن قال فلما ظهر صالح (عليه السلام) اجتمعوا عليه وإنما مثل علي والقائم صلوات الله عليهما في هذه الأمة مثل صالح (عليه السلام) )( ).
أما من حيث وجه الشبه بين صالح (عليه السلام) وبين الإمام علي (عليه السلام) والإمام المهدي (عليه السلام) كما جاء في النص المتقدم، فإن قاتل الإمام علي (عليه السلام) عبد الرحمن بن ملجم (لعنه الله) هو شقيق عاقر ناقة صالح (عليه السلام) .
أما بالنسبة للإمام المهدي (عليه السلام) فإنه يشبه صالح (عليه السلام) من ناحية إنه غاب وهو كهلاً. فالأخبار الواردة في غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) تشير إلى أن عمره الشريف عند ابتداء الغيبة الكبرى كان في السبعين، و يخرج بصورة شاب في الأربعين من العمر.
وهذه إحدى الابتلاءات التي يبتلى بها الناس، فينقسمون فيه، ما بين شاك وجاحد ومؤمن مصدق، ونحن نعلم أن صالح (عليه السلام) هو من ذرية نوح والذي هو من ذرية سكنت الكوفة .
وبما إن دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) تبدأ من الكوفة فهذه الفئات الثلاثة المختلفة في الإمام المهدي (عليه السلام) هي نفس الفئات التي خرجت واختلفت في صالح (عليه السلام). وكما إن صالح (عليه السلام) جاء ليثني قومه عن عبادة الأصنام فإن الإمام المهدي (عليه السلام) يأتي ليحطم الأصنام البشرية التي يعبدها أهل الكوفة وغيرهم في آخر الزمان