أحفاد السومريين يدرسون بمدارس "مشرعة للريح والمطر" في ظل تلكؤ 287 مشروعاً وزارياً بالمحافظة
المدى برس/ ذي قار:يجلس طالب الخامس العلمي، حسن جبار، في صف سقفه الخشبي المتهالك يعجز عن ايقاف رشح مياه المطر، لكنه يقول ان هذا الصف، يعد نموذجيا بالنسبة الى باقي صفوف ثانوية (ينابيع المعرفة) الطينية في ناحية الإصلاح المتاخمة لأهوار الناصرية، 350 كم جنوب العاصمة بغداد).
ولا تقتصر معاناة حسن جبار، ومن معه من طلاب ومدرسين، على اعدادية (ينابيع المعرفة)، حسب، إذ توجد في ناحية الإصلاح،(45 شمال شرق الناصرية) المتاخمة لأهوار الناصرية، 19 مدرسة طينية أخرى، في حين تضم محافظة ذي قار، التي توجد فيها تجمعات ومواقع أثرية تعود إلى 5000 سنة مضت، منها مدينة أور التاريخية، 287 مشروعاً متلكئاً لمدارس تنفذها وزارات الدولة لانعاش الأهوار والتربية والصناعة والمعادن، منذ سنة 2009، من دون أن تنفع مناشدات الحكومة المحلية لمعالجة وضعها.
ويقول الطالب في الخامس العلمي، بإعدادية (ينابيع المعرفة)، حسن جبار، في حديث إلى (المدى برس)، إن "معاناة طلبة المدرسة متواصلة طيلة العام الدراسي، نتيجة تردي واقعها"، ويبين أن "الصفوف لا تحمي الطلبة من حر الصيف اللاهب ولا من برد الشتاء القارص ومطره".
ويذكر جبار، أن "نوافذ الصفوف الطينية للمدرسة، مغطاة بستائر بدائية شبيهه بالشراشف العتيقة لأسرة النوم"، ويؤكد أن "منطقة المدرسة والطرق المؤدية إليها تتحول إلى بركة من الوحل خلال موسم الأمطار مما يفاقم معاناة الطلبة والمدرسين".
ويتابع الطالب في الخامس الاعدادي، بنبرة ساخرة، أن "المروحة الموجودة في بعض الصفوف، هي للديكور فقط، كونها غير مربوطة بالتيار الكهربائي"، ويلفت إلى أن ذلك كله "لن يثني طلاب المدرسة وملاكها التدريسي عن مواصلة الدوام في أحلك الظروف، وطلب العلم بل وحتى التفوق، أملاً بتغيير واقعهم نحو الأفضل وإن بعد حين".
وعلى المنوال ذاته يقول مدرس الفيزياء في (ينابيع المعرفة)، واثق صباح، في حديث إلى (المدى برس)، إن "المدرسة تأسست منذ سبعينيات القرن الماضي، وتعرضت للغرق في سنوات سابقة وتم هجرها"، ويستدرك "لكن الحاجة الماسة للأبنية المدرسية اضطرت إدارة الناحية إعادة افتتاحها عام 2009، إذ تضم حالياً ستة صفوف ثلاثة منها طينية والأخرى كرفانات".
ويذكر صباح، أن هنالك "110 طلاب يتوزعون على صفوف المدرسة من الأول متوسط وحتى السادس الاعدادي"، ويشير إلى أن "المدرسة تتميز بتفوق طلابها، برغم واقعها المزري، إذ حقق أحد طلابها المرتبة الخامسة على مستوى العراق".
إلى ذلك يقول رئيس مجلس ناحية الاصلاح، فيصل جاسم النصر الله، في حديث إلى (المدى برس)، إن " ناحية الاصلاح ما تزال تواجه مشكلة المدارس الطينية، ومشاريع الوزارات الاتحادية المتلكئة"، ويضيف أن في "الناحية 19 مدرسة طينية و20 مشروعاً متلكئاً لمدارس جميعها من المشاريع الوزارية".
ويوضح النصر الله، أن "المدارس المتلكئة تتوزع بواقع 11 منذ سنة 2009، وهي من مدارس وزارة الدولة لانعاش الأهوار وسبعة محالة على إحدى شركات وزارة الصناعة والمعادن منذ سنة 2011 ومدرستين تابعتين لوزارة التربية محالتين على شركة محلية منذ مطلع سنة 2012".
ويؤكد المسؤول المحلي، أن "المدارس المتلكئة كان من المفترض أن تكون بديلة للطينية، وقد قامت الشركات بتسلمها وتهديمها بأمل انجازها خلال سنة واحدة"، ويستدرك "لكنها ما تزال متلكئة فحرمت الطلبة من مدارسهم القديمة والناحية من تخصيص الأموال من موازنة المحافظة لبناء المدارس في المواقع المذكورة، مما أدى إلى تفاقم تردي الواقع التعليمي ومعاناة الطلبة والمدرسين والأهالي".
ويتابع رئيس مجلس ناحية الاصلاح، أن "إدارة الناحية طرقت الأبواب الحكومية وغير الحكومية كلها سواء في إدارة المحافظة أم مجلسها فضلاً عن وسائل الإعلام لحل المشكلة التي يعود تاريخها إلى سنة 2009 من دون جدوى"، ويعد أن "الاستجابة والتفاعل مع ملف المدارس المتلكئة لم يكن بالمستوى المطلوب، إذ تمثلت معالجات وزارة التربية بتجهيز بعض المدارس بكرفانات لا تغطي نصف الحاجة الحقيقية للمدارس في حين ظلت مشكلة الأبنية المدرسية معلقة ولم تحسم حتى الآن".
على صعيد متصل يقول محافظ ذي قار، يحيى محمد باقر الناصري، في حديث إلى (المدى برس)، خلال زيارته التفقدية لمدرسة (ينابيع المعرفة)، إن هنالك "أزمة حقيقية في المدارس، لاسيما أن المشاريع الوزارية ما تزال متلكئة منذ عدة سنوات برغم المخاطبات والمناشدات للوزارات المعنية"، ويبين أن "إدارة المحافظة لا تمتلك الصلاحيات الإدارية اللازمة للتعامل مع الشركات المتلكئة لأن التعاقد معها تم من خلال الوزارات الاتحادية، كما أن إشغال المدارس المتلكئة للأرض المخصصة لمشاريعها عقد الأمر وحال دون تخصيص الأموال للمدارس المذكورة من موازنة المحافظة".
وتعهد الناصري، بأن "تواصل المحافظة الضغط على الوزارات المعنية لحين حسم ملف المدارس المتلكئة في عموم وحداتها الإدارية"، ويضيف أن "عدد مشاريع المدارس المتلكئة بالمحافظة يبلغ 287 تنفذ على حساب وزارات الدولة لانعاش الاهوار والتربية والصناعة والمعادن".
وكان معلمو محافظة ذي قار، مركزها مدينة الناصرية، دعوا في (الأول من آذار 2014 الحالي)، إلى تشكيل هيئة للمدارس ترتبط برئاسة الوزراء لتتولى عملية بناء المدارس بدلا من مديريات التربية، واتهموها بـ"العجز"، واكدوا أن نقص الابنية المدرسية حول نظام الدوام من ثنائي الى رباعي وخماسي، وفيما أكد محافظ ذي قار يحيى الناصري تخصيص قطع أراض لبناء مدارس، لفت إلى أن إدارة المحافظة تتابع الاجراءات الخاصة بتوزيع قطع سكنية للمعلمين.
وكان مجلس محافظة ذي قار قد أعلن في (الرابع من آذار 2014 الحالي)، أنه طلب من الحكومة المحلية تخصيص مليار دينار من موازنة 2014 لشراء كرفانات لتغطية العجز في الأبنية المدرسية.
يذكر أن محافظة ذي قار تواجه مشكلة في نقص الابنية المدرسية تقدر بـ 650 بناية مدرسية وهو الامر الذي اضطر ادارات المدارس للجوء الى الدوام الثلاثي والرباعي في عدد غير قليل من المدارس.
وكان مجلس محافظة ذي قار حمل، في (الثاني من كانون الأول 2013 المنصرم)، وزارتي التربية والصناعة والمعادن مسؤولية "تلكؤ مشروع بناء" أكثر من 186 مدرسة، وفيما طالب بالتحقيق لمعرفة أسباب تأخر بناء المدارس، هدد باللجوء إلى القانون للحصول على حق المحافظة من المشاريع التربوية.
وتضم محافظة ذي قار، 1199 بناية مدرسية ينتظم فيها نحو 550 ألف طالب وطالبة، تتوزع بواقع 489 مدرسة في مراكز المدن و710 مدارس في مناطق الريف.
يذكر أن العراق يعاني منذ ثمانينات القرن الماضي، من قلة المدارس للمراحل الابتدائية والمتوسطة والإعدادية، إضافة إلى وجود مئات المدارس الطينية التي تنتشر في الأرياف والمناطق النائية في البلاد، مما جعل أكثر المدارس الموجودة تتبنى الدوام الثنائي والثلاثي في مسعى "غير مجد" لحل المشكلة
كاردينيا