TODAY - 01 September, 2011
صاحب أفضل نتيجة للملاكمين العراقيين في الأولمبياد
البطل الأولمبي فاروق جنجون يفتح قلبه ويروي حكايته


اج
رى الحوار.. أحمد كاظم نصيف - ايلاف
روح إنسانية تربوية وأخلاق رفيعة، تتجسد في بطل الملاكمة الأولمبي فاروق جنجون ؛ شارك في البطولات وحصد الأوسمة، وقدم جهدا ً فنيا ً في خدمة لعبة الملاكمة التي تعشقها أسرته قبله، كيف تم بوعي رياضي نسج هذه الثقافة الإنسانية والأخلاق الرفيعة، مع فن لعبة الملاكمة النبيل.

فتح البطل الأولمبي فاروق جنجون قلبه لإيلاف وقال:
بوادر التكوين
((مرَّة ً كنت ُ طفلا ً
وأمسكت ُ كفَّ أبي
فارتجفتُ لفرطِ الأخاديد فيها
وسحبت يدي
قال: يا ولدي
أتمنّى لكفك َ أنَّ الجراحات لا تعتريها
ومضى، ومضَيت ْ..))

عشت ُ وسط عائلة رياضية إنسانية، خاصة ً أبي الذي علمني التسامح، واحترام الجميع، ونكران الذات وحب العراق ؛ وهو رياضي، مارس لعبة الملاكمة، وكذلك الزور خانه، ووالدتي التي كانت لا تكف عن تشجيعي باستمرار، بل تحضر بشكل متواصل في قاعات التمارين، وفي النزالات الرسمية في بغداد، و أشقائي، صباح، فيصل، رعد، وشقيقتي كفاح (البنت الوحيدة في عائلتي) وكان لرعاية شقيقي الأكبر غازي، حافز مهم ومؤثر جدا ً في مسيرتي الرياضية، فوجدت ُ من عائلتي كل الدعم والرعاية.نادي الأعظمية، مدرستي الأولى كان لنادي الأعظمية تأثير فعال، وفضل كبير، في ممارستي للألعاب الرياضية، وهو مدرستي الأولى التي تعلمت فيها شعار، الرياضة: حب وطاعة واحترام، مارست الملاكمة و لعبة كرة القدم، وكنت ُ لاعبا ً بارعا ً (بشهادة الخبير الكروي، محمد نجيب كابان) الذي طلب مني اللعب لفريق آليات الشرطة (نادي الشرطة)، ومثلت ُ منتخب ناشئة العراق لكرة القدم سنة 1972، ومارست كذلك لعبة المصارعة، والعاب الساحة والميدان، وكرة السلة، والبليارد، والسباحة و الغطس، وكنت ُ الأول في لعبة المنضدة في جانب الرصافة.

لماذا الملاكمة؟



وأنا أمارس كل هذه الألعاب الرياضية، تبلورت شخصية الملاكم في داخلي، وكان لإصرار عائلتي سبب مباشر في اختيار هذه اللعبة بالذات، وجدوا في شخصي كل مواصفات اللعبة الملزمة (الذهنية والبدنية)، الصبر، الذكاء، التحمل، الاستيعاب، رد الفعل، واللياقة البدنية، وكذلك كانت قريبة من نفسي، لكونها لعبة فردية تظهر تفوق اللاعب وجهده بشكل مكثف وسريع، وكنت ُ متأثرا ً جدا ً بالبطل زبرج سبتي، الذي يعد بطلا ً قوميا ً، ولو كان في إحدى الدول المتقدمة لكان له شأن كبير، لما يمتلكه من مواصفات بطولية عالمية وفنية جدا ً، وكذلك البطل علي عبد الأمير، والبطل سامي سلمان، هؤلاء هم المؤشر الحقيقي للملاكمة العراقية، صنعوا الانجازات، وتميزوا بالفن والقوة والأخلاق.البدايــةكانت بدايتي مثالية جدا ً، فقد وضعني المدرب القدير مضر محمود سيرت، الذي اعتبره معلمي الأول وملهمي، على الطريق الصحيح، وقدم لي الرعاية والنصح، وعلمني ألف باء لعبة الملاكمة، وكان أستاذا ً عبقريا ً في عمله وإيصال المعلومة بشكل علمي ودقيق، وكان حريصا ً جدا ً ويحمل رسالة رياضية وأخلاقية رفيعة، وأيضا المدرب عزت عباس الذي كان يتميز بالجدية والفن، وأيضا ً المدرب سعيد عبد الحسين و المدرب ناهض حسين، والمدرب توفيق منصور الذي يعتبر من المدربين الكفوئين، وأعد أكثر من ملاكم جيد.

الانطلاقة، في البيت الأخضر
((نصفُ حيٌّ أنا، وأبي نصف ُ مـَيت ْ
يوم َ أمسك َ كفــّي َ للمر َّة ِ ألثانيه
كنت ُ ألمحْ نظرتـَه ُ الحانية
وهو يسألني:
أو َ ما زلت َ تجفل ُ من لمس ِ كفـّي؟؟
مـُجبـَر ٌ أن أقفـّي
مجبـَر ٌ أن أقول َ له الآن
يا أبتي
هب ْ دمي أن يـُصفـّي
بعض ْ أوجاعـِه
هب ْ يدي أن تـُلامس َ مبضـَعـَها
دون هذا التـَّشَفّي
وأبي كان يبكي
كنت ُ أعلم ُ أن أبي كان يبكي
وهو ينظر ُ نحو يدي
بين خوف ٍ وشـَك ِ))
مثلت ُ نادي الشرطة في موسم 1972/1973 ومنه كانت الانطلاقة الدولية وتمثيل المنتخب الوطني، حيث تعلمت ُ في البيت الأخضر (نادي الشرطة)، كل ما يتعلق بفنون اللعبة، ووجدت فيه كامل الرعاية والاهتمام والحب والتقدير والإعداد البدني، و كنت ُ أشعر بالطمأنينة والثقة بالنفس وأنا داخل النادي، فهو بيتي الثاني، ومواصلة المشوار على مدى اثني عشر عاما ً، صنعت خلالها شخصية فاروق جنجون، ونلت ُ ثقة أبي، وأصبحت ُ بطلا ً، ولم أخسر خلالها في أي نزال محلي أو عربي، أو دولي داخل العراق، وكان للقيادات الرياضية المتعاقبة دور بارز في نجاحي وتألقي، وعلى رأسهم فهمي القيماقجي، نزار بهاء الدين، فوزي عسكر، أكرم الشيخلي، عبد القادر زينل، هؤلاء تميزوا بحب الرياضة وحب العمل، والنجاح في التخطيط الإداري، وأيضا فلاح ميرزا، غازي عبد الصمد، موسى جواد، وكذلك الأستاذ الدكتور باسل عبد المهدي، الذي يتميز بالحرص الشديد، واحترام الرياضة والرياضيين، لما يمتلكه من علم وخبرة كبيرين وظفهما لخدمة بلده، فقد أولوني الثقة المطلقة، ولهم كل التقدير والامتنان.المشاركات الدوليةأول مشاركة دولية خارجية، مثلت فيها منتخب العراق في بطولة (هالة) الدولية في ألمانيا سنة 1973، وتوالت بعدها مشاركاتي، وأهمها: شاركت ُ في ثلاث بطولات لأولمبياد آسيا، 1974 في طهران، 1978 في بانكوك، وفي هذه البطولة لعبت أفضل نزالاتي وحققت فيه الفوز على اللاعب الياباني، بعد أن كسر أنفي في بداية الجولة الثانية، وأكملت النزال بكل قوة وجدارة، وكان الدكتور سمير سعد الله طبيب الوفد قد أجرى لي العملية الجراحية بعد نهاية النزال مباشرة، و 1982 في دلهي، وحصلت في هذه البطولة على الوسام البرونزي، لكن وبكل أسف لم أحقق نتائج جيدة في بطولات آسيا عموما ً، وذلك كون الوزن الذي العب به وهو (63.5 كغم) من الأوزان الخفيفة، وهذه الأوزان تتميز بها دول شرق آسيا، لاعتمادها على الخفة والحركة السريعة والرشاقة، وأبطال تلك الدول مميزون جدا في هذه الصفات، وشاركت في بطولة الألعاب الأولمبية في مونتريال 1976، وكنت الملاكم الوحيد ضمن الوفد، لكن الوفد العراقي انسحب من هذه البطولة احتجاجا ً على التمييز العنصري في وقتها.

أولمبياد موسكو
((هي كفـُّك ليلة َ أمسـَكت َ كفـّي فجفـَّلتـّني
أنت قبـَّلتني
غير َ أنـَّك ما قلت َ لي إن َّ كفـّي ستـُصبح ُ كفـَّك ْ
أنـَّني سيحف ُّ بي َ الموت ُ حـَفـَّك ْ
ربـَّما الحزن ُ شـَفـَّك ْ
ربـَّما وجـَع ُ القلب،
لم تستطع ْ معـَه ُ أن تقول لطفلـِك َ عند َ الفارق ْ
أن راحتـَه ُ سوف تغدو ككفـّك َ
خارطة ً لجراح ِ العراق ْ !))
كتب الدكتور ضياء المنشئ في كتابه (الحركة الأولمبية في العراق، الطبعة الأولى 2..7) " خسر الملاكمون العراقيون، عبد الزهرة جواد، فريد سلمان، سمير قاسم، وسعدي جبار، صلاح جاسم وإسماعيل خليل في الأدوار التمهيدية أما الملاكم فاروق جنجون فقد حقق أفضل نتيجة لملاكم عراقي في الدورات الأولمبية، حيث أحرز المركز الخامس بين أقوى الملاكمين العالميين واعتبر أحسن ملاكم خاسر في اولمبياد موسكو، حقق ملاكمنا البطل فاروق جنجون أول فوز له، في نزالات التصفيات بالملاكمة لوزن (63.5 كغم) بعد تغلبه على ملاكم نيجيريا (بيتر أبدلي) بالنقاط، كما فاز بالضربة القاضية على الملاكم الأوغندي، وبعد الفوزين الكبيرين ترشح ملاكمنا فاروق جنجون لخوض نزال مهم أمام الملاكم الكوبي (خوزيه اكويلار)، وبتاريخ 29 تموز عام 1980، كان الفوز في النزال معناه ضمان احد الأوسمة الأولمبية، خاض ملاكمنا اعنف نزال في دور الثمانية، واستمر الملاكمان العراقي والكوبي يلتقطان النقاط حتى نهاية الجولة الثالثة عندما أوقف الحكم النزال وأعلن فوز الملاكم الكوبي !في الواقع كان ممكنا (الكلام مازال للدكتور ضياء) حصول ملاكمنا فاروق جنجون على وسام برونزي في اقل تقدير لو توفر له قليل من الحظ، إلا أن خسارته بفارق ضئيل من النقاط في الدور ما قبل نصف النهائي، جاءت ضربة غير متوقعة وقلبت توقعات خبراء الملاكمة في اولمبياد موسكو، وبالأخص خبير الملاكمة في صحيفة الرياضة السوفيتية (سوفيتسكي سبورت) الذي كتب بإسهاب في صحيفته مشيرا ً إلى إمكانات ملاكمنا فاروق جنجون وخلص ذلك الخبير إلى حقيقة، وهي تجمع أفضل ملاكمي العالم في فئة (63.5 كغم) ما قلص فرص الحصول على وسام أولمبي أمام ملاكمنا فاروق جنجون، وفي مايلي الترتيب النهائي للملاكمين في فئة (63.5 كغم) في موسكو:
الأول: باتريسيو اوليفه (ايطاليا)
الثاني: سريك كوناكبايف (الاتحاد السوفيتي)
الثالث: خوزيه اكويلار (كوبا)
الرابع: انطوني ويليس (بريطانيا)
الخامس: فاروق جنجون (العراق)
مازلت اذكر، إننا في طريق العودة إلى ارض الوطن، جلست في الطائرة وبجواري فاروق جنجون، كان يشد تلابيبه، صمت مطبق، ويرتسم على ملامح وجهه العراقي الأسمر حزن مفرط.. ألقيت على مسامعه ما قرأته في صحيفة (سوفيتسكي سبورت) من كلمات أعجاب ناقدها الرياضي وإجماع خبراء الملاكمة على انه أحسن ملاكم خاسر في نزالات الملاكمة.. أدهشني.. إن كلمات الإطراء والمديح الصادرة عن خبراء الملاكمة لم تخرجه من صمته، الشيء القليل، أدركت وقدرت في اللحظة نفسها إن في رأس الملاكم العراقي الشجاع تصارعت أفكار حادة.. وما كان عسيرا ً، إدراك موقف الملاكم البطل، كان فاروق جنجون يغلي من داخله تلفه دوامة لوم صبه على نفسه.. كيف يعود إلى بغداد.. وليس معه وسام أولمبي يمنحه للوطن؟ ". (انتهى كلام الدكتور ضياء المنشئ).وقال البطل فاروق جنجون: هذه الخسارة قتلتني !!، ووقتها عرفت عن يقين مدى أهمية الطبيب النفسي الذي نفتقده ضمن الكادر المرافق للفرق الرياضية.

النهاية ودخول عالم التدريب
في مرحلة الإعداد لبطولة الشرطة العربية في بغداد سنة 1982، تعرضت لإصابة بليغة (تمزق الغضروف) وبعد علاجي من الإصابة شاركت في البطولة وأحرزت الميدالية الذهبية، وكانت نهاية مشواري الطويل في عالم الملاكمة، وبعد اعتزالي اللعب اتهجت إلى التدريب ؛ ليس شرطا ً أن يكون البطل السابق مدربا ً ناجحا ً، حيث إن التدريب عالم واسع وموهبة وتخطيط وعلم، ولابد للبطل السابق أن يتمتع بالمواصفات أعلاه ليكون مدربا ً، وكذلك متابعته لكل التطورات الحديثة من أجل وضع الحلول الصحيحة التي تخدم مسيرة اللعبة، وبدأت مشواري التدريبي في نادي الشرطة، وكان مشوارا ً رائعا ً، ونجحت مع كل الفئات العمرية، وكذلك مع المنتخب العراقي، وفي عام 1999، أشرفت على تدريب منتخب الأردن الذي يستعد (حينها) للمشاركة في أولمبياد سيدني.

واقع لعبة الملاكمة في العراق
المستوى الفني للعبة الملاكمة الان في العراق متدن ٍ، لعدم وجود القاعدة، ويجب إعادة الاهتمام بالفئات العمرية، رغم الظروف التي تعيق الكثير من العمل وهي بدورها ساهمت في هذا التدني، ونتمنى للخبير الروسي أن ينجح في عمله، ويجد المساندة والدعم، وعدم التدخل في عمله، ولابد من وجود لجنة من مستشاري اللعبة في العراق لمساعدة هذا الخبير.
عتب محب
في عام 2004صدر أمر بالتقاعد لكثيرين من العاملين والمنتسبين لنادي الشرطة، وأنا أكن كل الاحترام لكل أمر أو قرار يصدر، لكن للأسف لم تكن هناك ضوابط واضحة وصريحة لهذا الأمر، بدليل تم أعادة أعداد كبيرة ممن شملهم التقاعد !! بيد انهم لم يعيدوا الآخرين، وأنا من ضمنهم، علما ً أن السيد جواد البولاني (في وقتها كان وزيرا ً للداخلية) هو شخص رياضي ويحترم الرياضة والرياضيين، وكوني ابنا بارا لنادي الشرطة فعتبي عتب محب لهذا النادي ولرياضة الشرطة وللسيد جواد البولاني، وأرجو أن يعاد النظر والالتفات لمن خدم النادي بدمه وعرقه وجهده ومساهمته في مسيرة النادي على مدى 12 عامـا ً.القصيدة للشاعر عبد الرزاق عبد الواحد.