لقد كتب احد المجاهدين معاناته مع رفاق
الأمس وكتبت ردي عليه (( بعد رفع الاسماء ووضع النقاط بدلها ))
كتبَ الشيخ ...... :ـ
شكرا اخ ( ........) لقد انقذتني من حيرتي.
(......)
منذ سنين وأنا انوء بحمل حكاية ابهضني ثقلها وهي واحدة من آلاف الحكايات المؤلمة، ولكني اليوم وجدت متنفسا ابوح به بهذه الحكاية لكي يعلم بعض اقربائي واصدقائي لماذا رفضت ان اكون جزءا من هذه الحكومة ، مع أني امضيت بالجهاد عمري واستهلكت زهرة شبابي في مواقف تشيب لهولها الولدان.
ولعلي استشهد بالتاريخ فأقول أن الذين افنوا عمرهم بالجهاد بين يدي رسول الله (ص) وقدموا الغالي والنفيس من أجل المبادئ التي كانوا يحلمون بها. ما أن مات رسول الله (ص) ولم تمض على وفاته فترة قصيرة حتى كان هؤلاء المجاهدين يتقاتلون على الدنيا وحطامها ، ويمثلون طبقة من أثرى اثرياء الصحابة فبينما كان الصحابي على عهد رسول الله (ص) لا يجد تمره يأكلها فيتشارك الأربعة بالتمرة الواحدة وإذا بهم بين ليلة وضحاها يمتلكون دنيا عريضة واسعة ،حتى أن أحدهم عندما مات ترك اموالا وذهبا (مجلت أيدي الناس من تكسير الذهب بالفؤوس لتوزيعه على الورثة).
وترك فلان صحابي مليون دينار ذهبا عدا العقارات والأراضي والحيوانات من ابل وخيل وحمير وبقر وغنم .
هذا كله استحضرته قبل ان أعبر الحدود مع علمي بنفسية من دخل العراق ومن هم الذين دخلوا العراق ليحكموه .
وصح ما توقعته فهذه الدنيا العريضة الواسعة تقع بين ايدي هؤلاء لتغربلهم وتُمحصهم وإذا بهم يتهاوون الواحد تلو الآخر ، لا بل يتهاوون جماعات وينثالون على هذه الدنيا ، حتى بلغ بهم التدني إلى الحضيض فيُطالبون بثمن لخدمتهم الجهادية، فاصبح احدهم لا يُبالي إذا ذُبح الشعب كله المهم هو واسرته في امان وسلام وبحبوحة مترفة .
وخير دليل على ذلك اجهزة كشف المتفجرات التي اهلكت الحرث والنسل وهي من اكبر صفقات الفساد التي تسببت في نزيف مروّع لدماء هذا الشعب. ناهيك عن صفقات البسكويت الفاسد وسرقة الحصة التموينية والأسلحة الفاسدة فبينما نرى الإرهابي يتسلح بأحدث الاسلحة وافضلها جودة ، نرى الجندي العراقي يحمل بندقية صدأت مع عدد محدود من الطلقات .
الحقيقة المرة هي أن مجاهدي الأمس جعلوا الناس تترحم على النظام السابق،وتحلم بأيامه على الرغم من مرارتها. خبر مؤلم جدا فعلا،، وأقول مؤلم جدا أن أرى (الصحابي الجليل) (.........) المناضل الذي قارع الديكتاتورية أراه طرفا في قضية يُذل فيها (71) عراقيا ناهيك عن سمعة دولة بكاملها بشعبها وحضارتها واقتصادها وتاريخها كل ذلك من أجل ولده المدلل (......... ).
هل هذا هو الوطن يا زميلي المجاهد(........) الذي امضينا اعمارنا نحلم به، هل هذا هو الوطن الذي رأينا زملاءنا واصدقاءنا يتم اعدامهم من اجله، أمن أجل هذا استشهد الشهداء من رفاقنا في الفيلق ياسيد ( .........) ؟ أمن اجل هذا تحجرت الدموع في المحاجر لا تستطيع ان تبكي الشهيد خوفا من سلطات البعث، لقد رأى الناس وأنا منهم الكثير من الظلم، من أجل كلمة واحدة رأيت اصدقائي وأقربائي يختفون،، يذهبون ولا يعودون.
ما أريد ان اقوله هو أني لكوني مقاتل ومجاهد من فيلق ( .... )، ان الكثير من اقربائي واصدقائي كانوا يتوسطون لدي لكي اسعى لهم من أجل نقلهم من مكان لآخر او من أجل تعيينهم ، كنت لا استجيب لأن ( الميّيت ميتي واعرفه اشلون مشعول صفحة ) ، فكان اصدقائي واقربائي يُشككون في جهادي او انتمائي أو أو أو .
واتذكر يوما أن ابن اختي اتصل بي من محافظة ..... يُريد مني ان اتوسط لكي انقله ، وانا وبحسن نية قلت له اذهب إلى الاستاذ........... وقل له انا ابن اخت (....... أبو .....) واره صوري، فذهب وقابل .......... وعرض عليه قضيته وأراه صوري وإذا بابن اختي ينصدم بقول المجاهد (.......) بانه لا يعرفني. يومها كتبت قصيدة شعرية سأكتب منها اول بيت فقط .
((ما جنت اعتقد يا دنية هيج ايصير وانه الحامل على صدري وسامك يا بدر نيشان)). (1)
بالنسبة لي لم يفاجأني الخبر ، فهذا ما كنت اتوقعه لا بل توقعت الأسوأ من ذلك أن يقتلوني لأنهم يعرفون (ابو ....) ومن هو ابو ..... وما ثقله في الفيلق ولربما لا اكتم سرا إذا قلت لكم بأني بعد سقوط صدام جئت إلى محافظة .... إلى مقر فيلق....اخواني المجاهدين الأعزاء وانا كلي شوق لرؤيتهم وبمجرد ان دخلت المقر وإذا بأحدهم يُعانقني ويضع فمه على أذني ويقول لي هامسا : ((هل أنت مجنون ، لماذا جئت الا تدري انهم سوف يقتلوك))
لم اسأله من الذي يقتلني فقد كنت أيضا متوقع ذلك لا بل متوقع الأسوأ من ذلك . أن تستقر رصاصة في ظهري في غفلة من الزمن.(2)
والآن هل يعذرني اقربائي واصدقائي ممن كان يأمل مني أن احسن وضعه ؟
هل عرفوا لماذا أنا واخي لم نضع يدنا بأيدي هؤلاء ؟
هل عرفتم السر في بقائي في أوربا معدما لا املك شيئا والله سوى كرامتي وشرفي حيث اقضي عمري وانا استميت من اجل ان احافظ على رونق وبريق تلك الايام لكي لا تتلوث بما اصاب رفاق الامس وحملة السلاح .
يا دنيا غري غيري .
هل تعلمون أني لااملك حتى تقاعد في العراق إلى هذا اليوم ولا دمج ولا تعيين ولا حتى قطعة ارض ولا أي شيء ولكني امتلكت وساما من سيدي الطاهر ابن الطاهرين السيد الشهيد (محمد باقر الحكيم قدس سره) موقع بيده الشريفة وكذلك امتلك وساما آخر على جمجمتي اصابة قاتلة من رصاصة غادرة استقرت في الجمجمة في معارك الاهوار في جزر مجنون لانقاذ اهلنا من الابادة في عمليات الانفال السيئة الصيت ، وقد عانيت من الاصابة طيلة عشر سنوات ولولا قدومي إلى اوربا ولطف الله بي لكنت انا اعاني من احد حالات ثلاث إما (جنون) أو (عمى) او (شلل نصفي) ولولا رحمة الاطباء الكفار بي واهتمام ملة النصاري باصابتي لكنت في خبر كان . ولربما اقول لكم أنه لولا النظام السابق الذي وزع قطع اراضي على الاسرى والمفقودين وكنت أنا منهم ، لما حصلت على اي شيئ في بلد أفنيت عمري في خدمته.
شكرا استاذ ............ ، لقد انقذتني من حيرتي .
1- بيت من قصيدة شعبية عنوانها : (ما جنت اعتقد يا دنية هيج ايصير). كتبتها بعد تنكر من كانوا يحتمون تحت ظل بندقيتي . وقد تذكرت حينها كيف كان هؤلاء يجلسون في غرف العمليات على بعد عشرات الكيلومترات ويُنسقون معنا عبر اللاسلكي ونحن على رأس القوى المهاجمة ولعل اخطرها هو الاصطدام باللواء العشرين المدرع في جبهة البصرة، حيث كنت انا اقود القلب نحو هذا اللواء ونحن لا نملك سوى بنادق كلاشنكوف ورمانات وقاذفات ، واستطعنا ان نُبيد اللواء برمته ونأتي بآمر اللواء المقدم عبد الحمزة عبود شرار وحمايته أسرى وهو من اهالي ديالى . وكذلك في معركة أخرى تم اسر آمر الفيلق اللواء هادي الغزالي مع سائقه وافراد حمايته، والذي مات متأثرا بجراحه في مستشفى الاهواز وقد تدخل صدام شخصيا لاطلاق سراح هذا اللواء.
2- قد يتساءل البعض لماذا يحاول البعض ان يقتلني من رفاق الامس ؟ فأقول : لأني اعرف الكثير عن اخلاق بعض رفاق الامس اعرفهم عندما كانوا يبيعون السلاح الذي يعطيه الايرانيين لهم لمقاتلة صدام فيبيعونه للاهوازيين وعرب حميدية وعبادان. أعرف بعضهم منذ ان كان في معسكرات الآسر يسرق ارزاق الأسرى لكي يشبع بطنه أعرف من كان يختبئ منهم في المعارك ممن يقاتل بشراسة واخلاص . ولكن هذا لا ينفي وجود المخلصين الصادقين ، ولكنهم قليل قليل جدا مقارنة بالحيتان التي كانت تبتلع كلشيء . ثم دخلت العراق واصبح الملك بيدها فماذا تعتقد يصنعون بالعراق ؟؟؟