نقلا من كتاب ( بناء الفكر المعماري والعملية التصميمية ) للدكتور : عبد الباقي ابراهيم
عندما تنمو المدارك الحسية والانشائية والتشكيلية مع الاحساس بطبيعة الماده ومقياس الانسان يمكن التعامل مع العمل المعماري مباشرة ودون وسيط فلا يبقى من العمل المعماري بعد ذلك الا الجانب الوظيفي للمنشأ او العلاقات الوظيفية بين عناصرة . والجانب والوظيفي هنا تحدده المعايير القياسية لمتطلبات الانسان في كل عنصر من عناصر المنشأ مثل المعايير القياسية لقطع الاثاث او التجهيزات الصحيه او المعمليه او الادارية او الترفيهية او الرياضية او التعليمية وكلها مرتبطه بالمقياس الانساني المستثمر الاول لهذه المنشأت وكثيرا ما توجد هذه المعايير في المراجع المختلفه وعادة ما تؤخد علي علاتها كأنماط او أشكال تعبرعن التجهيزات الداخليه بمقاييس رسم معينه يوزعها المعماري في الفراغ المخصص لها وهنا يتم تحديد الفراغ المعماري الذي يستوعبها مسبقا مع انه من الافضل ان تتكامل التجهيزات الداخليه مع الفراغ المعماري في اثناء العملية التصميميه لذلك فان مبادئ العمل التصميمية تبدأ من تصميم المكونات المعماريه للمبني بحيث تتكامل في كل منها التجهيزات الداخليه مع الفراغ المعماري وهنا يتم التصميم المعماري لكل مكون علي حده بمقياس رسم مناسب بحيث توزع التجهيزات الداخليه في المسقط الافقي المكون مع توضيحها في القطاع الرأسي للفراغ الداخلي ويتم توزيع التجهيزات الداخليه بناء علي العلاقات الوظيفيه بينها من ناحيه وبناء علي توجيه الاضاءه والتهوية من ناحيه اخرى ثم حركة الانسان المستعمل لهذه التجهيزات ويدخل في الحسبان ايضا ارتباط متطلبات هذه التجهيزات بالخارج بمصادر تغذيه او صرف . ويعني ذلك ان العملية التصميمه في بدايتها تقتصر علي كل مكون من المكونات المعمارية للمنشأ اولا ثم يتم تجميعها في البناء الكامل للمنشأ تبعا للاسس التصميمية الشامله والتي تعتبر امتداداً لمبادئ التصميم التي تطبق في المكون الواحد من المبني . .
واذا اخذنا ابسط المكونات المعماريه في اكثر الاعمال المعمارية نجد ان غرفة النوم يمكن اخدها كنموذج لتطبيق مبادئ العمل التصميمي عليها فغرفة النوم تضم عدد من التجهيزات الداخليه بمعاير رسم معينه لذلك فان تنمية القدرات التصميمية تستدعي تصميم كل مفرد من مفردات التجهيزات الداخليه ثم تجميعها علي المسطح المناسب في الفراغ المناسب وهنا يمكن التعرف علي التجهيزات الداخليه لغرفة النوم من الطبيعه بقياسها مباشرة من الطبيعه ورصدها علي ورق الرسم فهنا يتم التعامل مع اجهزة القياس واجهزة الرسم لا سيما بالنسبه للتجهيزات الداخليه بحيث يكون المقياس الانساني محترما في كل رسم سواء بالنسبه للارتفاعات في هذه التجهيزات او في عروضها وعلاقة ذلك بالمقياس الانساني في حركاته وسكناته في الفراغ المعماري وغرفة النوم في هذه الحالة يمكن التعبير عنها بمربع 4م * 4م مثلا كما يمكن التعبير عنها بمستطيل او بمثلث او بدائرة بنفس المسطح وفي كل حاله يمكنها تستوعب نفس هذه التجهيزات وتبقي المقارنه والتقويم لكل حالة تبعا للكفاية الوظيفية للمكان من ناحية والكفاية الاقتصاديه لاستثماره من ناحية اخري ويعني ذلك ان مبادئ التصميم المعماري يمكن تطبيقها في البدايه في حدود المكون المعماري للمبني كأساس لدراستها بعد ذلك علي مجموعة المكونات التي تشكل المنشأ كله .
وتشمل مبادئ التصميم للمكون المعماري الواحد دراسه المتطلبات الوظيفية للمكون وتحديد ذلك في صورة تجهيزات لها مقاساتها الخاصه وبينها علاقات وظيفية خاصه . ويتعامل معها الانسان بطريقة خاصه ويعطي تنظيمها من الفراغ المناسب للاستعمال ممثلا في قطاعاته الافقيه والرأسية موضحا عليها المدخل المناسب للوظيفه سواء في العرض او الارتفاع او طريقة الفتح والغلق وموضحا عليها ايضا فتحات الاناره والتهويه التي تتناسب مع قوة الاضاءه المطلوبة وطبيعتها واتجاهها وبناءاً عليها يتحدد مكان النافذه بالنسبه للفراغ موضحا عليها ارتفاعها وعرضها وطريقة فتحها او غلقها او التحكم في قوة الاضاءه بها ومن جانب اخر توضح القطاعات الافقيه والرأسية طرق الاضاءه الصناعيه ومواقعها وطبيعة العزل الصوتي او الحراري المناسب سواء في الاسقف او الحوائط او الارضيات وتحديد طبيعة المواد والتجهيزات المناسبه لذلك كما تظهر التصميمات ايضا الالوان الخاصه بالتجهيزات والالوان المناسبه للاستعمال علي الحوائط والاسقف والارضيات ثم تتم بناءاً علي ذلك دراسة حجم الفراغ ومساحة المكان وتقدير التكلفة والعائد علي المدى القصير او الطويل وهو ما يمثل الكفاية الاقتصادية .
وبناءاً على الاسس التصميمية السابقة يمكن تحديد الحيز الفراغي للمكون المعماري في اكثر من وضع وبأكثر من بديل وعليه يدخل العمل التصميمي مرحلة التقويم الخاصه بكل بديل بعد وضع المقاييس الخاصه بذلك وتحديد نسبة اهمية كل جانب من الجوانب التصميمية المتمثلة في الوظيفة والطريقة الانشائية والتشكيل الفراغي الداخلي والكفاية الاقتصاية وبناءاً علي تقويم المرادفات او البدائل المختلفة مع المستعمل لهذا المكون يمكن اختيار البديل الاوفق او تعديله الي بديل اخر يظهر في صورتة النهائية وهنا يمكن اعتبار العملية التصميميه وقد انتهت مرحلتها الاساسية .
بهذا التسلسل المنطقي للعملية التمصميمية البسيطة للمكون المعماري الواحد يمكن ايجاد الوحده القياسية الطولية او المساحيه التي تربط مجموع المكونات المختلفة المكونة للمنشأ الواحد وذلك حتي يسهل الربط بين هذه المكونات في وحدة تصميمية واحدة وهو مايدخل في اسس تصميم المنشأ المعماري المركب وتعتبر العملية التصميمية البسيطة للمكون المعماري الواحد اساسا في تنمية المدارك الحسية والقدرات التصميمية في المراحل الاولى للتكوين المعماري واذا كنا قد بدأنا باتخاذ غرفة النوم كنموذج مصغر لتطبيق هذه المبادئ فان الممارسه يجب ان تمتد على اكثر عدد ممكن من المكونات المعمارية مثل المطبخ في وحدة سكنية او مطعم ومثل الفصل الدراسي او قاعة محاضرات او وحدة الحمامات او صالة العرض او محل تجاري او معمل كيميائي او وحدة تمريض في مستشفي او غرفة عمليات صغيره او كبيره او وحدة اشعه او قاعة قراءة في مكتبة او قاعة انتظار في محطة او قاعة رسم في كلية او قاعده نقد معماري او وحدة وضوء ودورات في مسجد او وحدة اداره في مبنى اداري او غرفة مراقبه في مبنى عام او موقف سيارات مطافئ او اسعاف او وحدة تشحيم في محطة بنزين او غرفة معيشية في مسكن او غير ذلك من المكونات المعماريه التي يسهل في اطارها تثبيت مبادئ التصميم المعماري والتمرس علي خطواته المتتالية التي هي في الواقع مثال مصغر لتصميم المنشأ المركبة التي تضم اعدادا من المكونات المعمارية وبذلك يستطيع المعماري في بداية تكوينه ان يتعرف على المفردات المعمارية التي تكون من مجموعها جملا معمارية تنطوي على تكامل التركيب ووحدة الاسلوب
المصدر : FOR ARCHITECTS