ما ان يشتعل الضوء الاحمر في الاشارة الضوئية في تقاطع بهو البلدية وسط الناصرية ، وتتوقف بسيارتك بانتظار انتهاء الـ 99 ثانية ، مدة التوقف حسب المؤقت الضوئي التنازلي ، حتى تجد نفسك قد وقعت تحت طائلة هجوم من المتسولين واطفال الشوارع ، هذا يمسح زجاج سيارتك الامامي رغما عنك ، وذاك يطرق الزجاج الجانبي مشرعا يديه بالدعاء لك ، وكل يطلب في ذلك صدقة منك واحسانا .
احدهم يقول انه كان ضحية هجوم المتسولين اولائك ، فغُسِلَ زجاج سيارته ودُعيَ له بالخير ، غير انه امتنع عن الدفع و"التصدق" ، لانه كان يرى ان الدفع لهم انما يكرس انتهاك الطفولة في المجتمع ويشجع ظاهرة التسول ، غير ان زميله الذي كان برفقته دفع لهم الف دينار لانه يرى فيها صدقة تعينهم على مر الحياة واحسان يحتسب له عند الله .
وبين هذا الراي وذاك ، ارسلت شبكة اخبار الناصرية ، مراسلها الى تقاطع البهو حيث التقى " اطفال الترفك لايت " ووثق خفة حركتهم وجنيهم للمال في كل 99 ثانية ، قبل ان يلتقي مسؤولين في الحكومة المحلية ليستمع لحلولهم المقترحة .
يقول الطفل المتسول " علاوي " صاحب السنوات العشر ، انه اضطر للتسول ومسح زجاج السيارات بعد وفاة والده الذي تركهم بلا معيل ، مؤكدا انه ياتي الى تقاطع بهو البلدية بشكل يومي للاسترزاق والعمل .
وعذر " علاوي " بغض النظر عن صحته من عدمه ، هو ذات العذر لزميل الاخر ، الذي قال انه يتسول ليؤمن مصدر رزق لاخوته الستة الاصغر منه ولوالديه اللذين لا يمتلكان راتبا شهريا .
اما " حمودي " والاسماء كلها هنا مصغرة ومدلعة وكانهم يسخرون من وجعهم ومعاناتهم ، فيقول انه ترك المدرسة وهو في الصف الثاني الابتدائي ليعين والده الذي يعمل بائعا في السوق وليوفران معا مصدر رزق كافي لأسرتهم .
وأوضح انه يقف إمام التقاطعات المرورية او قرب الأسواق العامة حاملا ماسحات لتنظيف زجاج السيارات ، او مناديل ورقية للبيع .
غير ان حمودي أنهى كلامه بوجع مكبوت حين قال انه لا يتمنى اي شيء من هذه الدنيا سوى ان يعود إلى مدرسته .
إما النسوة المتسولات في التقاطع فتحدثت أحداهن ويبدو انها في العقد الثاني من العمر قائلة إنها لجأت الى مهنة التسول لانها لا تعرف غيرها .
وتكشف المتسولة هذه عن احلام اكبر من واقعها ، قائلة انها كانت تتمنى لو اشتغلت معلمة او ممرضة ، ولكن فقر الحال منعتها من ذلك .
في المقابل قال مكتب حقوق الانسان في ذي قار ، التابع لوزارة حقوق الانسان ، ان ظاهرة تسول الأطفال منتشرة في عموم البلاد وهي نتيجة طبيعية لما مرت به البلاد من حروب واقتتال وعمليات إرهابية ، بالإضافة إلى قصور الجهات ذات العلاقة في وضع الحلول الناجعة لاعانة الاسر التي فقدت معيلها .
وحذر مدير المكتب محمد بحر من ان تقوم بعض الجهات المغرضة باستخدام هؤلاء الاطفال لتنفيذ جرائم او اعمال ارهابية .
وكشف عن ان الامانة العامة لمجلس الوزراء سبق وان وجهت قبل عامين بتشكيل لجان في المحافظات العراقية وبينها ذي قار للحد من ظاهرة التسول ، غير انها كانت بلا صلاحيات ولم توفر للمتسولين بدائل حقيقية عن التسول.
وطالب باقرار قوانين جديدة توفر حلول جذرية لمشكلة التسول وتكفل الرعاية الخاصة والحياة الكريمة للاطفال .
اما مدير شبكة الرعاية الاجتماعية في ذي قار حيدر شاهين ، فدعا الحكومة المحلية ومجلس المحافظة الى التحرك للقضاء على هذه الظاهرة .
واكد ان ايا من المتسولين لم يسجل نفسه لدى دائرة الرعاية طواعية ، مطالبا بتوفير الامكانيات للباحثين الاجتماعيين للتنقل وتسجيل المتسولين في المحافظة ، و تشكيل لجنة عليا لمكافحة هذه الظاهرة .