من مبادئ العدل والانصاف في المحاكمات هو مبدأ علنية المحاكمة، وهو من المبادئ التي نصت عليها لوائح حقوق الانسان والمواثيق الدولية ذات الصلة، ومعنى علنية المحاكمة هو اعطاء الحق للناس (بما فيهم الصحافة) وتمكينهم من حضور وقائع جلسات المحاكمة، دون اقتصار ذلك على فئة او جهة معينة من المواطنين، بمعنى آخر ان من حق كل مواطن ان يحضر جلسات المحاكمة، وان على المحكمة ان توفر له ذلك (قدر الامكان)، سواء أكان ذلك الفرد يحضر بصفته الشخصية أم بصفته مندوبا عن منظمات حقوق الانسان او غيرها من المنظمات، ومن اهم الأمور التي توفرها علنية المحاكمة هو ضمان عدالة المحاكمة ونزاهتها، اذ ان الجمهور الحاضر غالبا ما يكون أشبه بالرقيب على اجراءات المحاكمة ووقائعها، اضافة الى ذلك فإن علانية المحاكمة توفر للجمهور فرصة لمعرفة كيفية تطبيق القانون من قبل السلطة القضائية، والأصل هو علانية المحاكمة إذ جاء في الفقرة (1) من المادة 11 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عام 1948: كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا الى ان يثبت ارتكابه لها قانونا، في محاكمة علنية تكون قد توفرت فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عنه، وجاء في الفقرة (1) من المادة (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الناس سواسية امام القضاء، ومن حق كل فرد لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجة اليه او في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، ان تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة وحيادية، وكان قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 قد جاء على وفق ما جاءت به لوائح حقوق الانسان، اذ نص في المادة (152) منه على انه يجب ان تكون جلسات المحاكمة علنية، ما لم تقرر المحكمة ان تكون كلها او بعضها سرية لا يحضرها غير ذوي العلاقة بالدعوى مراعاة للامن او المحافظة على الاداب، ولها ان تمنع من حضورها فئات معينة من الناس، وجاء الدستور العراقي الحالي ليأخذ بمبدأ علنية المحاكمة حيث نص في الفقرة (سابعا) من المادة (19) منه على جلسات المحاكم علنية الا اذا قررت المحكمة جعلها سرية، وبناء على ما تقدم فان الأصل في المحاكمات هو العلنية وان الاستثناء هو جعلها سرية، أي عدم السماح للجمهور بحضورها. وقد جاء في الفقرة (1) من المادة (14) من العهد الدولي الخاص المذكور اعلاه ويجوز منع الصحافة والجمهور من حضور المحاكمات كلها او بعضها لدواعي الاداب العامة او النظام العام او الامن القومي في مجتمع ديمقراطي او لمقتضيات حرمة الحياة، او في ادنى الحدود التي تراها المحكمة ضرورية، وان قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي المذكور اعلاه قد نص على حالات سرية المحاكمات استثناء من الأصل (العلنية)، اذ اناط ذلك بالمحكمة فلها ان تقرر ان تجعلها سرية بعضها او كلها مراعاة للامن او المحافظة على الاداب، ولها ان تمنع حضور فئات معينة من الناس، ويلاحظ ان الدستور العراقي قد اخذ بمبدأ علنية المحاكمة الا انه ترك مسألة اجراء المحاكمة سرية من عدمه الى تقدير المحكمة دون ان يشير الى الحالات التي من الممكن للمحكمة ان تجعلها سرية كما جاء ذلك في الدستور المصري أو ان يحيل ذلك الى القانون كما ورد في الدستور الكويتي، اذ ان ترك سرية المحاكمة الى تقدير المحكمة بحاجة الى اعادة نظر بما يتلاءم والعهود الدولية ذات الصلة وبما يعزز مبدأ علنية المحاكمة.
المحامي ناصر الخليفة