بسم الله الرحمن الرحيم
لقد تناول أمير المؤمنين عليه السلام في خطبه الواردة في نهج البلاغة موضوع الإمام المهدي عليه السلام، وبشّر به من خلال مجموعة من النصوص وهنا نتناول بعضها:
- جاء في الخطبة 169 شرح محمد عبده خطبة له عليه السلام عند مسيره إلى الجمل الواقعة المعروفة، حيث قال عليه السلام : (إنّ الله بعث رسولا هاديا بكتاب ناطق، وأمر قائم لا يهلك عنه إلاّ هالك وإنّ المبتدعات المشبهات من المهلكات)،
والأمور المبتدعة يعني بها التي لم يأت بها الدين،ولكنها تشابه الحق، بما أنها تؤدي إلى ضلال البعض وتؤدي إلى هلاكهم (إلاّ ما حفظ الله منها)،(وإن في سلطان الله عصمة)، يقصد بسلطان الله هنا معنيين، سلطان الإسلام، أو سلطانه هو بالذات، يعني أن في سلطان الله الذي أمثله انا عصمة،تؤدي بكم إلى أن لا تنحرفوا وإلى أن لا تضلوا، (عصمة لأمركم فأعطوه طاعتكم غير ملومة) ويقصد النفس، (ولا مستكرهة بها، والله لتفعلن أو لينقلن الله عنكم سلطان الإسلام)، وهو ما حدث فعلاً بعد شهادته حيث انتقل سلطان الإسلام عن المؤمنين عن هذه الجماعة وصار إلى بني أمية، وتسلط على المؤمنين عدوهم، (ثم لا ينقله إليكم أبداً)، أي لا يعود إليكم، حتى يأرز الأمر، يعني ينضم الأمر إلى غيركم.
ويقول شرّاح النهج أن (إلى غيركم) يقصد به الإمام المهدي عليه السلام أي خروج الأمر منهم.
وسبحان الله فإنه منذ وفاته عليه السلام كما أخبر وإلى يومنا هذا لم تقم للمسلمين قائمة (حتى يأرز الأمر إلى غيركم)، يعني إلى الإمام المهدي عليه السلام.
إن هذا المصلح يجب أن يكون إنساناً كاملا، وإلاّ ما الفائدة منه ناقصاً، وهل يمكن للناقص أن يصلح العالم. وفاقد الشيء لا يعطيه.
حيث يبشر عليه السلام (حتى يأرز الأمر إلى غيركم). ( وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ).

- أمّا النص الثاني فقوله عليه السلام: (فلا تستعجلوا ما هو كائن مرصد)، يعني أن هذا الأمر سيحدث لا محالة مرصد، معيّن، (ولا تستبطئوا ما يجيء به الغد) هنا الكثير من الناس الآن يقولون أين الإمام عليه السلام، لماذا لا يظهر الإمام عليه السلام، وأن في زمان الأئمة كان الأمر كذلك أيضاً، والإمام هنا يوجّه الناس فيقول ان هذا الأمر سيظهر لا محالة، فلا تستعجلوا، ثم يبين لماذا لا تستعجلوا، فالعلة في أمرهم بعدم العجلة (فكم من مستعجل بما أن أدركه ودّ أنه لم يدركه)،وهذا مفهوم قرآني، قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) وما أقرب اليوم من تباشير غد، (إن الأمر قريب فلا تستعجلوا، يا قومي هذا أبان ورود كل موعود ودنو من طلعة ما لا تعرفون)، من الفتن التي ستكون قبل ظهور الإمام المهدي عليه السلام.

-والنص الثالث هو قوله عليه السلام في الخطبة 178 من جمع محمد عبده أيضاً: (وإني لاخشى عليكم أن تكونوا في فترة، عدم وجود حجة ظاهرة)،وهنا يقولون إن الفترات التي حدثت بعد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فترتان، الفترة الأولى منذ وفاته وحتى إمامة أمير المؤمنين عليه السلام حيث لم يكن الإمام أمير المؤمنين متصدياً لأمور الإمامة والإدارة, فهو أشبه بالغائب الحاضر إلى حد ما، أما الفترة الثانية فمنذ شهادته وحتى ظهور الإمام الحجة عليه السلام ولكن حتى فترة حكم الإمام، فإنه لم يكن لديه الفرصة،فالمعوقات كثيرة والحروب كثيرة ولأربع سنوات وهو يعبر عليه السلام عنها بأنّها لم تكن إلاّ عِظة ( لا رأي فيها لمن لا يطاع) وأمثال هذه، فإذن يبشرنا الإمام عليه السلام بأن هناك فترة وبعد هذه الفترة سيكون ظهور الإمام عليه السلام، حيث يقول: وإني لاخشى عليكم أن تكونوا في فترة.
نفهم من كلام الإمام عليه السلام (وإني أخشى أن تكونوا في فترة)، من الرسل يعني فترة الإنقطاع من الحجة الظاهرة الذي يبلغ عن الله تبارك وتعالى، يبين الأحكام بصورة واضحة، يبين الحلال والحرام ويقضي به بصورة علنية, والمسلمون الآن يعيشون هذه الفترة.
وهذه الفترة أيضاً لها آثارها على المجتمع وعلى الأمم, والإمام أمير المؤمنين عليه السلام يتناول قضية الفترة، يعني كيف كانت المجتمعات تعبد الأصنام لأنّ عدم وجود النبي يؤدي إلى هذا النوع من الفتنة للناس والانحراف، فإبراهيم عليه السلام هو أبو التوحيد، ولكنه عندما غاب وإلى مجيء النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كان هناك ثلاثمئة وستون صنماً على ظهر الكعبة، والعرب يقولون إن هذا بيت إبراهيم، الذي هو محطّم الأصنام. وإن ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن مانعا من هذه الإنحرافات وهذه البدع. وإنّه في هذه الفترة منذ أمير المؤمنين عليه السلام وإلى يومنا تجد كثرة المذاهب وكثرة الفرق وكثرة التحليلات وكثرة الآراء التي لم يسمع بها من قبل وهي غربية عجيبة لا تتفق لا على منطق، وكل ذلك بسبب غياب الإمام عليه السلام الظاهري.