تنتهج الجماعات المتطرفة المسلحة مثل "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) التي تستوحي فكرها من تنظيم القاعدة، وجبهة النصرة في سوريا، الأساليب نفسها لترهيب الناس وفرض سيطرتها على المناطق التي تخضع للمعارضة: أسلوب القتل والإعدام، كما يؤكد محللون للشرفة.
وقد أعلنت مفوضة الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان نافي بيلاي في بيان صادر عن مكتبها منتصف كانون الثاني/يناير، عن تلقيهم تقارير في الأسبوعين الأولين من الشهر عن حدوث حالات إعدام جماعي متتالية لمدنيين ومقاتلين لم يعودوا يشاركون في الأعمال العدائية في حلب وإدلب والرقة من جانب جماعات المعارضة المسلحة المتشددة في سوريا، وبصفة خاصة "داعش".
وأضافت بيلاي: "رغم صعوبة التحقق من الأعداد على وجه الدقة، فإن الشهادات التي قمنا بجمعها من شهود عيان موثوق بهم تشير إلى أنه جرى إعدام مدنيين ومقاتلين كثيرين، كانوا رهن الاحتجاز لدى جماعات المعارضة المسلحة المتطرفة، منذ بداية هذا العام".

وقالت بيلاي إن "إعدام المدنيين والأفراد الذين لم يعودوا يشاركون في الأعمال العدائية هو انتهاك واضح للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، ويمكن أن تعتبر جرائم حرب".
وظهرت هذه التقارير حول حالات الإعدام إثر قتال جماعات المعارضة المسلحة فيما بينها، في شمال سوريا، ومنها جبهة النصرة و"داعش" من أجل فرض سيطرتها.
وبحسب المفوضية، تشير التقارير إلى أنه في الأسبوع الأول من كانون الثاني/يناير، أعدم عدة أشخاص في إدلب على أيدي مجموعات من المعارضة المسلحة. وفي 6 كانون الثاني/يناير في حلب، "عثر على ثلاثة أشخاص قتلى وأيديهم مقيدة ورؤوسهم مصابة بطلقات نارية". وقد أفيد بأن "داعش" كانت تحتجزهم لديها.
وفي هذا السياق، قال الدكتور وائل الشريمي أستاذ القانون الجنائي الدولي في جامعة القاهرة، "إن الإعدام بحد ذاته إن نفذ من خلال جهات لا تحمل الصفة الشرعية قانونا، فإنه يعتبر من الجرائم".
وتابع موضحا "هذا ما ينطبق على الحالة السورية، فالفصائل المتناحرة خصوصا داعش والنصرة تقوم بعمليات التصفيات الجسدية دون أي غطاء قانوني، كما إنه من الواضح جدا أن الإعدام والقتل بهذه الطريقة لا يصنّف بأنه قتل خلال المعارك الحربية، إذ إن الكثير من الإعدامات طال مواطنين عزل والكثير أيضا نفّذ بحق مقاتلين استسلموا".
وقال الشريمي "بالتالي وفي كلا الحالتين، فإن الأمر جريمة واضحة متكاملة الأركان".
القتل هو المنهج الأساسي للقاعدة

من جانبه، يرى المحلل العسكري المصري، اللواء المتقاعد عبد الكريم أحمد والمتخصص في شؤون القاعدة، أن المنهج الأساسي الذي تنتهجه القاعدة والتنظيمات التابعة لها هو القتل، سواء بالإعدامات التي تجري في الساحات العامة، أو من خلال التفجيرات الانتحارية .
وأردف بالقول "بالتالي ليس غريبا أن يقوم عناصر هذه التنظيمات في سوريا بالإعدام بدم بارد لمن يخالفهم الرأي".

وفي كانون الأول/ديسمبر، نفذ مقاتلو "داعش" عملية إعدام بحق مواطن سوري ذي إعاقة عقلية وهو بائع مازوت في مدينة سراقب بمحافظة إدلب، مما أثار ردود فعل شاجبة من قبل الأهالي وانتقادات واسعة خصوصا وأن العملية أتت تحت حجة مخالفة أصول الشريعة الإسلامية والتي يتخذ منها التنظيم غطاء لجرائمه.

وفي حادثة مماثلة، قتل عناصر من "داعش" فتى سوريا يبلغ من العمر 15 عاما، يدعى محمد القطا، أمام والديه وأقاربه عندما كان يبيع القهوة في حي الشعار بحلب متهمينه بالكفر.

واعتبر أحمد أن القاعدة وفروعها تستند في هذه العمليات إلى فتاوى صادرة عن رجال دين يستندون بدورهم إلى تحريف للتفسير الصحيح للقرآن الكريم والسنة، على حد قوله.

وأضاف "ما يساعدها على تنفيذ هذا المنهج ضعف الاطلاع الديني من قبل العناصر وإيهامهم بضرورة تنفيذ الأوامر تحت حجة فتاوى ’الواقع‘، أي فتاوى صادرة لمجاراة أحداث معينة ومستجدة".

بدوره، قال محمود رفيع، الناشط السوري من تنسيقية شباب منبج، "إن داعش والنصرة تنتهجان أسلوبا واحدا لإرهاب الناس، وبعد تنفيذ الإعدامات يتم منع دفن الجثث مع الحرص على إبقائها أطول فترة ممكنة أمام المواطنين لإرهابهم أكثر".

ومن شأن هذا الأسلوب، وفقا لرفيع، إشاعة أجواء من الرعب في نفوس المواطنين والمقاتلين على حد سواء، والخوف من معارضة هذه الجماعات لتجنب مصير مماثل.

ولفت رفيع في حديث للشرفة إلى أن "داعش" تعمدت خلال الأسابيع الأخيرة اعتقال أعداد كبيرة من المواطنين في أماكن تواجدها لثني الأهالي عن مساعدة الجبهة الإسلامية وجبهة النصرة، علما أن المعتقلين عادة ما ينتهي بهم الأمر بأن يتم إعدامهم على حد قوله.

صراع الجماعات المتطرفة المتنافسة على السلطة


ويتعدى الأمر قتل المدنيين ليطال إعدام وقتل عناصر قيادية لدى الأطراف المتناحرة. ويعلل محللون الأمر بأن المسألة باتت مسألة فرض وجود في سوريا والسيطرة على أكبر عدد من المناطق والموارد.
وكان أبو خالد السوري ، ممثل القاعدة في سوريا، وستة من رفاقه قد قتلوا الأحد الماضي، 23 شباط/فبراير، بتفجير سيارة مفخخة في مدينة حلب نفذه انتحاري من "داعش"، بحسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وعلى الأثر، أصدر زعيم جبهة النصرة في سوريا أبو محمد الجولاني، تسجيلا بثته الجماعة على حسابها على "تويتر"، أمهل فيه "داعش" خمسة أيام للخضوع لإجراءات المحكمة الشرعية التي أقامتها الجماعة، مهددا بقتال "داعش" في سوريا والعراق في حال رفضت، وفق ما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.
يذكر أن السوري كان مقربا من أيمن الظواهري زعيم القاعدة الحالي والذي أعلن مؤخرا تبرؤ تنظيمه من الدولة الإسلامية في العراق والشام، وأن جبهة النصرة هي ممثله الرسمي في سوريا.
وفي هذا السياق، قال المحلل العسكري أحمد "إن قيام التنظيمات التابعة للقاعدة بعمليات إعدام متبادلة هو أكبر دليل على الحال الذي وصلت إليه العلاقة بينها خصوصا بين داعش والنصرة".
وأضاف أن هذه العمليات تزيد من الإجرام الممارس من قبل هذه الجماعات إن كان تجاه المواطنين بحجة أنهم يساعدون الفريق الآخر أو تجاه مسلحي الفريق الآخر.
وعلل هذه "الشراسة والإجرام" كما يصفها، بأنها مرتبطة بمسألة "الوجود في سوريا أو عدمه"، موضحا "فالفريق الخاسر سيتم إقصاؤه نهائيا عن الأراضي السورية ولن تتاح له الفرصة إطلاقا للعودة من جديد، خصوصا وأن الفريق الباقي سيكون ممثل القاعدة في سوريا".
وتسعى الجماعات المرتبطة بالقاعدة في سوريا إلى إقامة دولة إسلامية فيها. وكان الظواهري قد دعا في رسالة مسجلة نشرت على الإنترنت في نيسان/أبريل 2013، هؤلاء الذين يقاتلون نظام بشار الأسد السوري إلى "إقامة دولة إسلامية في سبيل عودة الخلافة".
ووفقا لأحمد، فإن القتال دائر أيضا بين هذه الجماعات للسيطرة على الموارد الاقتصادية العديدة وعلى رأسها آبار النفط وحقول القطن والقمح وصوامع الحبوب.
وأضاف أن "ما يحصل في سوريا يدل وبشكل واضح على أمرين، الأول هو البعد عن الشعارات الإسلامية التي يروج لها عناصر القاعدة، خصوصا وحدة المسلمين وغلبة المصلحة العامة للمواطنين على أي أمر آخر، وانكشاف المطامع الشخصية والصراعات الداخلية".
"أما الأمر الثاني فهو التشرذم الذي أصاب تنظيم القاعدة"، وفق ما تابع أحمد.
وتقوم تنسيقية شباب منبج برصد العديد من عمليات الإعدام التي حصلت بين الطرفين مؤخرا، من خلال جمع الفيديوهات والصور المنتشرة على الإنترنت بالإضافة إلى جمع المعلومات من شهود العيان، كما أوضح رفيع للشرفة.
وقال إنه يتم التنسيق مع مفوضية حقوق الإنسان حاليا، خصوصا بعد تصاعد عمليات الإعدام المتبادلة، من أجل تحديث بياناتها.
ومن بين الإعدامات المتبادلة لعناصر أو قيادات من التنظيمين التي تم رصدها في الشهرين الأخيرين، إعدام أبو سعد الحضرمي، قائد جبهة النصرة في الرقة، في مسكنة الواقعة بريف حلب، بحسب رفيع.
وفي مسكنة أيضا، رصد إعدام قائد أحرار الشام حسن السلمان. أما في الرقة، وبعد أن أعادت داعش سيطرتها عليها إثر المعارك العنيفة بينها وبين جبهة النصرة وأحرار الشام، رصد قيامها بإعدام ما لا يقل عن 46 عنصرا من عناصر أحرار الشام بعد اعتقالهم، بالإضافة إلى 100 عنصر من عناصر الجبهة الإسلامية حيث ألقيت الجثث في الشوارع بعد تنفيذ أحكام الإعدام، كما أضاف رفيع.
وقال "كذلك أعدمت داعش في منتصف كانون الثاني/يناير تسعة مدنيين في مدينة جرابلس بعد أن أعادت السيطرة عليها كوسيلة لإرهاب المواطنين وإخضاعهم عن طريق الترهيب".

من جانبها، قامت حركة أحرار الشام بعمليات إعدام مماثلة، وفقا لرفيع، منها إعدام أمير "داعش" في إدلب أبو يحي التونسي والقيادي أبو علي البلجيكي، كما تم إعدام 47 عنصرا من "داعش" في منطقة جبل الزاوية في إدلب.