جاء رجل الى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال:
يا أمير المؤمنين إني قد شككت في كتاب الله المنزل .
قال له عليه السلام : ثكلتك أمك وكيف شككت في كتاب الله المنزل !
قال: لأني وجدت الكتاب يكذب بعضه بعضاً فكيف لا أشك فيه .
فقال علي بن أبي طالب عليه السلام : إن كتاب الله ليصدق بعضه بعضاً ولا يكذب بعضه بعضاً
ولكنك لم ترزق عقلاً تنتفع به ، فهات ما شككت فيه من كتاب الله عز وجل .
قال له الرجل: إني وجدت الله يقول: فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا ، وقال أيضاً: نَسُوا اللهَ
فَنَسِيَهُمْ ، وقال: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. فمرة يخبر أنه ينسى ومرة يخبر أنه لا ينسى ، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين !
فقال علي عليه السلام : قُدُّوسٌ ربنا قدوس ، تبارك وتعالى علواً كبيراً ، نشهد أنه هو الدائم الذي لا
يزول ، ولا نشك فيه ، وليس كمثله شئ وهو السميع البصير ، وأن الكتاب حق ، والرسل حق ، وأن
الثواب والعقاب حق ، فإن رزقت زيادة إيمان أو حرمته فإن ذلك بيد الله إن شاء رزقك وإن شاء حرمك ذلك،
ولكن سأعلمك ما شككت فيه ولا قوة إلا بالله ، فإن أراد الله بك خيراً أعلمك بعلمه وثبتك ، وإن يكن شراً ضللت وهلكت .
أما قوله: نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إنما يعني نسوا الله في دار الدنيا لم يعملوا بطاعته فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم في ثوابه شيئاً ، فصاروا منسيين من الخير
وكذلك تفسير قوله عز وجل: فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا، يعني بالنسيان أنه لم يثبهم
كما يثيب أولياءه الذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين حين آمنوا به وبرسله وخافوه بالغيب. وأما
قوله: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ، فإن ربنا تبارك وتعالى علواً كبيراً ليس بالذي ينسى ولا يغفل ، بل هو الحفيظ
العليم ، وقد يقول العرب في باب النسيان: قد نَسِيَنَا فلان فلا يذكرنا أي أنه لا يأمر لنا بخير ولا يذكرنا به ،
فهل فهمت ما ذكر الله عز وجل ؟ قال: نعم ، فرجت عني فرج الله عنك ، وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك .(منقول)