النابغة
النابغة كأنه إنسان من الفلك فهو يخزن الأشعة العقلية و يريقها و في يده الأنوار و الظلال و الألوان
يعمل بها عمل الفجر كلما أظلمت على الناس معاني الحياة
ولاتزال الحكمة تلقي إليه الفكرة الجميلة ليعطيها هو صورة فكرتها
وتوحي إليه معنى الخلق ليؤتيها هو معنى جمال الخلق و الطبيعة خلقها الله وحده
ولكنها ليست معقولة إلا بالعلم و ليست جميلة إلا بالشعر و ليست محبوبة إلا بالفن
فالنوابغ في هذا كله هم شروح و تفاسير حول كلمات الله
وكلهم يشعر بالوجود فنا كاملا و يشعر بنفسه شرحا لأشياء من هذا الفن
ويرى معاني الطبيعة كأنما تأتيه تلتمس في كتابته و شعره
حياة أكبر و أوسع مما هي فيه من حقائقها المحدودة و تتعرض له أحزان الإنسانية تسأله
أن يصحح الرأي فيها بإستخراج معناها الخيالي الجميل فإنها و إن كانت الآما و أحزانا
إلا أن معناها الخيالي هو سرور
تحمله للناس إذ كان من طبيعة النفس البشرية أن تسكن الى وصف الآمها و فلسفة حكمتها
حين تبدو بصائرها حاملة أثرها الإلهي كأن المؤلم ليس هو الألم و إنما هو جهل سره
وبالجملة فالكون يختار في كل شيء مفسره العبقري
ليكشف من غموضه و يزيد فيه أيضا ثم ليؤتى الناس المثل الأعلى
من المعنى على يد المثل الأعلى من الفكر
و لهذا تصيب الكلام الذي يكتبه النابغة الملهم في أوقات التجلي عليه كأنه كلام صور نفسه وصاغها
أو كأنه قطعة من الحس قد جمدت في سطور
ولابد أن تشعرك الجملة أنها قدفت وحيا إذا لا تجدها إلا وكأن في كلماتها روحا
إنه النبوغ
مصطفى صادق الرافعي